سمع مشاهدو الدراما اللبنانية باسم شكري أنيس فاخوري كما يُسمع الرعد في العاصفة، فهو الذي أحدث عواصف في المسلسلات التي كتبها من"العاصفة تهب مرتين"، المسلسل اللبناني الأول من نوعه الذي بلغ عدد حلقاته 177 حلقة، إلى"نساء في العاصفة"و"غريبة"و"سجينة"و"إبنتي"و"إبني"وغيرها من الأعمال. بعد توقّف الحرب عام 1990، كان تلفزيون لبنان، رائد الإنتاج الدرامي حينها، يعرض مجموعة من الأفلام التلفزيونية التيليفيلم وبعض المسلسلات القصيرة التي تتألّف من خماسيات أو سداسيات أو سباعيّات، وعندها، يقول فاخوري:"قدّمت أول عملٍ لي وهو فيلم تلفزيوني عنوانه"اللوحة الأخيرة"، ثم سباعية"مذنبون ولكن". عام 1993، كتب مسلسلاً أسماه"الفقراء الثلاثة"، وكان من المفترَض أن ينتجه جان خوري ليُعرَض على"تلفزيون لبنان"، وأن يشترك فيه ممثلون من البلدان العربية، لكنّه عُرِض على شاشة"أل بي سي"تحت عنوان"لا أمس بعد اليوم"، وضمّ ممثلين لبنانيين فقط. بعد ذلك كتب خماسيتين، الأولى"ربيع الحب"والثانية"العاصفة تهب مرتين"وتمّ تصويرهما، لكن المفاجأة كانت كما يقول:"حين طلب منّي مدير عام التلفزيون اللبناني فؤاد نعيم أن أكتب مئة حلقة من مسلسل"العاصفة تهب مرتين"، وكانت حينها موجة المسلسلات المكسيكية المدبلجة الطويلة ضاربة، فبدأت الكتابة وبدأ العرض في خريف 1994، وانطلقت حينها مدرسة جديدة في عالم الدراما اللبنانية". انطلاقاً من هذا، يمكن وصف فاخوري بأنّه محرّك عجلة الدراما اللبنانية. وعلى رغم نجاح غالبية المسلسلات التي كتبها شكري فاخوري، لم يلقَ مسلسله الأخير"امرأة من ضياع"الذي عرضه تلفزيون الجديد النجاح المتوَقّع."والسبب الأساسي أنّنا حين بلغنا الحلقة 19 منه، اضطرّ بطله سامر الغريب إلى السفر، واضطررت أنا إلى إنهاء دوره فبُترَت القصة واختفى نصف المسلسل، إذ اختفى فيه واحد من البطلين الأساسيين. أمّا السبب الآخر فهو عدم اللجوء إلى استوديو داخلي حيث كان التصوير يتمّ في بعض المنازل التي استقبلتنا، فإلى أيّ مدى كان يمكن أن يحتمل أصحاب تلك المنازل تواجد فريق عملٍ كبير عندهم؟ في النهاية تعبوا واضطررنا إلى الرحيل، وانتهى المسلسل ب38 حلقةً بعد استنفاد كل المحاولات للإستمرار، ولم تصدق توقعات المشاهدين الذي اعتقدوا أنّ هذا المسلسل سيسجّل بعدد حلقاته رقماً قياسياً قد يتخطى المئتين". ويحيل فاخوري غياب الدراما اللبنانية عن الفضائيات الى"ضعف الإنتاج، بالتالي ضعف التسويق، وليس كما يقول بعضهم أنّ المسلسلات اللبنانية لا تمتّ إلى المجتمع العربيّ بِصلة. فنحن جزء من هذا المجتمع". ويعتبر فاخوري أنّ الضخامة في العمل تحتاج إلى ضخامة في الإنتاج، فحين تُصرف مثلاً 30 ألف دولار للحلقة فإنّ النتيجة ستأتي أفضل بكثير من حين يُحدّد المنتجون مبلغ 13 أو 15 ألف دولار فقط لا غير،"وحين يتأمّن لنا مبلغ كبير لنعمل به، عندها يمكن للجميع محاسبتنا ومقارنة أعمالنا بالأعمال العربية الضخمة، ولكن ما دمنا نعمل بإنتاج متواضعٍ فيجب أن نُحاسَب فنّياً على هذا الأساس". ويتابع:"نحن لا نملك مدينة إعلامية حيث نستطيع أن نبني ديكورات داخلية كبيرة، كما فعل منتجو مسلسل"الملك فاروق"حيث بُني مثلاً، شارع محمد علي، فكلّفت الحلقة الواحدة مئة ألف دولار وكلّف المسلسل ثلاثة ملايين دولار. علماً أنّ المنتجين في أعمالنا اللبنانية يحرصون على عدم تخطّي كلفة الحلقة الواحدة 15 ألف دولار معتبرين أنّ هذا المبلغ هو إنتاج ضخم! في مصر مثلاً يمكن أن تتطلّب الحلقة الواحدة 15 يوماً لتتصوّر، أمّا في لبنان فممنوع أن تتخطى مدة التصوير ثلاثة أيّام، وفي أحسن الحالات تبلغ الأربعة! ثم، إنّ ضعف الإنتاج يحدّ من خيالي ككاتبٍ، ففي كلّ مرّةٍ تخطر على بالي فكرةً مبتكرة ألغيها بسبب معرفتي أنّها تتطلّب إنتاجاً ضخماً". وعلى رغم تلك الوقائع المريرة فإنّ الإنتاج الدرامي اللبناني يزداد أكثر فأكثر،"وكلّما ازدادت نسبة الإنتاجات المُقدَّمة ازدادت معها نسبة الأعمال الجيّدة وكذلك نسبة الأعمال السيئة، ولكن لا بدّ من أن نصل إلى مرحلة يكثر فيها الجيّد ويقلّ فيها السيّئ". وإذا كان كثر يعتبرون أنّ في لبنان أزمة سيناريو، فإن شكري أنيس فاخوري يذهب إلى أبعد من الكتّاب، معتبراً أنّ النقص موجود في كل مراكز الدراما، ويقول:"على رغم أنّنا نملك في لبنان مواهب شابّة، لكنّها لا تظهر لأنّها لا تُعطَى الفرصة، وهذا من واجبات الجهات المنتِجَة التي غالباً ما تختار أسماء معروفة للتعامل معها. أمّا من جهتي فأنا أؤمن بتلك المواهب وأعطي الفرص للجيل الجديد. ففي عام 2002 كنت أوّل مَن أعطى الفرصة للمخرجة جنان منضور، ومن بعدها لكارولين ميلان، والآن لفيليب أسمر". وحين يُسأل فاخوري عن الكتّاب الجُدد الذين يظهرون على الساحة حالياً وعن الدور الذي يلعبونه في شحذ فكره لابتكار أفكارٍ جديدة، يجيب بصراحته المغلّفة ببعض الديبلوماسية أنّ"التحدي في ابتكار جديدٍ موجود عندي منذ كتابتي لأوّل عملٍ لي، وكنتُ أحاول في كلّ عملٍ أكتبه أن أجعله أفضل من العمل السابق وإلاّ لما كنت استطعت الاستمرار. لا شك في أن ظهور عددٍ من الكتّاب على الساحة الدرامية زاد من التركيز على تلك النقطة، ولكن ليس هو مَن ولّدها". أمّا عن الكتّاب الذين يلفتون نظره فيجيب"جميعهم مميّزون، ويعجبني نص كلوديا مرشليان ومنى طايع". وعن جديد شكري فاخوري يقول:"أستعد لعملين في الوقت ذاته، الأوّل هو"خطوة حب"من سلسلة"حكايات"ويتألّف من تسع حلقات ستُعرَض على شاشة"أل بي سي"، أمّا العمل الثاني فيتحضّر لتلفزيون"الجديد"، وهو عبارة عن خماسية بعنوان"البرج الثالث عشر"من سلسلة"مرايا العمر"، وسيتولى إخراجه إيلي فغالي.