نفذت إسرائيل وپ"حزب الله" برعاية الأممالمتحدة والوسيط الألماني الذي كلفته عقدها، صفقة تبادل الأسرى وجثث ورفات زهاء 200 شهيد لبنانيوفلسطيني وعربي، وأجزاء وأشلاء جنود إسرائيليين، على امتداد نهار أمس، وسط أجواء احتفالية شعبية وحزبية ورسمية ومشاعر النصر في لبنان، والشعور بالمهانة في إسرائيل، خصوصاً أن الجنديين الإسرائيليين اللذين كانا في حوزة"حزب الله"منذ 12 تموز يوليو 2006 واللذين بدأت عملية التبادل بهما، أعيدا في نعشين أسودين، وسط نقاش إسرائيلي داخلي حول اضطرار الدولة العبرية الى تقديم التنازلات الكبيرة ل"حزب الله". وإذ تأخرت مراحل التبادل فإنها شملت عودة أسرى يرمزون الى الكثير من السجون الإسرائيلية وخصوصاً عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار والأسرى الأربعة من"حزب الله": ماهر كوراني، محمد سرور، حسين سليمان وخضر زيدان. أما أهم الرموز من الجثامين فكان جثمان الشهيدة الفلسطينية دلال المغربي مع جثامين 3 من رفاقها ال12 الذين شاركوها عملية الساحل الشهيرة عام 1978 في داخل إسرائيل، إضافة الى جثامين 8 شهداء من"حزب الله"سقطوا خلال حرب تموز 2006. وقال"حزب الله"إن رفات وجثامين الشهداء الباقين ويناهز عددهم 180، الذين سلمتهم إسرائيل الى الصليب الأحمر الدولي ونقلهم في شاحنات مبردة، سيبقون في منطقة الناقورة ويتم نقلهم التاسعة صباح اليوم الى بيروت. بدأت عملية التبادل مع ساعات الصباح حين وصل وفد مموه ل"حزب الله"رأسه رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في"حزب الله"وفيق صفا، الى الناقورة، ومكث هناك الى حين انطلاق"عملية الرضوان"لتبادل الأسرى والمعتقلين، عند التاسعة والدقيقة 44. وقال صفا:"نقوم اليوم والآن بتسليم الجنديين الاسرائيليين الاسيرين اللذين اسرتهما المقاومة الاسلامية في 12 تموز 2006، واللذين بقي مصيرهما مجهولاً حتى هذه اللحظة على رغم الحرب التي شنت علينا من اجل استعادتهما، وعلى رغم الضغوطات التي مورست علينا من اجل كشف المصير، اليوم نسلم ايهود غولدفاسر والداد ريغيف الى رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي. وهل هما حيّان أم ميتان؟ أجاب:"الآن سيتم كشف المصير". وما لبث ان كشف عندها توجه الحضور الى سيارات موكب"حزب الله"، التي انزل منها وسلم صفا جثتي الجنديين الى الصليب الاحمر الدولي، الذي نقل النعشين في اتجاه الاراضي الفلسطينية وسلمهما الى اسرائيل. وأجريت فحوصات الحمض النووي التي اظهرت ان الجثتين تعودان فعلا للجنديين الاسرائيليين، على ما ذكرت الاذاعة الاسرائيلية نقلاً عن الجيش الاسرائيلي. ثم انطلقت المرحلة الثانية من"عملية الرضوان"بوصول الدفعة الاولى من الرفات العائدة لمقاتلين لبنانيين وعرب. وضمت هذه الدفعة رفات 12 مقاتلاً. واكد"حزب الله"انه تسلم رفات سبعة من مقاتليه سقطوا في حرب تموز 2006 بالاضافة الى رفات دلال المغربي. وعند الساعة الرابعة و50 دقيقة سلم صفا مندوبة الصليب الأحمر أشلاء لجنود اسرائيليين سقطوا خلال الحرب. وعند الخامسة والثلث أطلت سيارات للصليب الأحمر الدولية وفيها الأسرى المحررون وهم الى سمير القنطار، خضر زيدان، ماهر كوراني، محمد سرور وحسين سليمان. وهؤلاء الاربعة أسرتهم اسرائيل ابان حرب تموز. عند الرابعة إلا خمس دقائق عصراً، مرت نعوش الشهداء ال 12 8 لشهداء"حزب الله"في حرب تموز والبقية لدلال المغربي ورفاقها على السجاد الأحمر أمام المنصة - نصبها الحزب في منطقة الناقورة، على بعد قرابة 4 كيلومترات من البوابة الحدودية - ملفوفة بعلم لبنان وقد غطاها الورد، وتولت نقلها شاحنة كبيرة زُينت بالورود وأعلام لبنان، وصورة القيادي في الحزب عماد مغنية، الذي اغتيل في دمشق، وتحتها كتب"قائد الانتصار"، إضافة إلى عبارات:"انتم القادة انتم السادة انتم تاج