تواجه الأرامل في العراق الكثير من العقبات والمحن، أبرزها معاناتهن لتأمين لقمة العيش، إذ أن نسبة لا يُستهان بها من العراقيات اللواتي فقدن أزواجهن تعشن واقع حرمان لا يوفر أطفالهن. وتعجز كثيرات منهن عن تحمّل نفقات دراسة أولادهن، أو حتى عن تأمين مأوى ملائم للعائلة وتدبّر تكاليف العلاج إذا مرض أحد أفراد الأسرة. وأشارت دراسة صدرت عن «منظمة الإغاثة العالمية»، إن ثلاثاً من كل خمس أرامل في العراق فقدن أزواجهن في سنوات العنف التي تلت الغزو الأميركي عام 2003. ودعا معدو الدراسة الحكومة العراقية إلى العمل بجد لاحتضانهن وحلّ مشكلاتهن، بحسب ما نقلت شبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية. وقالت الشبكة إن الدراسة التي أجرتها «منظمة الإغاثة العالمية»، ومقرها لوس أنجلس، وجدت أن «10 في المئة من نساء العراق اللواتي يُقدّر عددهن ب15 مليون امرأة، أرامل، وأن 59 في المئة من الأرامل فقدن أزواجهن خلال الحرب في العراق». وحذرت الدراسة من أن «العصابات الإجرامية والمجموعات الإرهابية ربما تحاول تجنيد الأرامل اليائسات، وأن تجاهل معاناتهن من الممكن أن يؤدي بهن إلى الدعارة والمخدرات والإرهاب». وأوضح التقرير أن «الدولة العراقية أهملت الأرامل بمشكلاتهن الكبيرة، وينطوي الحل في تشكيل مؤسسات تعنى برعاية هؤلاء النساء وحل مشكلاتهن». وعرضت الشبكة مثالاً على أوضاع الأرامل في العراق، واقع «الأرملة وفية حسين التي تعيش في غرفة صغيرة مع أطفالها الأربعة، في حي غرب بغداد». وتقول حسين البالغة من العمر 41 عاماً إنها تعتمد على «عطايا» الأقارب لتعيل عائلتها. أم محمد، مثال لأرملة لم تستسلم للفقر والعوز كما فعلت رفيقاتها، فهي ممرضة وترغب في الخضوع لدورات لتطوير نفسها مهنياً، والحصول على شهادة تؤهلها للعمل، ولإعالة ابنها البالغ من العمر 12 عاماً وإعادته إلى المدرسة بعدما تسرّب منها، ولتأمين احتياجات ابنتها التي تبلغ 14 عاماً، وتدرس في الصف الثالث المتوسط. وتقول أم محمد إنها لا تريد أن تمضي حياتها في طلب المساعدة من الجمعيات والمؤسسات الاغاثية. وتضيف أن هذه المؤسسات لا تمنحها أكثر من 100 دولار شهرياً، وفي كثير من الأحيان لا يصلها المبلغ، بسبب كثرة الطلب، وقلة الدعم لهذه المؤسسات، لافتة إلى أن «مشكلتها لا تقف عند حد المنحة، بل أيضاً سكنها البائس، إذ تقطن في أحد الأحياء الفقيرة في الموصل، حيث تكثر السرقات والجرائم، وتسعى الجماعات المسلحة إلى تجنيد أبناء الحي لزجّهم في أعمال العنف عن طريق إغرائهم بالأموال». أم عمر أرملة عراقية في الثلاثين من عمرها. قتلت المليشيات الطائفية زوجها، وصار عليها أن تعيل أربعة أولاد، أكبرهم في الرابعة عشرة من العمر. غير أن معاناة أم عمر لم تقف عند هذا الحد، إذ قضى ثلاثة من أولادها في حادث سير، قبل أن يتم تهجيرها وابنها الأكبر من منزلها في العاصمة بغداد، وطردها من الجامعة التي كانت تدرس فيها لأسباب تقول إنها طائفية. فباتت بلا مأوى ولا شهادة تؤهلها للعمل في التدريس كما كانت تأمل. ويبدو أن الإجراءات الحكومية