أرخت الحوادث الأمنية التي تستهدف مراكز للجيش اللبناني بثقلها على الوضع السياسي، خصوصاً أنها ترافقت مع اعلان الزعيم الفار لتنظيم"فتح الاسلام"شاكر العبسي ليل الثلثاء الماضي في تسجيل صوتي له هاجم فيه الجيش، وبعد بيان وزّع باسم"فتح الاسلام"آخر الشهر الماضي، المسؤولية عن تفجير عبوة ناسفة في أحد مراكز الجيش الأمنية في منطقة العبدة الشمالية ما أدى الى استشهاد جندي، انتقاماً لمعارك نهر البارد السنة الماضية. راجع ص 6 و 7 و 15 فبعدما تراجعت الحوادث الأمنية الناجمة عن صدامات أهلية جراء ذيول أحداث 7 - 15 أيار مايو الماضي في بيروت والجبل بين"حزب الله"وحلفائه في المعارضة وأنصار تيار"المستقبل"والحزب التقدمي الاشتراكي، بفعل تدابير الجيش وقوى الأمن، عاد استهداف مراكز الجيش الى الواجهة أمس حيث أطلق حاجز للجيش النار على 3 مسلحين عند مدخل مخيم عين الحلوة قرب صيدا في الجنوب بعدما رفضوا الامتثال لأوامره بالوقوف وأطلقوا النار على ضابط وجندي وأصابوهما في أرجلهما. وأصيب اثنان من المسلحين جروح أحدهما طفيفة، والثاني، ويعتقد أنه فلسطيني الجنسية في حال غيبوبة فيما فرّ الثالث الى المخيم. واستطاع الجيش النيل من المسلحين، خصوصاً ان الجريحين منهم كانا غادرا المخيم وعادا مع الثالث قبل ساعة، ولأن حواجزه عند مداخل المخيم في حال استنفار بعد بيان العبسي التهديدي، وبعد سلسلة حوادث وقعت داخل المخيم بين عدد من الأفراد الذين ينتمون الى تنظيمات إسلامية في عداد بعضها عناصر كانوا على صلة بتنظيم"فتح الاسلام". وإذ استمرت التحقيقات في الحادث بتكتّم شديد، وقع حادث آخر أمس حين عثرت قوى الجيش صباحاً على عبوتين مخبأتين بين المزروعات على جانب الطريق المؤدي الى منطقة العبدة، على بعد 5 كيلومترات من الحدود اللبنانية ? السورية في الشمال، وفككها الخبير العسكري. وأطلقت هذه الحوادث المخاوف من تحركات لافتة تعيد بعض الجهات الأصولية الى واجهة الاحداث الامنية، في ظل حوادث غير طبيعية يشهدها منذ ايام مخيم عين الحلوة، قرب صيدا، حيث قتل أحد الاشخاص الثلثاء الماضي، بعدما كان الجيش قتل انتحارياً رفض الامتثال لأوامره بالتوقف عند خروجه من المخيم وكان يحمل حزاماً ناسفاً على وسطه. وانعكست هذه التطورات الامنية الجديدة على الجهود السياسية من أجل تذليل العقبات من أمام تشكيل الحكومة الجديدة. وقالت مصادر سياسية وأمنية لبنانية رسمية ان الاتصالات نشطت في الساعات الاخيرة لتأمين ولادة طبيعية للحكومة تحت وطأة سلسلة من الانذارات بضرب الاستقرار العام يستفيد اصحابها من استمرار التأزم السياسي بسبب تأخر اقفال الملف الحكومي. وأكدت المصادر ان ما حصل عند مدخل عين الحلوة يأتي في سياق تسارع الانذارات من جهات فلسطينية متشددة كانت تتحرك في السابق تحت اسم"جند الشام"وعادت أخيراً لتنشط باسم تنظيم"فتح الاسلام"بعد فرار عدد من اعضائه من مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان فور انهاء الاعتداء الذي شنّه العبسي ضد الجيش اللبناني قبل أكثر من سنة. وكشفت المصادر ان اللقاء الذي عقد ليل أول من أمس بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط لم يتطرّق بالتفصيل الى التشكيلات الحكومية المطروحة ولا الى توزيع الحقائب بمقدار ما ركز على ضرورة الاسراع في استيعاب الوضع السياسي المتأزم وتأليف الحكومة لأن اخطاراً عدة تهدد البلد وأن ما يحصل من