ما لم يدرس حتى الآن من الوجهة السورية غير السائدة، هو اللحظة التأسيسية لحزب الله، هذه اللحظة التي أتت بخلفية إيرانية واضحة، وبحمولة عربية أتت نتيجة لحداثة عهد الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982وما تلاه من دخول القوات المتعددة الجنسيات إلى لبنان، وقيام الحزب بتفجير مقرات المارينز، بمساعدة واضحة وتوجيه واضح ومعزز من قبل الرئيس الراحل حافظ الأسد في تلك الفترة. ثلاث دعائم قام هذا الحزب عليها: الأولى- الدعامة السورية ببعدها العربي- أقله أيديولوجياً تحت صيغة المقاومة- واللوجستي، والتناغم الذي فرضته هذه الدعامة مع بعض من النسيج الفلسطيني. الثانية- الدعامة الإيرانية بأبعادها الدينية والطائفية والسياسية. الثالثة- الوضع الهامشي للطائفة الشيعية وخاصة أبناء الجنوب، الذين يشكلون أكثرية الشيعة في لبنان. وبقي الحزب يعيد إنتاج سطوته على الطائفة الشيعية، تبعا لعوامل كثيرة، لكن أهمها على الإطلاق هو رمزية المشروع الإيراني دينياً وماله الحلال، الذي أعطى ثماره بعد عقدين من الزمن، لينتج أكبر مؤسسة سياسية وميلشياوية في تاريخ لبنان المعاصر، حتى أصبح القول إننا أمام دولة داخل دولة. مع ذلك تجدر الإشارة هنا إلى ما حدث في نهاية ثمانينات القرن العشرين، حيث انتهت الحرب العراقية- الإيرانية في 1988 وتبعها مباشرة انهيار السوفيات، الذي أضعف الموقف السوري دولياً وإقليمياً، مما جعل الحضور الإيراني في الساحة اللبنانية عموماً، أكثر تواجداً. ولم يكن أمام القيادة السورية الجديدة بعد أن حسمت خيارها، إلا رفض الانصياع للموجة الديموقراطية العالمية، في ذلك الوقت، مما جعل هذه السياسة تبحث عن قاعدة ارتكاز جديدة لمشروعها الفاسد سياسياً. ولم يكن أمامها سوى طريقين: إما أن تنال رضا الأميركيين دون أن تقدم أي تنازل على الصعيد الداخلي، أو أن تجد حليفاً جديداً، وكانت إيران جاهزة وتعمل منذ زمن من أجل أن تتحول سورية إلى منطقة نفوذ إيراني، وجدت صداه من خلال العمق الوجداني المشترك لأتباع سيدنا الإمام علي. هذا التحالف الذي سرعان ما تحول إلى حالة من الذيلية السياسية للقيادة السورية تجاه إيران، لدرجة أنها تورطت على أكثر من صعيد تبعا لتلاقي مصالح إيراني وسلطوي سوري. هذه الذيلية وإن كانت ذات طابع غير مستقر تماما، تشكل علامة قوية على قدرة السياسة الإيرانية على قلب الطاولة على رأس السلطة السورية لحظة تشعر بأن هذه السلطة قد تغدر بها. حتى أن هنالك من يتحدث عن تواجد نشاط دعوي داخل صفوف الجيش السوري من قبل الاستخبارات الإيرانية ومن لف لفها من بعثات تبشيرية إيرانية. وانطلاقاً من هذه المقدمات السريعة، كانت عملية تأسيس الحزب وسياقاته تقتضي، حمولة عربية، منها ما أتى موضوعياً، نتيجة للصراع مع إسرائيل، ومنها ما أتى نتيجة للخطاب العربي الذي يدعم المقاومة، وتتبناه سلطات بعينها. لحظة التأسيس هذه كانت، سورياً، تحتاج إلى هذه الحمولة العربية، حاجة الموقف السوري نفسه لها، من أجل استمرار حالة اللاحرب واللاسلم التي كانت ولازالت تعيش عليها السلطة في سورية من أجل السيطرة الخاصة على المجتمع السوري التي أخذت خصوصيتها من الحضور اللامشروع في الصراع العربي الإسرائيلي، وعدم مشروعيته ناتجة عن أنها صاحبة مشروع ضيق يخسر كلما استمر، وللتدقيق يكفي أن نسأل أين كانت سورية وأين أصبحت الآن؟ أما إيرانياً فكانت الحاجة لهذه الحمولة العربية كبيرة جداً، بحكم حربها مع العراق من جهة، ووقوف المجتمع الدولي نسبياً مع صدام حسين، إضافة إلى مشروع نفوذها كدولة ذات مصالح في المنطقة. وهو نفوذ يعتمد أساساً على منطق الطائفة - الحزب، بمعزل عن كونه شيعياً أو سنياً. إن حزباً من طراز ديني عموماً لا يمكن ألا أن يكون طائفياً، فما بالنا إن كان حزباً دينياً وطائفياً في الآن معاً. ثم هنالك خروج النظام السوري من شعار التضامن العربي الذي اعتاش عليه عربياً منذ عام 1970 وحتى 2005 واستبداله بالمحور الإيراني. هكذا تمهد الطريق لانكشاف كم يكاد البعد العربي في سياسة حزب الله وأيديولوجيته يكون معدوماً. والسبب الأكثر مباشرة أن سلاحه المقاوم لم يعد له من ضرورة، وهي ما كان يعطيه هذا البعد العربي. لقد أصبح عبئاً فاتجه الى ان يضرب بعرض الحائط ما تبقى له من بعد عربي، من خلال غزوته لبيروت. * كاتب سوري