أخذت حركات الاحتجاج ضد ارتفاع أسعار النفط تمتد من دول العالم الثالث إلى أوروبا، فبدأت نقابات صيادي الأسماك في دول أوروبية احتجاجات ضد ارتفاع أسعار الديزل، شملت فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال وأرلندا وبريطانيا. واحتج سائقو الشاحنات في بريطانيا مطالبين بعفو ضريبي يساعدهم في مواجهة ارتفاع أسعار الديزل. وكرد على حملات الاحتجاج هذه، اقترحت أوساط أوروبية حلولاً متنوعة لمعالجة الأمر، ومنها اقتراح ألماني لافت بمنع دولي للمضاربات في أسواق النفط، ما يشكّل اعترافاً صريحاً، وإن غير مباشر، بدور المضاربين في رفع الأسعار. واقترحت الحكومة الفرنسية إلغاء ضريبة القيمة المضافة على مبيعات المحروقات كخطوة أولى إلى حين دراسة الأمر برمته، إلا ان المفوضية الأوروبية اعترضت على الاقتراح لأنها لا تعتقد ان خفض الضرائب أمر مفيد في هذه الأوضاع. ومعروف ان الدول الأوروبية بالذات تفرض ضرائب عالية جداً على المنتجات النفطية التي تباع في أراضيها. وكما هي العادة في هذه الأحوال، طالبت فرنسا الدول المنتجة بزيادة مستواها من إنتاج النفط. ويذكر ان الهند منعت قبل مدة التداول الآجل في خمسة أنواع من السلع الأساسية. لكن ما هو رأي الدول المصدرة، بهذه المواقف التي تحاول ان تحد من تأثير المضاربات في ارتفاع الأسعار، وهل ستستطيع الدول المصدّرة انتهاز هذه الحملة لوضع حد لهذا التأثير بعد الشكوى منها طوال السنوات الماضية؟ نود ان نشير، أولاً، إلى ان التوقعات المتوافرة تشير إلى احتمال حدوث تراجع كبير في الطلب على النفط في المستقبل القريب، على رغم الريع المالي الضخم الذي تجنيه الدول المصدرة من ارتفاع الأسعار. وتشير تقارير إلى احتمال انخفاض الطلب العالمي بنحو 10 ملايين برميل يومياً، مقارنة بمجمل الطلب العالمي الحالي البالغ نحو 86 مليون برميل يومياً. وتطاول المخاوف الكبرى تأثر قطاع المواصلات في شكل خاص بهذا الانخفاض في الطلب، كما يحصل حالياً في الولاياتالمتحدة، إذ تشير أرقام وزارة المواصلات الأميركية إلى انخفاض عدد الأميال التي قطعتها السيارات في الولاياتالمتحدة خلال آذار مارس الماضي بنسبة 4.6 في المئة، مقارنة بآذار 2007، والى أدنى مستوى منذ كانون الثاني يناير 2000. ولا تطاول المخاوف فقط الانخفاض الموسمي في استعمال السيارات هنا وهناك، بل التحول الدائم من البنزين أو الديزل إلى مصادر أخرى للطاقة. فهنا سيكون التأثير أساسياً ومستمراً، كما حصل في العقود الماضية عندما ارتفعت أسعار النفط وتقلص استعمال الفيول أويل في محطات الكهرباء إلى درجة التوقف، وانخفض استهلاك النفط بنحو ستة ملايين برميل يومياً بصفة دائمة. نعتقد ان ثمة فرصة مواتية الآن يجب ان تستغلها الدول المصدرة، فتبادر إلى وضع حد لتأثير المضاربات في أسعار النفط. وإذا لم يمكن منع المضاربات كلياً، فيجب على الأقل، الضغط لإصدار قوانين وتشريعات لمحاولة وضع حدود أو سقف لها على الصعيد اليومي ومن ثم التقليل من تأثيرها. وهذه فرصة لن تتوافر كل يوم، فالمواطن في كثير من دول العالم بدأ يئن من ارتفاع أسعار النفط، وقد تكون لمبادرة معقولة من دول"أوبك"نتائج مادية ومعنوية إيجابية مهمة تمتد فترة طويلة على الصعيد العالمي. أصبح واضحاً ان الوضع الاقتصادي الحالي خطير وغير مقبول من كل الأطراف. لذلك حان الوقت لانتهاز هذه الأزمة والوصول إلى حل وسط يرضي الجميع، لا يعتمد فقط على اللازمة القديمة، ان بالإمكان لجم الأسعار من خلال زيادة الإنتاج فقط وترك بقية العوامل على حالها من دون تعديل. ويمكن الآن البناء على الاقتراح الألماني وجس النبض حول جديته في عواصم مختلفة، وثمة إمكان لتطويره أو تعديله، مع استعداد الدول المصدرة لإظهار بعض المرونة من جانبها أيضاً بالنسبة إلى الإنتاج، من أجل إعادة العقلانية إلى أسواق النفط بعد حال الانفلات التي أصابتها أخيراً. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة