تخوض مئات الآلاف من الأرامل اللواتي انتزعت أعمال العنف أزواجهن وحطّمت آمالهن، معركة متواصلة من أجل تأمين البقاء لأسرهن وسط تجاهل السلطات لمعاناتهن في بلد غارق في العنف. تقول أم حيدر 35 عاماً التي تعمل خادمة في أكثر من منزل، إن"زوجها كان يعمل في محل لبيع المواد الغذائية، وقُتل قبل عامين على أيدي مسلحين في بغداد". وتضيف هذه السيدة التي تتولى رعاية نجليها حيدر 10 أعوام وزينب 4 أعوام، أنها"تواصل ارتداء حجاب اسلامي أسود ليس حزناً على زوجها فقط، بل ولأن صعوبات الحياة في بغداد تجبرني على ذلك". ويجني حيدر قدراً من المال بعد تركه المدرسة، من عمله في تنظيف أحد محلات الحلاقة للرجال قرب منزل العائلة في حي العامل جنوب غربي بغداد، وفقاً لوالدته. يذكر أن عدد الارامل في العراق ارتفع الى حوالي مليون بسبب الحروب المتلاحقة وأعمال العنف الطائفي التي اجتاحت العراق بعد غزوه في آذار مارس عام 2003، وفقاً لمصادر عراقية. وتشير دراسة عراقية الى وجود أرملة واحدة بين كل ست نساء في العراق تتراوح أعمارهن بين 15 و50 عاماً في العراق. تؤكد"أم حيدر"التي بدت أكبر من عمرها بكثير:"منذ مقتل زوجي وأنا أكافح لكسب العيش لأبنائي"، موضحة أنها"مرغمة على نسيان كل ما حولي وتأمين لقمة العيش لهؤلاء الأطفال". وتتابع أن"لا أحد من أقربائي يستطيع مساعدتي وأطفالي باستمرار. قدم بعض الطيبين المساعدة، ولكنها بالتأكيد لا تدوم، وعليّ أن أعمل". ووفقاً لتقرير أعلن في وقت سابق لمنظمة"ومن فور ومن"الدولية، فإن المرأة العراقية تمر اليوم"في أزمة وطنية". من جهتها، تتحدث وفاء فرج 38 عاماً وهي أم لابنتين تبلغان من العمر ثمانية وعشرة أعوام، وتعمل في دائرة حكومة في بلدة خان بني سعد 15 كيلومترا شمال شرقي بغداد، بحسرة عن يوم مقتل زوجها. وتقول:"كنت في العمل عندما اتصل بي أحد زملاء زوجي الذي كان يعمل شرطي مرور، منتصف آب اغسطس عام 2006، وقال إن محمد قُتل برصاصة قناص أصابته قرب قلبه". وتضيف:"لم أعرف ما حدث لي، لكنها كانت بداية المأساة التي اعيشها منذ ذلك اليوم". وتعيش وفاء مع ابنتيها في غرفة تضم أثاثاً محدوداً جداً في منزل عائلة زوجها في حي تونس شمال شرقي بغداد. وتشعر"بيأس متواصل فقد تلاشت أحلامي وزوجي وأنا أكافح لأؤمن العيش لبناتي وسط ظروف يصعب للرجال كسب العيش فيها". وتوضح وفاء أنها تكره"الشعارات التي رفعها الأميركيون عند دخولهم العراق، وما يقوله السياسيون اليوم"، مشيراً الى أن"كل ما حصدناه هو دمار وقتل منذ خمسة أعوام". بدورها، تقول مينا الابنة الكبرى لوفاء التي بدت حزينة وهزيلة:"لا أريد الحرية ولا الديموقراطية ولا أكثر من عودة أبي ... أتمنى عودته أكثر من أي شيء آخر". ومنذ غزو العراق وتصاعد أعمال العنف التي أعقبت تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء في شباط فبراير عام 2006، قُتل آلاف العراقيين ومعظمهم من الرجال. وأدت أعمال العنف خلال الأشهر الأربعة الاولى من العام الحالي الى مقتل ثلاثة آلاف و417شخصاً على الأقل، وفقاً لمصادر رسمية عراقية. وقُتل معظم هؤلاء الأشخاص خلال اشتباكات مسلحة بين قوات أميركية وعراقية من جهة وميليشيا شيعية في العراق من جهة ثانية. وقُتل حوالي 88 ألف مدني عراقي منذ اجتياح العراق في آذار مارس عام 2003 حتى نهاية عام 2007، وفقاً لموقع"ايراك بودي كاونت"الالكتروني المستقل. وتتولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية توزيع رواتب شهرية للمحرومين بينهم الارامل. وتقول سميرة الموسوي مديرة اللجنة المسؤولة عن متابعة شؤون الاطفال والنساء، في البرلمان العراقي إن"عدد الأرامل في العراق يقدر بمليون وفقاً لدراسة وتقارير رسمية قامت بها وزارة التخطيط". وتضيف أن"وزارة العمل والشؤون الاجتماعية توزع راتباً قدره 150 ألف دينار عراقي 125 دولاراً على الأرامل اللواتي تحصل 50 في المئة منهن على رواتب". وتؤكد الموسوي سعي البرلمان العراقي إلى"زيادة النسبة المخصصة للارامل اللواتي يتسلمن الرواتب الى 75 في المئة". لكن وفاء تؤكد أن"الدولة لا تمنح الأرملة الموظفة راتباً أسوة بالارامل الباقيات، لدعمها اقتصادياً"، مؤكدة"لا أحصل على أي راتب من الرعاية الاجتماعية". وأفادت دراسة أعدها برنامج الأممالمتحدة الانمائي ووزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية ونشرت نتائجها في عمان منتصف شباط فبراير عام 2007، أن ثلث الشعب العراقي 27 مليون يعيش في حالة فقر، بينهم خمسة في المئة يعيشون في فقر مدقع. وكانت نسبة الفقر في العراق حتى كانون الثاني يناير عام 2006، تبلغ حوالي 20 في المئة من اجمالي عدد السكان، وفقاً لمسؤولة في وزارة الرعاية الاجتماعية العراقية.