أعاد قرار مجمع البحوث الإسلامية في مصر مصادرة كتاب "المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد العلماء" للمفكر الإسلامي جمال البنا الجدل في شأن"الوصاية على حرية الرأي". ورغم أن التيار الغالب يرف ض أسلوب المصادرة"لأنه لا يضمن المنع"إلا أن البعض يرى ضرورة للجوء إليه، خصوصاً إذا مست الأفكار التي يطرحها الكاتب"ثوابت". هذه العلاقة الشائكة بين الاجتهاد في الرأي وضرورة الحفاظ على"الثوابت"دائما ما تثار عند اتخاذ قرار بمصادرة كتاب أو منع مقال لناشر. فالمانع يرى أن هناك ثوابت لا يجوز مسّها، والممنوع يدفع دائما بأن الحكم على"الثوابت"مسألة نسبية. وأخيرا أصدر مجمع البحوث الإسلامية قرارا بمصادرة كتاب البنا، رغم تداوله في الأسواق منذ 4 أعوام، لأنه يحتوي على"أفكار خاطئة"، إذ يرى الكاتب أنه لا ضرورة لارتداء المرأة الحجاب وأن مواراة فتحة الصدر وحدها هي الحجاب المطلوب إسلامياً، ويعتبر أن القرآن الكريم والسنّة منحا المرأة حرية كبيرة قيّدها العلماء والفقهاء. وجمال البنا هو شقيق مؤسس جماعة"الإخوان المسلمين"حسن البنا، ولد العام 1920. واثارت أفكاره جدلاً في المجتمع المصري، إذ سبق له أن أجاز التدخين في نهار رمضان وأباح زواج المتعة، وبلغت مؤلفاته وترجماته نحو مئة كتاب. وخلافا لإجماع الفقهاء يؤيد البنا إمامة المرأة"إذا كانت أعلم بالقرآن من الرجل". وإذ يؤكد البنا أن كتابه"المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد العلماء"لم يتناول أفكاراً غريبة أو آراء خارجة وأن رأيه يظل"اجتهاداً"، يرى أن السبب في مصادرته هو الاسم الذي أثار حفيظة العلماء. وقال البنا ل"الحياة"إن"المصادرة مبدأ خاطئ لأنها تمثل وصاية على الرأي في عصر أحد أهم مظاهره حرية الرأي والتعبير". واعتبر أن من اتخذ قرار المصادرة"لن يستطيع تنفيذه"، مؤكدا أن آراءه لا تمس الثوابت المتفق عليها. وقال:"إن كان الأمر كذلك، فالأجدى بهم المناقشة لا اتخاذ القرارات". ولاحظ أن كتابه لم يمنع والقرار لم ينفذ ولم تحدث أي مصادرة له وإن منع في مصر سيوزع في دول أخرى، معلنا انه رفع دعوى قضائية لإلغاء القرار. وكان البنّا اوضح لوكالة"فرانس برس"ان توصية الازهر جاءت اثر اتفاقه مع شركة كويتية على تسويق كتابه في الكويت بواسطة شركة شحن دولية. وقال إن شركة الشحن"تقدمت بالكتاب بحسب القانون المصري الى مجمع البحوث الاسلامية للحصول على موافقته لتصدير الكتاب، فصدرت التوصية على الاثر بمنع تصديره". واشار الى ان"القانون المصري يلزم من ينشر كتباً اسلامية ان يحصل على موافقة مجمع البحوث الاسلامية اذا اراد تصديرها خارج مصر. وهذا القانون يتيح امام المجمع احياناً التدخل في كثير من مجالات النشر بما في ذلك الرواية والشعر اذا اعتبر انها تتضمن مساسا بالدين". وإن كانت أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح ترفض مبدأ الوصاية على الرأي، إلا أنها تؤيد، كما قالت ل"الحياة"، مصادرة الكتب التي"تمس الذات الإلهية والرموز والثوابت الدينية. أما الاجتهادات الشخصية فيمكن دحضها إن كانت خاطئة عبر الحوار والمناقشة والتبيان للناس أن هذا الرأي أو الاجتهاد خاطئ". وترى صالح أن مبدأ المصادرة الذي يطبقه مجمع البحوث الإسلامية"هو في حقيقة الأمر يمثل دعاية وترويجاً للكتاب ويزيد توزيعه وقرّاءه"، وتقول:"إن الأفكار والكتب تظل موجودة ومتداولة والقرار يظل مجرد تعليق معنوي لا يترتب عليه أية آثار". وتؤكد صالح ضرورة التصدي للفتوى من دون علم لأنها"أمر جلل يحتاج إلى متخصصين"، مقترحة ان يشكل مجمع البحوث الإسلامية لجنة من كبار الفقهاء والعلماء تضطلع بمتابعة مثل هذه الأمور في الإعلام والصحافة والكتب على أن يكون دورها مناقشة أصحاب الأفكار وسماع حججهم"فإن أصابوا فخير وإن أخطأوا تكون مهمة اللجنة تبيان الخطأ للناس لا المصادرة".