أتاحت عودة الهدوء الى مدينة طرابلس، شمال لبنان، بدءاً من مساء أول من أمس استئناف الاتصالات في شأن أزمة تأليف الحكومة اللبنانية، وسط استمرار العقبات نفسها المتعلقة بمطلب زعيم"التيار الوطني الحر"ميشال عون الحصول على حقيبة سيادية، في مقابل اتفاق رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة فؤاد السنيورة على تساوي الأكثرية والمعارضة بحصول كل منهما على حقيبة سيادية، على ان يسمي سليمان وزيري الدفاع الياس المر والداخلية. وفيما ينقضي اليوم شهر على انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية من دون ان تتشكل الحكومة الأولى في عهده، في ظل تزايد الاقتناع بأن هذا التأخير يبطئ من انطلاقة العهد الرئاسي الجديد، ويقلل من وهج الدعم الدولي والعربي الذي تلقاه بالتزامن مع اتفاق الدوحة، فإن رئيس الجمهورية لقي دعماً أمس من القادة الروحيين للطوائف اللبنانية الذين اجتمعوا في القصر الرئاسي بناء لدعوة منه. وصدر عن القمة الروحية، بعد الاجتماع، بيان دعا اللبنانيين الى التعاون مع الرئيس سليمان لتسيير مهمته بالتعاون مع مجلس النواب والحكومة العتيدة"التي نطالب بالإسراع في تشكيلها لأن كل تأخير يعيق انطلاق العهد الجديد". ودانت القمة الروحية، غداة الصدامات الدموية في طرابلس بين منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنّية،"التطرق والعنف بمختلف أشكالهما"، وأكدت"ما ورد في اتفاق الدوحة لجهة خطر اللجوء الى السلاح"... وحثت القوى السياسية على"اعتماد المؤسسات الدستورية لحل خلافاتها بالحوار"، كما شددت على تعزيز سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية. وحذر الرئيس سليمان، في الكلمة التي ألقاها عند استقباله قادة الطوائف اللبنانية، من ان"خلافات اللبنانيين وصلت إلى حد الانتحار"، داعيا إلى"إطلاق ورشة حوار وطني ترسخ رسالة لبنان ودوره وتعزز وحدة مصير أبنائه من جميع الفئات والأطياف"، والى"إبعاد ما هو داهم من الخلافات والصراعات لمنع انعكاسها خلافات مذهبية وطائفية لا تخدم إلا مصلحة العدو الإسرائيلي". ورأى ان انتظام عمل المؤسسات الدستورية يكون بالإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة"حتى لو تطلّب ذلك تقديم تضحيات وتنازلات". وإثر الغداء الذي أقامه سليمان للقادة الروحيين على شرف رئيس مجمع تطويب القديسين في الفاتيكان الكاردينال خوسيه ساراييفا مارتينيس في حضور رئيس البرلمان نبيه بري والسنيورة، عقد اجتماعاًَ مع الأخير للبحث في المخارج من الجمود في شأن تأليف الحكومة. وأعلن السنيورة مجدداً أنه لن يحدد موعداً لتشكيل الحكومة. وعن هجوم عون عليه ومطالبته بتحديد مهلة للتأليف يعتذر بعدها، قال السنيورة:"نحن مستمرون في الاتصالات مع جميع الأطراف وكذلك مع العماد عون وكل الأمور الشخصية ليس لها اعتبار". وزاد:"إننا اليوم كالعاصفة في الفنجان... والأكثرية لا تزال متمسكة بترشيحي لترؤس الحكومة". وعن الخلاف على الحقائب السيادية كرر السنيورة القول إنه"إذا أرادت الأقلية اخذ حقيبة المال فبكل حبور وسعادة وإذا أرادت الخارجية كذلك". وهو اقتراح كان تقدم به على قاعدة التبادل والتناوب في الحقائب بين الفرقاء والطوائف، لكن المعارضة تطالب بحقيبتين سياديتين واحدة للفريق الشيعي فيها وأخرى للعماد عون المال أو الدفاع. وعلم من مصادر القصر الرئاسي ان سليمان سيواصل اتصالاته في شأن الحكومة ويلتقي مع القيادات المعنية مباشرة بالتشكيلة الحكومية. وقالت المصادر ان