تجددت الاشتباكات أمس بين منطقتي باب التبانة وبعل محسن في طرابلس للسبب نفسه وهو إلقاء مجهول قنبلة يدوية ليلاً في شارع سورية بين المنطقتين، أعقبه اشتباكات خلفت 6 قتلى و18 جريحاً، من دون أن تنجح الاتصالات السياسية والأمنية، التي تابعها رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، في وقفها. وتبادل طرفا النزاع الاتهامات، فيما جدد بعضهم ربط خرق الهدنة بالتأزم السياسي الذي يندرج ضمنه حالياً موضوع البيان الوزاري. وساد شعور في المنطقتين المتقاتلين على خلفية تاريخية ومذهبية السنة والعلويين، بأن"هناك من يريد جعل المنطقة متنفساً للتأزم السياسي"، حسبما قال عضو لجنة باب التبانة سمير الحسن ل"الحياة". وأكد قاطنون في منطقة التبانة - بعل محسن لپ"الحياة"في اتصال هاتفي، إن الوضع"لم يهدأ تماماً أبداً، وعلى رغم انتشار الجيش وقوى الأمن الداخلي، تلقى ليلياً قنابل بين المنطقتين ويسعى الجيش الى ملاحقة الفاعلين لكنه يعجز عن معرفتهم خصوصاً ان القنابل تلقى وسط ظلام دامس في منطقة شعبية كثيرة الأزقة والأحياء... حتى عناصر الجيش وقوى الأمن لم يسلموا من الاعتداءات وكان آخرها ليل الأحد ? الاثنين، إذ ألقيت في المنطقة خمس قنابل وأطلقت النار على الجيش وأصيب جندي بجروح طفيفة لكن الأمر بقي محصوراً ولم يعلن عنه، أما لماذا توسعت الاشتباكات أمس وبدأ رصاص القنص، فلا أحد يعرف ناهيك بالإشاعات والأحاديث المنتشرة في المنطقة عن عمليات تسلح عند الطرفين". وكان الوضع عاد إلى التدهور منتصف الليل عندما ألقى مجهولون قنبلة يدوية على منطقة التبانة، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات استخدمت فيها قذائف ال"آر بي جي"والاسلحة الرشاشة بين المنطقتين. وعند الثالثة فجراً بدأت عمليات قنص بشكل واسع على الاوتوستراد الدولي الذي يربط طرابلس بعكار، ما دفع بقوى الأمن الداخلي الى قطع الطريق الدولية الممتدة من منطقة الملولة إلى البداوي، وتم تحويل السير في اتجاه الطرقات الفرعية الآمنة. وطاولت عمليات القنص الشوارع الفرعية في باب التبانة والمباني المشرفة على بعل المحسن. وتسببت المعارك باندلاع حريق كبير قرب براد البيسار الواقع في منطقة الزاهرية المتاخمة لمنطقة التبانة جراء سقوط قذيفة صاروخية. وسمع دوي قذائف في المنطقة التي شهدت تبادل إطلاق رصاص متقطع بالاسلحة، في وقت كان الجيش يعمل على تعزيز مواقعه لضبط الوضع وإعادته الى الهدوء. أما القتلى فهم: الطفل عبودي يحيى الذي قضى برصاص طائش، وسليمان أحمد سليمان الملقب بپ"زيكو"، ودرويشة ديب، ويوسف كمال خضور وغزوة مصطفى، والشرطي في بلدية طرابلس علي جميل فارس. وعرف من الجرحى: أديبة ديب، محمد عبود، ناصر سبسبي، عبد الكريم حداد، مصطفى عيد، رامي مراد، كريم شعبو، خديجة شديد، خالد عبد الرحمن عيد، أحمد محمد ناجي، أحمد صلاح ناجي، نصر محمود محمود، شادي رفعت كامل، صالح علي حمود، أحمد عمر حمدوش، عمر وليد ستيتة، علي مصطفى الملقب"القواس"وجندي في الجيش اللبناني. اجتماع ونزوح ولمعالجة الأزمة، عقد مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار اجتماعا في منزله حضره عبدالله ميقاتي ممثلاً الرئيس نجيب ميقاتي، الوزير السابق عمر مسقاوي، عبدالله بابتي ممثلاً"الجماعة الاسلامية"، وممثلون عن فاعليات منطقة النزاع. وتوصل المجتمعون الى إعلان فوري لإطلاق النار يبدأ عند الثانية عشرة