الرؤوس". وعلى جوانب الشاحنة رفعت أعلام لبنانوفلسطين فيما وقف 4 عناصر من"حزب الله"يؤدون التحية للحاضرين على المنصة. وقبل مرور النعوش بقليل، اصطف عناصر الحزب على جانبي الطريق باللباس العسكري مؤدين التحية العسكرية، فيما تولت فرقة"كشافة المهدي"عزف نشيد الموتى. الحاضرون على المنصة الرئيسة أقارب الشهيدة دلال المغربي ورفاقها ورفاق سمير القنطار والأسرى وبعض الرسميين ومنهم رئيس المكتب السياسي ل"حزب الله"السيد ابراهيم امين السيد، ومسؤول منطقة الجنوب في الحزب الشيخ نبيل قاووق، ونواب ومسؤولون حزبيون لبنانيونوفلسطينيون بينهم أمين سر حركة"فتح"في لبنان سلطان ابو العينين. وكان بين الحضور مدير فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العقيد عباس ابراهيم. وحضر ايضاً رجال دين من جميع الطوائف تلوا الصلوات على روح الشهداء. وبعد مرور الموكب ترافقه سيارات تابعة للپ"هيئة الصحية الإسلامية"، عادت الساحة الى عناصر"حزب الله"يؤدون التدريبات فيعيدون مرة بعد مرة عروضاً عسكرية حاملين علم الحزب ووراءه علما لبنانوفلسطين. المشهد نفسه كان أداه عسكريو"حزب الله"في بداية الاحتفال. ومنذ الصباح، ردد قائد المجموعة الأقسام العسكرية:"عهداً لك خميني نبايعك خامنئي"،"قسماً بكتاب الله إنا على العهد يا نصر الله". كما أدى مجموعة من العسكريين عرضاً على الأحصنة فساروا رافعين اعلام الحزب وفلسطينولبنان، وهو ما سيؤدونه لاحقاً عند وصول الأسرى. ومن جهتها، أدت فرقة"الأندلس"الفلسطينية رقصات من الفلكلور الفلسطينيواللبناني، ورفع اعضاؤها أعلام"حزب الله"وفلسطين. وصول الأسرى وعند الخامسة وبضع دقائق اجتاز القنطار الحدود براً عبر معبر الناقورة، ليعود محرراً إلى لبنان الذي غادره قبل 29 سنة بقارب مطاطي إلى فلسطينالمحتلة، ليمضي فترة أسر طويل في السجون الإسرائيلية. ومعه عاد أسرى"حزب الله"الأربعة ماهر حوراني وحسين سليمان ومحمد سرور وخضر زيدان، الذين اسروا خلال حرب تموز يوليو 2006. وكانت هذه الأخيرة اندلعت اثر اسر جنود إسرائيليين من جانب"حزب الله"تحت عنوان تحرير سمير القنطار. وعند الخامسة وقرابة 20 دقيقة وصل القنطار ورفاقه، مرتدياً سترة رمادية وجينزاً أزرق، في موكب لپ"حزب الله"إلى مكان الاحتفال الرمزي الذي نظمه الحزب في الناقورة قرب مركز مخابرات الجيش لمناسبة عودة الأسرى والجثامين من إسرائيل. وقبل الوصول الى المنصة حيث الحضور الرسمي والصحافيون، سلك الموكب طريقاً فرعياً ودخل الأسرى إلى خيمة أعدت مسبقاً لاستقبالهم، وبعد اكثر من ساعة خرج ضباط من الجيش اللبناني، بينهم العميد عبدو شحيتلي ومدير عام الأمن العام اللواء وفيق جزيني على السجاد الأحمر الى المنصة، وتبعهما القنطار ورفاقه الأربعة بلباس عسكري. ومع خروجهم أدت لهم ثلة من عناصر المقاومة التحية العسكرية، ثم نزل امين السيد وقاووق عن المنصة يتقدمهما حملة أعلام المقاومة ولبنانوفلسطين، لملاقاة الأسرى. وعانق ضباط الجيش بدورهم الأسرى الذين رفعوا شارات النصر امام الكاميرات، قبل ان يغادروا على متن طائرة مروحية الى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت حيث كان الاحتفال الرسمي. الرحلة الى الناقورة وكانت الطرق الرئيسة من صور الى الناقورة، زينت بأقواس نصر باللون الأصفر، وطبعت عليها صور لمغنية ونصر الله والشهداء والأسرى وعبارات"أسرانا عادوا من دون منّة من احد"،"تحرير الأسرى إنجاز الله على ايدينا". كما رُفعت على أعمدة الكهرباء بين صيدا وصور اوشحة حمر وصفر وخضر، ولافتات ترحيب بعودة الأسرى وإنجازات المقاومة. ومنذ السابعة صباحاً بدأ توافد الصحافيين الى المنطقة. ومنع الجيش اللبناني، ومن بعده"حزب الله"وصول من"ليس له عمل". وكان حاجز للجيش قرب صور يفتش السيارات، بعدما يطلب من ركابها الترجل منها. وطلب