الرئيسين تبادلا المعلومات عن المواقف من تشكيل الحكومة وأن لا جديد يسمح بالأمل بحلحلة قريبة. وذكرت ان ما قيل عن ان قادة المعارضة اتفقوا في اجتماع عقدوه نهاية الأسبوع الماضي على ان يتولى العماد عون تسمية شخصية شيعية لحقيبة الخارجية، أو أن يتولى حقيبة الاتصالات غير سيادية أحد اعضاء كتلته على ان تُسند الى القيادي في"التيار الوطني الحر"عصام ابو جمرة نيابة رئاسة الحكومة، وهي اقتراحات إعلامية لم يتبلغ بها أي من سليمان أو السنيورة. وإذ شدد سليمان والسنيورة على وجوب ايجاد مخرج بالجهود الداخلية من دون تدخل خارجي، فإن مصادر السنيورة أكدت ل"الحياة"ان ما يُحكى عن ان موفدين عرباً سينتقلون الى لبنان للمساهمة في المخارج، غير صحيح وأنه لم يتبلغ أي شيء من هذا النوع. من جهة ثانية، رد نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر على هجوم عون على السنيورة ووصفه بأنه مشروع حرب بالقول انه ليس كذلك وهو رئيس حكومة شرعي ويقوم بدوره كاملاً. وعن انتقاد عون لتوزير نجله الياس المر، قال ان هذه الحملة تقويه لدى الرأي العام. وفيما غادر بيروت الى جدة زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري في زيارة عمل، أمل رئيس الحكومة السابق عمر كرامي بمعالجات مدروسة لما حصل في طرابلس معتبراً أن الاتفاق الذي حصل هو هدنة وليس مصالحة نهائية، بسبب الرواسب التاريخية والأحقاد الموجودة والطابور الخامس. من جهة ثانية، أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية سليمان عواد امس ان بلاده تؤيد وضع مزارع شبعا التي تحتلها اسرائيل ويطالب لبنان باستعادتها تحت إشراف الأممالمتحدة. وقال عواد في تصريح نقلته"وكالة انباء الشرق الأوسط"المصرية:"هناك أفكار مصرية لتسليم مزارع شبعا للأمم المتحدة الى ان يتقرر فيما بعد كيفية تسليمها الى لبنان او سورية". وجاء تصريح عواد على هامش محادثات بين الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت في شرم الشيخ. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اكدت قبل اكثر من أسبوع خلال زيارة مفاجئة لبيروت ان بلادها تعتبر ان الوقت حان لتسوية قضية مزارع شبعا بما يتفق مع القرار الدولي 1701. وفي الموضوع نفسه، أكد وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أن إيطاليا قادرة على لعب دور إيجابي للمساعدة على العمل باقتراح الولاياتالمتحدة وضع مزارع شبعا تحت وصاية الأممالمتحدة. ونقلت وكالة"آكي"الإيطالية للأنباء عن فراتيني قوله:"نحن نحظى بالاحترام من جميع الأطراف في الشرق الأوسط... لذا فنحن مقتنعون في ما يتعلق بمزارع شبعا بأن لإيطاليا إمكان التعاون بصورة إيجابية لإعطاء الأصدقاء الإسرائيليين بعض الطروحات لقبول الاقتراح الأميركي عبر تقويم ضمن نطاق أوسع لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وبين إسرائيل وسورية". وأوضح فراتيني في حديث إلى صحيفة"إل تمبو"نشر أمس أن"هذه المزارع وفّرت ذريعة لحزب الله كي يتواجد هناك بصورة مسلحة... وإذا أزلنا هذا العذر ايضاً فسنساعد حكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة على نزع سلاح جميع الميليشيات". وأشار فراتيني إلى أن"إيطاليا هي على المستوى السياسي دولة تتمتع على الدوام بالقدرة على التحدث إلى الجميع"، لكنه أضاف أن"مشاركتها في مهمة قوات الأممالمتحدة في جنوبلبنان تجعلها في وضع يمكنها من التحدث مع حزب الله وحكومة السنيورة في لبنان ومع سورية وإسرائيل على حد سواء".