تفجر الجدل في مصر مجدداً في شأن حدود النشر ودور الأزهر في مصادرة الكتب، ومراقبة الإبداع. اذ، بعد أقل من أسبوع على قرار أصدره "مجمع البحوث الإسلامية" بمصادرة كتاب "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية" للمفكر الإسلامي جمال البنا، أوصى المجمع بمصادرة كتاب "الإمام المهدي واليوم الموعود"، الذي ألّفه الشيخ خليل رزق. كما أوصى بمصادرة مجلة "الحياة الطيبة" التي تصدر في بيروت، بحجة أن الكتاب والمجلة "يناقشان مواضيع اختلف رأي العلماء حولها". وتلقت "الحياة" من البنّا أمس صورة من رسالة قال انه "وجهها إلى المجمع"، مشيراً إلى أنه أرسل إلى المجمع أيضاً نسخًا من ثمانية كتب له "تحدياً لسلطة المجمع على تقويم مثل تلك الكتب والحكم عليها". وأكد البنا أنه "يخوض معركة تحرير الفكر من رقابة المجمع التي أصبحت سيفاً مُسلّطاً على حرية الفكر الأدبي والفني الإسلامي"، معتبراً أن أعضاء المجمع "يتحركون بحكم الوظيفة في حين أن العقيدة يدافع عنها كل المسلمين". وجاء في خطاب البنا إلى المجمع "علمت أن المجمع حوّل كتابي "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية" إلى أحد المشتغلين في التدريس في جامعة الأزهر فرع أسيوط لفحصه. ويبدو أنه لم يقرأ من الكتاب سوى فصل واحد من عشرة فصول، وهو الفصل الخاص بالأقليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية. ولم يقرأ في هذا الفصل أيضاً سوى نبذات منها أن المرأة المسلمة إذا استشعرت حرجاً من كشف شعرها فيمكن أن تغطيه بقبعة، ومنها أن الحل لمشكلة الغريزة الجنسية في هذه المجتمعات هو الزواج المحدد المدة الذي يُطلق عليها في الفقه الإسلامي نكاح المتعة، لأن هذا الزواج يحُول دون ارتكابهم للزنا أو تورطهم بالزواج من أجنبية يكون عليه أن يرتبط بها طول الحياة". واستنكر البنا التوصية بعدم التصريح بنشر الكتاب بدعوى مخالفته للعقيدة. وقال "إرساله إلى المجمع هذا منطق مرفوض تماماً، وأن "سيادته يقصد من فحص الكتاب لا يملك لا هو ولا أي مخلوق آخر وصاية على الفكر، لأن القرآن الكريم قرر حرية الفكر والاعتقاد صراحة... ورأيت رداً على هذا الإجراء من المجمع أن أرسل كتبنا الأخيرة ثمانية ليكون المجمع بين أمرين إمّا أن يعيد النظر في هذه المهمة الرقابية البغيضة، وإما أن يقول رأيه في كل كتاب من هذه الكتب ويرد عليها بالحجة والبرهان. علماً بأن من حقي أن أطّلع على الحيثيات التي بنى عليها "سيادته" أقواله، ففي كل العالم يخطر المتهم بتفاصيل الاتهام الموجه إليه". وأوصى المجمع بمصادرة كتاب "الإمام المهدي واليوم الموعود" تأليف الشيخ خليل رزق، ومجلة "الحياة الطيبة" وهي مجلة لبنانية. وأكدت مصادر الأزهر ل"الحياة" أن الكتاب جاء إلى الأزهر عن طريق أجهزة الأمن لفحصه وإبداء الرأي وكتابة تقرير شامل عنه، وسرعان ما كلف الأزهر عضو لجنة الفتوى السابق الشيخ عبد العظيم الحميلي بفحص الكتاب وإعداد التقرير عنه". واعتبر التقرير أن "مادة الكتاب تبين بوضوح مذهب الشيعة في شأن الإمام المهدي وهو موضوع اختلفت حوله آراء العلماء ولم يظفر باتفاقهم عليه". وكلف المجمع الأستاذ في كلية أصول الدين فرع جامعة الأزهر في اسيوط الدكتور أحمد حسن غنيم فحص مجلة "الحياة الطيبة"، فأعد تقريراً أعتبر أن على المجلة مآخذ كثيرة "منها عرضها أفكار الدكتور نصر حامد أبو زيد الهدامة، ولم تناقشها وبيان زيفها وبطلانها، ما يجعلنا في شك من أمرها، كما جاء بها ربط بين خواطر الشيخ سيد قطب، وبين مذهب الهرمينوطيقا الغربية وغير ذلك من الأخطاء العلمية"، ورأى التقرير أن المجلة "تروج كثيراً من الأفكار التي تتعارض مع المنهج الإسلامي الصحيح... ولابد من منع العدد الثالث عشر منها من التداول والطبع والنشر حفاظاً على العقيدة الإسلامية الصحيحة".