الى الصحافيين الحصول على تصريح للدخول الى الناقورة. ولم يتمكن اهالي الشهداء ومدنيون آخرون من الحصول على تصاريح، غير ان عدداً منهم نجح في الوصول الى الناقورة بسلوك طرق فرعية. وفي البياضة، كان عناصر تابعون لمخابرات الجيش اللبناني يسمحون بالمرور فقط للصحافيين وبعض السيارات المرخص لها. اما في الناقورة فتركت إجراءات الأمن لپ"حزب الله"الذي طلب عناصره من السائقين ركن سياراتهم على جوانب الطرق، ومن الصحافيين الدخول الى مركز تابع للحزب حيث يخضعون للتفتيش والتدقيق في بطاقات عملهم، ليتسلموا بعدها تصاريحهم، قبل التوجه سيراً الى مكان الاحتفال. هنا ينتصب قوس نصر آخر كبير عليه عبارات كُتبت بالإنكليزية، تمثل جانباً من الحرب النفسية بين إسرائيل و"حزب الله". الصور تبرز الفرق بين ما يدور الآن في كل من لبنان وإسرائيل. في الصورة الأولى عبارة"فرح في لبنان وألم في إسرائيل"وصورة لعناصر من"حزب الله"خلال عرض عسكري، مقابل أخرى لجندي إسرائيلي يبكي. وفي الثانية صورة لرئيس الحكومة الإسرائيلي ايهود اولمرت يسند جنبيه بيده وعبارة"المذلة يضمنها أولمرت"، مقابل صورة لنصر الله ومغنية وعبارة"حرية يضمنها نصرالله". والمقارنة الثالثة على القوس المرفوع هي بين صورة لمقاومين يحملون نعشاً ملفوفاً بعلم"حزب الله"وعبارة"لبنان يذرف دموع الفرح"وثانية لجندية إسرائيلية تبكي على كتف صديقها وعبارة"إسرائيل تذرف دموع الألم". وبعد نحو ساعة من دخول المحررين الأراضي اللبنانية، وصلوا الى موقع الاحتفال برفقة صفا، مرتدين لباساً عسكرياً وعلى أكتافهم العلم اللبناني. وتقدم الى استقبالهم الشيخ قاووق والسيد إبراهيم أمين السيد، ليصطحباهم على وقع الموسيقى العسكرية الى المنصة. وألقى ممثل الأمين العام ل"حزب الله"رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد إبراهيم أمين السيد كلمة قال فيها:"إنها لحظة من لحظات الشكر الإلهي، من لحظات النعم والألطاف الإلهية ومن لحظات النصر الإلهي حيث نقف هنا، هنا تقف المقاومة، من منصات كل الوطن التي وصلت الى حيفا وبعد بعد حيفا حتى عدتم أيها الأبطال". وأضاف:"من منصات الوطن التي لم تعودوا إلا حينما وصلت صواريخ المقاومة إليكم، لم تعودوا إلا حينما وصلت المقاومة شهداء وأسرى إليكم حتى عدتم أبطالاً وأحراراً. من هنا مرّوا، عن هذا الطريق مروا ودخلوا إلى فلسطين ما رآهم إلا التراب والشجر وما أحست بهم إلا نبضات قلوبهم ومن هذا الطريق عادوا الى وطن المقاومة وطن الجهاد وطن الشهادة وطن النصر والعزة والشرف والإباء". وتابع السيد:"أيها الاخوة نستقبلكم شهداء أحياء عندنا، وشهداء أحياء عند ربهم يرزقون. يا دلال، يا دليل طريق فلسطين. يا دلال ويا رفاقها، يا كل الشهداء يا كل الأسرى نحن نعلم وانتم تعلمون، نحن لم نكن ننتظركم لأننا نعرف ان الانتظار لا يحرر شرفاء ولا أحراراً إنما كنا نعلم أنكم كنتم تنتظرون المقاومة فوصلت إليكم فعدتم أحراراً وأبطالاً". وتابع:"فلسطين، هذا كلام للشهداء، حيث ولدتم وفلسطين حيث وطأت أقدامكم وفلسطين حيث نامت أجسادكم وفلسطين حيث دفنت بنادقكم وفلسطينلبنان. يا أبطال، أيها العالم، نحن والمقاومة لم نحرركم من السجن الإسرائيلي إنما من السجن الدولي كله. العالم كله كان يسجنكم والمجتمع الدولي كله كان يسجنكم .المجتمع الدولي كان يرى كل شيء في فلسطين ما خلاكم. وأما المقاومة فكانت ترى في فلسطين كل شيء من خلالكم. كانت ترى فلسطين من خلالكم والقدس من خلالكم والحرية من خلالكم". وقال:"هذا تحرير ليس بثمن النفط ولا الغاز ولا المفاوضات ولا التسويات هذا تحرير رغم أنف المجتمع الدولي بالمقاومة والدم والجهاد والشهادة. احتضنتكم قبل التحرير بنادق المقاومة. واحتضنتكم قبل التحرير صواريخ المقاومة. واحتضنكم سلاح المقاومة الذي هزم كل سلاح العالم".