توترات، وتحديداً في محيط عين الحلوة، ليس وليد الصدفة، وإنما يخشى من أن يكون بمثابة مؤشر الى ما سيكون عليه الوضع في لبنان في حال تمادى بعض المجموعات في الاعتداء على الجيش ومراكزه العسكرية. ولفتت الى ان بري وجنبلاط توافقا على ان تحصين الوضع الامني لن يتحقق ما لم يقفل ملف التأزم السياسي ما يؤمن غطاء داعماً للقوى الأمنية وعلى رأسها الجيش لضرب هذه المجموعات وتفكيكها. كما توافقا على ضرورة تكثيف الحوارات واللقاءات المباشرة، لا سيما بين قيادات الاكثرية والمعارضة وفي شكل يؤدي الى طرح ملف تشكيل الحكومة على الطاولة بدلاً من ان يبقى الجميع غارقاً في تفصيل من هنا وآخر من هناك في شأن الصيغ المتداولة لتأليف الحكومة. وأكدت المصادر أهمية اعتماد أسلوب اللقاءات المباشرة للحؤول دون التأويلات عن ان الأكثرية تنتظر من المعارضة ان تتقدم بأجوبة واضحة على صيغ عدة طرحها عليها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة فؤاد السنيورة، أو العكس، مشيرة الى ان جنبلاط، نقل أمس هذا الموقف الى السنيورة في حضور وزير الإعلام غازي العريضي، وأكدت مصادره ارتياحها الى المناخ العام الذي ساد اللقاء بينهما أسوة بمناخ اجتماعه مع بري. وبعد الظهر اجتمع السنيورة وبري بهدف اعتماد أسلوب التواصل المباشر بدل الموفدين. وقال السنيورة بعد الاجتماع ان"الحكومة ستشكل ويسعد بها اللبنانيون". وأضاف:"إننا نسير على الطريق الصحيح"، متحدثاً عن"تفاهم مع الرئيس بري على التقدم الجاري في هذا الشأن". ورفض السنيورة الالتزام بأي موعد محدّد لتشكيل الحكومة، معرباً عن ثقته بأن"هذه الحكومة ستشكل". وكان عقد ليل أول من امس لقاء بين رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري والنائب في حركة"امل"علي حسن خليل موفداً من بري. وإذ أبدت مصادر اطلعت على نتائج الاجتماع ارتياحها إليها، أكدت ان الطرفين اظهرا رغبة صادقة في إنجاز التشكيلة الحكومية نهاية هذا الأسبوع وأنهما أبديا كل مرونة للتفاهم، وأن الحريري جدد التأكيد ان الأكثرية ليست في وارد احتكار حقيبة معينة من الحقائب التي تعتبر سيادية وخصوصاً المال والخارجية باعتبار ان الحقيبتين الأخريين، أي الدفاع والداخلية، محسومتان لمن يسميهما رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وعُلم ان الحريري تمنى على بري القيام بجهد خاص لدى رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"ميشال عون لإقناعه بصرف النظر عن مطالبته بحقيبة سيادية، معتبراً ان النجاح في إقناعه بذلك من شأنه أن يمهد الطريق لتجاوز الصعوبات الأخرى التي تعيق إعلان الحكومة. وعُلم ايضاً ان جنبلاط جدد عدم اعتراضه على توزير الوزير السابق طلال أرسلان في مقابل حصول كتلته النيابية على مقعد وزاري مسيحي. ويرفض ارسلان إشراكه في الحكومة وزير دولة ويطالب بحقيبة وزارية على رغم ان بري دعاه عبر صديق مشترك الى القبول بمقعد وزير دولة، لكن ارسلان ما زال يصر على موقفه ما يعني تنازل المعارضة عن حقيبة من حصتها لمصلحته. وكانت لجنة المتابعة المنبثقة من المعارضة اجتمعت امس في حضور النائب خليل والمعاون السياسي للأمين العام ل"حزب الله"حسين خليل ومسؤول العلاقات السياسية في"التيار الوطني الحر"جبران باسيل وآخرين، وخصص الاجتماع لتقويم الاتصالات الجارية. وأكدت مصادر قيادية معارضة تفاؤلها باقتراب موعد الانفراج تمهيداً لإعلان الحكومة.