لم تلح على مخيلته فكرة السفر طوال سني عمره كما هي الحال يوم أن قرر الزواج، ظنها الفرصة الرائعة لاكتشاف العالم الخارجي مع شريكة حياته. عبدالرحمن عبدالله، التحق بركب المتزوجين قبل أسبوعين، وحلم كثيراً ومنذ سنوات طويلة بأن يلتحق بركب الهاربين من صيف عمان الذي يكاد يذيب الحجر، لكن كما يردد دائماً، فإن"العين بصيرة والمحفظة قصيرة". أمضى أسابيع يبحث عن منفذ لهذه الفرحة التي يتمناها، معانداً تكاليف الزواج بقرض مصرفي، ربما يسهل له العبور نحو الحلم الآخر بعد أن حقق حلم الزواج. بدأ يسأل عن تكاليف السفر لفترة تقارب الأسبوع في البلدان العربية مبقياً القاهرةوبيروت ودمشق في صدارة العواصم التي يحلم بزيارتها. فهو لطالما رسم لها صوراً في مخيلته مبنية على ما يسمعه من رفاقه الشباب الذين يسافرون دوماً إلى هذه المدن الساحرة. أبقى تايلند في ذيل القائمة... وإيران ملاذاً أخيراً! بيروت مهرها غال بالنسبة الى قدرته المالية المحدودة، وأوضاعها تبدو غير مطمئنة لمسافر يريد الانعتاق جواً للمرة الأولى في حياته. القاهرة ودمشق يخشاهما. يقال إن فيهما سماسرة لا يتركون المسافر من دون النيل من محفظته، وهو شاب في مقتبل العمر لا يمتلك تجربة السفر والتعامل مع سوق سياحية مفتوحة على مصراعيها أمام قنّاصي الفرص، والباحثين عن غافل لا يدري إلى أين يذهب في مدينة تتفحص كل غريب. فكّر عبدالرحمن في رحلة خارجية لا تكلف إلا بضع مئات من الدولارات وفق ما تسمح به موازنته. وجد في الخطوط الإيرانية الحل المناسب لقضاء أسبوع عسل على الأقل إن كان الشهر ضاع لضيق ذات اليد. نصحه مسافر سابق بالكف عن"الحلم الفارسي". فهناك حاجز اللغة، وعجز القطاع الخدماتي وضعف القدرة على التصرف حين يحاصر من أناس لا يهتمون كثيراً بفكرة السياحة وضرورات السائح. صوّر له آخر الأمر على أنه دخول في المجهول، ورحلات مرهقة سيزيدها العامل الجغرافي صعوبة أكبر. أما تايلند فرائعة... سيتخطى عقبة اللغة بما تبقى في ذاكرته من كلمات إنكليزية، إضافة إلى أنها بلد يتمتع بخبرة سياحية واسعة تجعل السائح كأنه في بيته. بحث عن عروض السفر إلى تايلاند في الصحف، وجدها جميلة ومناسبة. حدث نفسه بابتسامة المكتشف الذي اقترب من الكنز. 600 دولار لخمسة أيام، شاملة كلفة السفر والإقامة والإفطار. لكن تلك الابتسامة تلاشت عن وجه عبد الرحمن حين خرج من مكتب السفريات، وجد أن أسبوع العسل سيزيد من الأعباء التي تراكمت عليه بعد حفل الزفاف، وأن حلم الدخول إلى قفص الزوجية لا يعني بالضرورة تحقيق حلم السفر أيضاً، والخروج من دائرته المحلية العتيقة التي أراد كسرها برحلة العمر... مع شريكة العمر. أخبرته موظفة مكتب السفريات بأن السعر السابق لا يشمل الضرائب، وأن الإقامة هي أربع ليال فقط. فاليوم الأول للوصول، والأخير للمغادرة. ونصحته الموظفة بأن يأخذ احتياطاته المالية كاملة، فالتجول في الشوارع ليس رخيصاً... خصوصاً في ما يتعلق بوجبات الغداء والعشاء، ورسوم دخول الأماكن السياحية، فتلك لا تشملها التعرفة التي أعلن عنها المكتب في الصحف. وأخبرته الموظفة بما يشبه الهمس واللمز أن وجود سيدة معه مؤداه كثرة الدخول إلى المحال التجارية، فلا يمكن أن تعود العروس خالية الوفاض من دون قطعة ملابس على الأقل وهدايا ولو بسيطة لأهلها وأخوتها وصديقاتها ولو من باب التذكار. استرجع عبد الرحمن بذاكرته ما روي له في سنوات مضت عن تلك المدن الرخيصة حيث يمكن قضاء أسبوع بتكاليف بسيطة. اليوم كل شيء صار باهظاً. أسعار التذاكر ارتفعت، الفنادق، الوجبات، الرسوم، كل شيء! أدرك أن حلمه بالسفر بدأ يتلاشى مع ارتفاع الأسعار. عصف به الغلاء كما فعل منذ أن قرر الزواج، وصولاً إلى توفير"عزومة"المعازيم من الرز واللحم، ولا ينسى الذهب الذي استعرت أسعاره حين عزم على دخول القفص الذهبي. عبد الرحمن يلخص معاناته في القول:"انتظرت حلم السفر طويلاً، لكنني حين عزمت عليه حاصرتني الصدمات". ويرى الشاب أن المنفذ الأخير لقضاء أيام ممتعة يكمن في مدينة صلالة، المكان الذي يشد إليه الزوار من عمان وخارجها نظراً الى طبيعة الخضراء ودرجة الحرارة التي لا تتجاوز العشرين مئوية. بقي له أن يختار بين قضاء ثماني ساعات في سيارته يشق غمار صحراء الربع الخالي ليقطع المسافة الفاصلة والواصلة بين مسقط وصلالة، أو الارتحال جواً. عاد عبد الرحمن إلى عروسه يجر أذيال الخيبة والهزيمة، أقنعها بالكلمات الحلوة أن السفر أصبح شاقاً، وأن أي مكان ستكون فيه هو الجنة ذاتها.