علق العلامة اللبناني السيد علي الأمين على استقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة، مؤكدا أن «استمراره في تولي رئاسة الحكومة هو إعطاء الغطاء القانوني من رئاسة الحكومة لسياسة «حزب الله»، وهذا ما رفضه الرئيس الحريري فكانت الاستقالة». واستنكر الأمين في حوار مع «اليوم» «تدخل الرئيس حسن روحاني في شؤون لبنان»، مشدداً على أن «كلامه مرفوض من كل اللبنانيين باستثناء المرتبطين بالنظام الإيراني والمتحالفين مع سياسته في لبنان والمنطقة، وعلى الدولة اللبنانية أن تثبت لمواطنيها بطلان هذا الكلام». وأوضح أن «المزاج الشيعي العام ليس مع الخروج على منطق الدولة»، لافتاً إلى أنه «سوف نرى المزيد من الاعتراض على سياسة حزب الله فيما لو ارتفعت هيمنة السلاح غير الشرعي على الجمهور الشيعي وغيره»، فإلى نص الحوار: ● كيف تقرأ خبر استقالة الحريري التي جاءت بسبب تدخل إيران في لبنان؟ ●● لقد حاول الرئيس الحريري أن يعيد بناء دولة المؤسسات والقانون من خلال الحكومات التي شارك فيها وتولاها بعد اتفاق الدوحة الذي جرى بعد إسقاط الدولة عندما قام «حزب الله» وحلفاؤه بقوة السلاح غير الشرعي باجتياح بيروت في 7 أيار 2008، ولم تفلح تلك المحاولات في رجوع الدولة؛ لأن اتفاق الدوحة كانت نتيجته الحكم بشروط القوي الذي استباح بيروت بقوة السلاح، وامتدت استباحته لكل مفاصل الدولة، لأن اتفاق الدوحة لم يتطرق إلى معاقبة الفريق المسلح الذي أسقط الدولة، بل كافأه بأن جعله المسيطر على الحكم بشروطه، فلا يمكن تشكيل حكومة ولا انتخاب رئيس للجمهورية بدون موافقة «حزب الله» وحلفائه في الميدان وفي مجلس النواب، وقد تعاظم تأثير حزب الله في السياسة اللبنانية من خلال ذلك الاتفاق، وأصبح هو المقرر حقيقة لسياسة الدولة اللبنانية في السلم والحرب، وانتقل للمشاركة في القتال إلى جانب النظام السوري تنفيذاً للإرادة الإيرانية خلافاً لرأي الدولة اللبنانية في سياسة النأي بالنفس التي أعلنت عنها، وصار الحزب يتدخل في شؤون الكثير من الدول العربية ضارباً بمصلحة لبنان عرض الحائط، وجاء تصريح الرئيس روحاني عن تأثير إيران في قرار لبنان ليكشف أن دور «حزب الله» هو في تنفيذ السياسة الإيرانية في لبنان والمنطقة، وقد أدرك الرئيس الحريري أن محاولاته لإعادة بناء الدولة باءت بالفشل، خصوصاً وأن رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب لا يعارضان احتفاظ «حزب الله» بسلاحه في لبنان وتدخلاته في المنطقة، وهذا يعني أن استمراره في تولي الرئاسة هو إعطاء الغطاء القانوني لسياسة «حزب الله»، وهذا ما رفضه الرئيس الحريري فكانت الاستقالة. ● ما ردك على كلام حسن روحاني حينما قال: لا قرار للبنان من دون إيران؟ ●● أنا كمواطن لبناني يستفزني هذا الكلام من الرئيس الإيراني وأرفضه وأستنكر تدخله في شؤون وطني، وقد وقفت ضد التدخل الإيراني في لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكلامه هذا مرفوض من كل اللبنانيين باستثناء المرتبطين بالنظام الإيراني وسياسته في لبنان والمنطقة، وعلى الدولة اللبنانية أن تثبت لمواطنيها بطلان هذا الكلام، وأن لا تكتفي بمجرد الرد الكلامي من بعض المسؤولين. ● كيف تنظر إلى مستقبل إيران و«حزب الله» بعد نية واشنطن تحجيم نفوذهما في المنطقة؟ ●● سياسة التدخل في شؤون دول المنطقة من قبل النظام الإيراني وسعيه المتواصل لمدّ نفوذه فيها من خلال صنعه للأحزاب والجماعات الموالية له أدت إلى عزلة النظام الإيراني دولياً وفي المنطقة، ولا يوجد مستقبل فيه الاستقرار لإيران وأدواتها في المنطقة إلا من خلال الإقلاع عن هذه السياسة والعودة إلى الالتزام بالقوانين الدولية والعمل مع دول المنطقة بمبادئ عدم التدخل القائمة على الاحترام المتبادل وحسن الجوار. ● ما تفسيرك للتطور في تدخل «حزب الله» في سوريا؟ ●● تدخل «حزب الله» في القتال إلى جانب النظام في سوريا هو نتيجة ارتباط الحزب بالنظام الإيراني المتحالف مع بشار الأسد، ولا يوجد تفسير لهذا التخبط في عناوين التدخل وأسبابه سوى محاولة إخفاء الأسباب الحقيقية للمشاركة في القتال الناتجة عن الارتباط والتبعية لأوامر القيادة الإيرانية. ● كيف تقرأ الرسائل التي تنتقد «حزب الله» وقادته ووزراءه؟ وهل هنالك تبدل في المزاج الشيعي؟ ●● أعتقد أن المزاج الشيعي العام ليس مع الخروج على منطق الدولة، وهو لا يزال ثابتاً على حاله في الإيمان بلبنان الوطن والعيش المشترك ومشروع الدولة الواحدة ذات السلطة الكاملة كما هو المزاج العام لدى كل الطوائف اللبنانية، وإن ظهر شيء من التغيير عند بعضهم، فهو بفعل الواجهة السياسية للطائفة الشيعية المتمثّلة ب«حزب الله» وحركة «أمل»، وارتباطهما بسياسات خارجية، وقد استطاعت هذه الواجهة أن تطبع عموم الطائفة بطابعها من خلال وكالة حصرية حصلت عليها بالقوّة وبمباركة من الدولة والقوى السياسية المتحالفة معها التي تقاسمت السلطة مع الثنائي الشيعي على أساس المحاصصة الطائفية، وحصرية التمثيل للطائفة الشيعية بحَمَلَة السلاح. وما جرى من النشر لبعض الرسائل يكشف عن التساؤلات الكثيرة التي تجري بين الناس في مجالسهم عن جدوى هذه السياسة التي اعتمدها الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) داخل لبنان وخارجه، والتي أدت إلى جعل الطائفة الشيعية في موقع الخصام مع شركائهم في الوطن، وفي موقع المواجهة مع محيطهم العربي وهذا ما يجر عليهم الخسارة والضرر ويجعلهم في مواطن الخطر، وسوف نرى المزيد من الاعتراض على هذه السياسة فيما لو قامت الدولة اللبنانية بحماية الرأي المعترض وارتفعت هيمنة السلاح غير الشرعي على الجمهور الشيعي وغيره. ● كيف تمكنت نظرية «ولاية الفقيه» كأحد معتقدات الشيعة؟ ●● ولاية الفقيه ليست من المعتقدات الدينية لدى الشيعة، بل هي مسألة فرعية اختلف فيها فقهاؤهم، ومعظم الفقهاء لا يقولون بها، وقد أدخلت على عالم السياسة في إيران بعد الثورة لإضفاء الصفة الدينية على الحكم بما يعزز سلطة الولي الفقيه وجعله الحاكم الفرد باسم الدين، وقد أصبحت نظاماً سياسياً في إيران، ونحن نؤمن ب«ولاية الدولة» وليس ب«ولاية الفقيه»، وذكرنا ذلك في كتابنا «ولاية الدولة ودولة الفقيه». وبرأينا، ولاية الفقيه السياسية ليست عابرة للحدود والقارات، بل هي ضمن الأراضي الإيرانية فقط، وليس لإيران ولاية على الشيعة في أي دولة أخرى، فالولي الفقيه إذا اختاره الشعب الإيراني حاكماً كانت ولايته على من اختاره، أما نحن الشيعة في لبنان والكويت والعراق وبقية الدول فلم نختره حاكماً، نحن اخترنا أنظمتنا السياسية وحكوماتنا في أوطاننا، والولاية علينا هي لهذه الأنظمة وللحكومات فيها، والمشكلة تكمن في السياسة التي اعتمدها نظام ولاية الفقيه في التدخل في شؤون غيره من الدول والشعوب، وقد اعتقد هذا النظام أن له ولاية خارج حدوده، وتبعه في ذلك المرتبطون به خارج حدوده من جماعات وأحزاب. ● أين الموقف الواحد لرجال الدين المعارضين لسياسة «حزب الله»؟ وما الأسباب التي تحول دون تشكيل تكتل لمواجهة تمدد ايران؟ ●● لقد رفعت الصوت عالياً في وجه القيادات الشيعية، ورفضت العمل على ربط الشيعة سياسياً بالنظام الإيراني، ولكن الذي حصل هو سيطرة تلك القيادات وأحزابها على القرار الشيعي، بل وعلى القرار اللبناني أيضاً، وأصبحت تلك القيادات المستأثرة بالتمثيل الشيعي والمؤيدة لإيران الممثل الوحيد للشيعة في لبنان والدول العربية، وقد حوصر صوت الاعتدال ولم يحصل على الدعم المطلوب لإظهار معارضة فاعلة وحقيقية لسياسة القيادات الشيعية بين المواطنين الشيعة. علي الأمين من دعاة الحوار والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، والوحدة الإسلامية والحوار بين المذاهب والأديان، عضو علماء لبنان ومجلس حكماء المسلمين، درس بالنجف في العراق في سبعينيات القرن الماضي، وتخرج مدرّساً لمادتي الفقه وأصوله، كما درّس طلاب المرحلة العليا في العراقولبنانوإيرانوسوريا. ترأس معهد الشرع الإسلامي في مدينة بيروت، ومعهد الإمام في مدينة صور، فضلا عن شغله منصب الإفتاء فيها وجبل عامل. محاضر ومؤلف ومشارك في مؤتمرات وندوات فكرية. مركز الملك عبدالله نجح في إحداث تقارب بين الأديان قال العلامة اللبناني علي الأمين «إن مركز الملك عبدالله لحوار الأديان والثقافات القائم في مدينة فيينا شكل خطوة متقدّمة لبناء علاقات بين أتباع الديانات والثقافات في العالم، وهو يساهم في نشر ثقافة التفاهم والحوار بين الأمم والشعوب». وأضاف الأمين: «من خلال ما يقوم به من مؤتمرات ونشاطات تبين محاسن الإسلام ودعوته لاحترام حقوق الإنسان ورفضه العدوان، يظهر للعالم صورة الإسلام الحقيقية، وأن الإرهاب فعل إجرامي تنبذه وتحرمه كل الشرائع»، وتابع: «هذا يعني أن فعل الإرهاب يقوم به من لا علاقة لهم بالأديان». وشدد العلامة اللبناني على «أن هذه الخطوة المهمة التي قام عليها المركز تحتاج إلى المزيد من الدعم والتنسيق مع سائر المؤسسات الدينية والثقافية لتشكيل جبهة فكرية واحدة في مواجهة ثقافة التطرف والتعصب الديني والعنصري». لقاء ما بعد إعلان الحكومة اللبنانية بين عون والحريري وبري (اليوم)