بعد سنوات من الجلوس على كرسي الإدارة، فارقت مديرة المدرسة الابتدائية ال187 للبنات في الرياض الحياة وهي تمارس عملها. وكانت المديرة، قبل وفاتها بيوم، مُنحت إجازة مرضية لسوء وضعها الصحي، إلا أنها أصرّت على الحضور فأصيبت بإغماء، وتوفيت حال وصولها إلى المستشفى بسبب سكتة قلبية فاجأتها. هذا الخبر الذي نشر أمس في"الحياة"وخلا من اسم المديرة. وغياب اسم الفقيدة المتميزة من الخبر لا علاقة له بمهنية"الحياة"، فالمحرر اعتمد على بيان وزارة التربية والتعليم الذي نقل تفاصيل كثيرة باستثناء اسم الراحلة، فهي في نظره مجرد رقم مثل مدرستها! ان الخجل من اسم المرأة معضلة ثقافية في السعودية. فمثلاً نجد أن كل مدارس البنات، وعددها 16383 مدرسة، لا تتسمى بالمرأة، باستثناء مدارس كانت تتبع قطاعات عسكرية، وتم ضمها الى قطاع التعليم العام بعد القرار التاريخي بتوحيد تعليم البنين والبنات وإلغاء ما كان يعرف ب"الرئاسة العامة لتعليم البنات"التي كرست الخجل من اسم المرأة وغيَّبت دورها. أما بقية مدارس البنات فتحمل أرقاماً، فالمرأة مجرد رقم في نظر القائمين على التعليم. فضلاً عن انه لا يوجد مرفق مهم باسم امرأة سعودية، رغم أن تاريخنا حافل بنساء سعوديات كالرجال. ثمة خجل من اسم المرأة. وللأمانة، فنحن السعوديين لا نعرف سر هذا الخجل من اسم المرأة وكأنه عورة. فتاريخنا العربي والإسلامي لا علاقة له بهذه التهمة. فأجدادنا في الجزيرة العربية كانوا يفاخرون بالمرأة، وإذا أراد أحدهم أن يعتز بنفسه وعائلته قال: أنا أخو فلانة. والملك عبدالعزيز كان يعرف ب"أخو نوره"، ما يعني شدة اعتزازه بالمرأة. والتاريخ الإسلامي حافل بأسماء النساء العظيمات. لعل تغييب اسم مديرة المدرسة ال187، يصبح حداً فاصلاً بين تاريخ الخجل من اسم المرأة وزمن الاعتزاز باسمها ودورها، وتسمية مدارس البنات بأسماء نساء سعوديات كان لهن دور رائد في تاريخنا السياسي والاجتماعي الحديث والمعاصر. ولتكن البداية من المدرسة ذاتها التي شهدت الحادث فتحمل اسم المديرة التي صارت رقماً، قبل ان تموت كالشجرة واقفة. ومن يقرأ تاريخ الدولة السعودية بمراحلها سيجد نساء سعوديات جديرات بالاعتزاز وبالتكريم مثل موضي بنت وهطان زوجة مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود، والتي لها دور تاريخي مشهود. والقائمة تطول بمثلها، لكن هذا الخجل القبيح غيبهن من وجدان الناس وذاكرتهم.