وصلت يارو إلى مطار بيروت، قادمة من أثيوبيا. كانت العائلة في انتظارها : الأب والأم وابنهما . "سيطول انتظاركم قليلاً، بسبب الأوراق"، قالت لهم موظّفة الأمن العام اللبناني. ثم استدركت مضيفةً أن في وسعهم المجيء غداً"لتسلّمها"، وأن"الكل يفعل ذلك". فسألتها الأم:"وأين تقضي البنت، الليلة؟"."هنا في المطار مع مثيلاتها"، ردّت الموظّفة، وكأنه أمر معتاد. وبعد مدّة ليست قصيرة، عُرفت تفاصيلها لاحقاً، ظهرت يارو الوديعة، حاملة حقيبة حمراء صغيرة، حقيبة اليد النسائية أثقل منها. تلفّتت الشابة والقلق يساورها. وصلت أمام أفراد العائلة الذين سلّموا عليها واصطحبوها إلى البيت. وفي الطريق، سمع الوالدان، اللذان جلسا في المقدّمة، ابنهما 4 أعوام يقول ليارو:"لا تخافي". ثم ضمّها إليه وقبّلها على خدّها. ومهّد هذا الموقف لعلاقة هانئة، خالية من المنغّصات والمتاعب، طوال ثماني سنوات. يبدو أن الصغير شعر بفزعها، فأراد طمأنتها، على طريقته، أمام ذهول الوالدين اللذين لم يعرفا كيف يتدبران أمامها، عند لقائهما. تعرّف كل أفراد العائلة على الشابة الأثيوبية، من خلال صورة على جواز سفر. غير أن الأهل أصيبوا بشيء من الإرباك أمام شخصها، في حين اعتبر صغيرهما أنه يعرفها من زمان. هذه القصة لا تشبه بقية قصص الخدّام الأجانب ومخدوميهم. لعب الصبي دوراً حاسماً في توطيد علاقة جديدة مع إنسان غريب. بقية القصص تشهد أحياناً على متاعب ومشاكل يعاني منها الطرفان، الخادم كما المخدوم. لا يصل الخدم الأجانب إلى بلدان غربتهم، مدرّبين على الأعمال المنزلية. يأتون طلباً لأي عمل، وفي أي مكان. والعلاقة التي تنشأ بينهم وبين مخدوميهم، والمعاملة المتبادلة، من ضروب الحظ، في معظم الأحيان. يأتي الخدم الأجانب للعمل، من حاجة وعوز، وإلاّ لما كانوا أتوا. المحظوظون من بينهم، أو أصحاب الشخصيات القوية، يصحّ لهم، أحياناً قضم"قطعة"من دخل العائلة المخدومة. ويكون ذلك نتيجة لجدارة الطرف الخادم، أو لإهمال الطرف المخدوم. إهمال يطاول العناية بالمنزل وفلذات الأكباد أيضاً. ويروى عن أهل يرسلون الخادمة الأجنبية أو السائق، أو كليهما، إلى اجتماع تربوي في المدرسة، يُفترض أن يتلقى فيه أولياء الأمور معلومات حساسة، تتعلّق بمصير ابنهم أو بنتهم. وهذا حصل ويحصل. لو لم تصر العائلة المنتظرة في المطار على تسلّم خادمتها الأثيوبية يارو والاسم هو تصغير لپ"ياروسلام"، أي أورشليم أو القدس، لقضت الشابة ليلتها تجول في مكان ضيّق من مطار بيروت الرحب، تتحدّث مع قريناتها، وتتكّهن بمصيرها، وتستمع إلى القصص التي تناقلنها عن الخادمات العائدات إلى بلادهن... ولا شك في أن معظم تلك القصص لم تكن لها نهايات سعيدة.