والنصف ظهراً. وجرى خلال الاجتماع اتصال برفعت عيد وطلب منه المفتي مناداة أنصاره عبر الجهاز مباشرة لوقف إطلاق النار كما طلب من فاعليات منطقة التبانة الاتصال بالمجموعات الموجودة على الأرض والإيعاز لها لبدء وقف إطلاق النار في الوقت المحدد. وقال الشعار:"نحن لن نسمح لهؤلاء خفافيش الليل ان يوقعوا بين أبناء البلد الواحد والعائلة الواحدة". وعلى رغم الإعلان عن اتفاق وقف النار، استمرت المواجهات بشكل متقطع على محاور التماس بين منطقتي باب التبانة وبعل محسن ومناطق القبة والشعراني والمنكوبين وسوبر ماركت الريفا. كما استمر إطلاق رصاص القنص الكثيف من مبان مرتفعة، ما شل الحركة تماماً على الطريق الدولية، في حين شهد وسط طرابلس حركة محدودة وأغلق عدد من المحال والمؤسسات. وتسببت الأحداث بنزوح من الأحياء السكنية في التبانة والقبة، ولجأ النازحون إلى مدارس الزاهرية للصبيان والثانوية العربية ومدرسة النصر والنور في الميناء. وتفقد رئيس بلدية طرابلس رشيد الجمالي النازحين، مطلعاً على احتياجاتهم التي تولت الأجهزة البلدية تأمينها وتوزيعها، وهي شملت الفرش والشراشف والمراوح وبرادات المياه. اتصالات ومواقف وتابع الرؤساء سليمان وبري والسنيورة تطورات الوضع في الشمال. وأجرى بري اتصالاً مع المفتي الشعار، منوهاً بدوره"في وأد الفتنة". كما اتصل بقيادة الجيش، وتلقى اتصالاً من النائب السابق أحمد حبوس. وأجرى السنيورة اتصالات بوزير الداخلية زياد بارود، وقيادة الجيش، وقيادة قوى الأمن الداخلي والمفتي الشعار. وأكد خلال اتصالاته، وفق معلومات مكتبه الإعلامي،"ضرورة السعي للتهدئة وتنفيذ إجراءات أمنية تحول دون تكرار انفلات الوضع الأمني"، مشدداً على"ضرورة تطبيق القانون بحق المخالفين". وفي المواقف، قال الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي:"مجدداً يطرح السؤال الكبير: من يشعل الفتنة في طرابلس؟ وما السر في توقيت اندلاع الاشتباكات في كل مرة يبلغ فيها التأزم السياسي في البلد ذروته؟ وهل تحولت الأحياء الفقيرة في طرابلس صندوق بريد للتوظيف السياسي؟". واعتبر أن"ما يحصل مقلق وخطير جداً ولم تعد تكفي معه المعالجات الآنية والكلمات المعسولة، بل المطلوب من جميع المعنيين تحمل مسؤولياتهم في الحفاظ على المدينة وما تبقى من عناصر الحياة فيها ووقف النزوح المتكرر لأبناء المنطقة". ورحب بالاتفاق الذي أعلنه الشعار، مطالباً الجيش بأن"يكون حازماً إلى أقصى الحدود في ضبط الأوضاع وكشف المحرضين على هذه الاشتباكات والمشاركين فيها وتوقيفهم". وقال النائب أحمد فتفت:"في كل مرة تستغل الفتنة في الشمال للضغط في السياسة العامة، وبالتالي يجري استعمال السلاح لتحقيق مكاسب سياسية وهو ما يعتبر تناقضاً كبيراً مع اتفاق الدوحة". وحمّل"المسؤولية كاملة للقوى الأمنية التي تظهر تقصيراً كبيراً على مستوى تحمل مسؤولياتها"، داعياً إياها"إلى الحزم والحسم تجاه كل الأطراف". ورأى رئيس"جبهة العمل الاسلامي"فتحي يكن"أن ما يجرى في طرابلس هو الأخطر على المدينة وليس منها، لأن القوى الداعمة لكلا الفريقين المتقاتلين، تستغل الشحن المذهبي لتحقيق مآرب قطرية واقليمية ودولية". وقال:"لا أبرئ بعض الأجهزة من اللعب بالنار وتوزيع السلاح وإدارة اللعبة الجهنمية، من خلال التغرير بقوى وعناصر محتسبة على الفريق السني من غير أن تدرك أنها ستكون المحترق الأول بنار هذه الفتنة العمياء".