المتعلقة بتقديم المساعدات للأرامل لم ترتق لتوفر الاحتياجات الفعلية لهن، بل أن البعض، ومنهن الأرملة نهى البالغة 19 عاماً، والتي تعيل أبناءها وأخوتها بعد وفاة زوجها ووالديها. نهى لا تتلقى مساعدة من الحكومة، وتجد نفسها مضطرة للعمل في مخبز لسد احتياجات أسرتها. وتقول: «لا معيل لديّ، ولا أحد يلتفت إلى حالي وأطفالي. أنا أعمل لتوفير لقمة العيش لهم»، لافتة إلى أن مدخولها لا يزيد عن ثلاثة دولارات يومياً في أحسن الأحوال. الأعراف والعادات المجتمعية ولا تقتصر العقبات التي تواجه الأرامل على صعوبة الحصول على عمل. وللوصول إلى لقمة العيش، لا بد للنساء المتروكات لمصيرهن من خوض معارك إضافية مع ذويهن ومجتمعهن الغارق في تقاليد وأعراف إجتماعية كثيرة. في هذا السياق، تتحدث أم ياسين عن معاناتها بعدما قتلت المليشيات الطائفية زوجها، ورفضت أن تعيش عالة على الآخرين. تقول إنها وضعت نصب عينيها أن تكمل دراستها الجامعية في كلية التربية التي كانت تركتها بسبب الزواج، فطلبت من أحد الجيران التوسّط لها للحصول على وظيفة إدارية، حتى تتمكن من حضور الدوام المسائي في الجامعة. وبسبب إصرارها، وتخطيها عقبات اجتماعية ناتجة من العادات والتقاليد، نجحت أم ياسين في إعالة ابنها وإكمال دراستها. وبعد سنتين حصلت على شهادة، وصارت مدرّسة براتب 400 دولار شهرياً، يكفي لتأمين احتياجاتها واجتياجات ابنها، لتنتشل نفسها من شريحة الأرامل المهملة. من ناحيته، أكد أستاذ علم الاجتماع والمتخصص في علم اجتماع العائلة في جامعة الموصل، الدكتور علي أحمد المعماري، أن الأرامل تعانين من مشكلات عدة، منها الاقتصادية والعاطفية، وأبرزها فقدان الزوج، وهي مشاكل تؤدي إلى الإنحراف، وما سيجرّه من آثار سلبية على المجتمع، ومشاكل ازدواج الأدوار، «فالأم تقوم بلعب دور الأم والأب في الوقت نفسه، وهو ما يجعلها تفشل». وقال أستاذ علم الاجتماع في جامعة الموصل حاتم يونس، إن تعداد الأيتام في العراق هو 4 ملايين، وهو رقم تقريبي تذكره وسائل الإعلام، ومشكلاتهم تتمحور حول ترك الدراسة، وانحراف الأغلبية وبخاصة في سن المراهقة، ومشاكل إقتصادية. وأكدت مسؤولة منظمة «نساء من أجل السلام» شذى ناجي أن «شريحة الأرامل في المجتمع تعاني الآن ظروفاً صعبة جداً، منها انقطاع الرواتب المخصصة لها من قبل الرعاية الاجتماعية»، مستغربة الحلول التي وضعتها الجهات المعنية، كتوفير منح تساعد الزوج ليتزوج مرة ثانية بأرملة. وقالت: «المرأة لا تُباع، كما أن الأسرة لا تُبنى على منحة مالية... وبعد الزواج من سيتكفل بأمر الزوجة الثانية؟». ورأت ناجي أن رعاية الأرامل من واجبات الحكومة، من خلال توفير سبل العيش الكريمة لهن. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت مبادرة قضت بتحديد يوم عالمي للأرامل. وفي هذا الصدد أكدت النائبة ندى الجبوري والراعية لمنظمة «المرأة والمستقبل العراقية» وجود توجّه بتحديد يوم للأرامل، لما له من أهمية في إتاحة الفرص لهن للتعبير عن معاناتهن، واستعادة حقوقهن الإنسانية، وتخفيف وطأة الفقر عنهن.