إثر تسلمه منصبه، بادر محافظ نيويورك الجديد، الديموقراطي ديفيد باترسون، وهو ضرير، الى عقد مؤتمر صحافي، وأعلن على الملأ أنه خان زوجته مع زميلات له في العمل. وأقرّت زوجته بأنها ارتكبت بدورها بضع هفوات زوجية، وأعلنت أنها وزوجها تخطيا المسألة. واستقال سلف باترسون، اليوت سبيتزر، بعد فضيحة علاقة ببائعة هوى. ومثل هذه الاخبار تفاجئ المواطن الأوروبي، الذي لم ينسَ بعد قضية مونيكا لوينسكي. ويستهجن الأوروبيون قيام مسؤول أميركي بإعلان توبته عن الخيانة الزوجية، واستباقه خروج هذه الخيانة الى العلن، عوض أن يطرح برنامجه السياسي. ويبدو أن شاغل القوة العظمى في العالم، التي تخوض حرباً متعثرة في العراق وأفغانستان، وتتوسل التعذيب في السجون، وتنتخب رئيساً تنقصه الكفاءة لولايتين رئاسيتين، هو قصص الخيانة الزوجية البائسة. وتلقّفت وسائل الإعلام، ومنها صحف مرموقة مثل"نيويورك تايمز"، أخبار الخيانة الزوجية، وهي شؤون خاصة، وأفردت مساحة كبيرة لروايتها والتعليق عليها. وأثارت قضية سبيتزر اهتمام الصحف. فهو في مثابة بطل مكافحة الفساد المالي والدعارة. واتضح أنه كان ينفق بين 1000 و5 آلاف دولار لقاء"خدمات"الحسناء آشلي يومانز 22 عاماً، المعروفة باسم كريستن، ويقتطع هذه المبالغ من أموال الحملة الانتخابية. ولا يلفت المواطن الأوروبي إفضاء المدافعين عن النزاهة والحشمة والاخلاق، ومحاربي الرشوة، الى أحضان بنت هوى، أو القبض عليهم ويدهم في كيس كوكايين. فغالباً ما يقع الواعظون أو المعتدوّن بأخلاقهم في ما يقضون عمرهم في إدانته ورفضه. وهذا شأن الكنيسة الكاثوليكية التي تضطهد المثليين، وتغض النظر عن تحرش بعض أعيانها بالأولاد. فالقارة الأوروبية اعتبرت بحوادث الماضي ومنها، وتعلمت الحذر من كل خطاب يدعو الى العفة. ويجد الأوروبي أن خلط الاميركيين بين خلاف حبيبين وخيانة الواحد منهما وبين الكارثة الجماعية، هو فضيحة معيبة. وربما، حري بنا دعوة الاميركيين الى الاطلاع على الأعمال السينمائية والأدبية والمسرحية التي تعرض على ضفة الأطلسي الشرقية. وتجمع هذه الاعمال على أن الأزواج يخون بعضهم بعضاً، وأن المرء يتجاوز خيانة شريكه. ولا يقتصر الوفاء الحقيقي بين حبيبين على الامتناع من خيانة الآخر خيانة جسدية فحسب. فجوهر الوفاء هو الحب الذي يتجاوز عقبة الخيانة الجسدية. والاوروبيون قد يحتفون بالخيانة الزوجية ويعلون شأنها. ويرون ربما أنها في مثابة انتفاضة على حصرية العلاقة الزوجية. ففي القرن التاسع عشر، هزئ كتاب وروائيون من"صاحب القرون"أي الزوج المخدوع أو الزوجة المخدوعة. وأضحكت هذه الاعمال التي هزئت بتعاسة الزوج المخدوع الناس. ففسخ عقود الزواج هو مناسبة للابتهاج والحبور. وفي القرن العشرين، ميّز جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار بين الحب العارض والحب الآسر أو الضروري. وبناء على هذا التمييز، خاضا مغامرات مع شركاء آخرين، وتبادلا هؤلاء الشركاء. وتبدو عادات أوروبا الاجتماعية وتقاليدها أكثر حكمة من عادات العالم الجديد المعيبة. فحتى في زواج الحب، الالتزام بشريك واحد تصرّف مثالي، والتعامل مع الضعف الإنساني أجدى نفعاً من كبته بأي ثمن، وتفادي المآسي التافهة خير من الوقوع فيها. وأوصى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، في مؤلفه"الزواج والأخلاق"، الزوج والزوجة، بالاعتدال والمسامحة رداً على الخيانة العابرة، شرط ألاّ تؤثّر في حياتهما وفي تربية الأبناء. فهدوء الحياة الزوجية واستقرارها هما رهن جهود يبذلها الشريكان. ويستشف المرء من النظر في تفاصيل قضية محافظ نيويورك السابق نفاقاً في المجتمع الأميركي. فهو دان هذا المحافظ، وأدخل فتاة الهوى كريستن إلى دائرة الضوء والشهرة. فانهالت عليها عروض إنتاج الأفلام وإعلانات منتجات التجميل، وعرض الثياب الداخلية الفاخرة والصور الاباحية. وسجّلت كريستن أغنيتين، وجنت من مبيعهما 200 ألف دولار في أيام قليلة. وعليه، عاقب المجتمع الأميركي مرتكب"المعصية"، وكافأ مرتكبتها، وجعلها نجمة اعلامية. ويبدو أن انشغال الولاياتالمتحدة بفكرة الخيانة على صلة بالعقد الاجتماعي الأميركي المصطنع، وهو ميثاق بين بشر من أعراق وأصول وأديان مختلفة. والزواج والطلاق هما مرآة العقد الذي قامت عليه الأمة. ولكن هل تطعن الخيانة الزوجية في العقد الاجتماعي الذي يربط بين الأميركيين؟ ولماذا تهتز العائلة، وهي الوطن المصغر، على وقع نزوات الشريكين؟ وتطرد الولاياتالمتحدة شياطينها السياسية من طريق إدانة خيانة المسؤولين السياسيين الزوجية. عن باسكال بروكنر،"لوموند"الفرنسية، 29/4/2008