يتجاوز مشروع "مركز السِدرة للطب والبحوث"، كونه مستشفى تعليمياً يُبنى لتلبية الحاجات الطبية المتقدمة في قطر والخليج، كما تصفه"مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع". وقد شرعت المؤسسة في عملية تشييده فعلياً وتشكيل كوادره، وخصصت له موازنة ضخمة بقيمة 7.9 بليون دولار. مركز أكاديمي للبحوث إضافة الى توفير الرعاية السريرية، يهدف"مشروع السِدرة"للمساهمة في التعليم الأكاديمي الطبي ومساعدة البحوث في مجال الطب الحيوي، وخصوصاً علوم الجينات. وبذا، يمكن اعتباره مركزاً تعليمياً لطلبة كلية الطب في الفرع القطري لجامعة"وايل كورنيل"الأميركية، التي تتعاون مع"مؤسسة حمد الطبية"وهي أكبر مزود للرعاية الصحية العامة في الدوحة. وسيوفر المستشفى الضخم مكاناً للعلماء المتحدرين من أصول عربية لتطوير اكتشافاتهم. وحاز الشكل الخارجي للمشروع اهتماماً كبيراً، ودليل ذلك تكليف المهندس المعماري العالمي سيزار بيللي تصميمه. وعُهِدَ تنفيذه إلى شركة الهندسة"إليربي بيكيت"الذائعة الصيت، التي صمّمت"أبراج بترونا"في كوالالمبور في ماليزيا. لكن الفخامة لا تلغي أهمية المشروع المتوقع افتتاحه في العام 2010، في بلد ينمو سريعاً، ويحتاج إلى بنية صحية قوية قادرة على استيعاب كل الحالات الطارئة، وكذلك الأمراض المزمنة. وفي حديث ل"الحياة"، أكّدت رئيسة"مجلس إدارة الهيئة الوطنية للصحة"في قطر، وعضو مجلس إدارة"مشروع السِدرة"، الدكتورة الشيخة غالية بنت محمد آل ثاني، حاجة بلادها الملحة إلى معالجة للمشكلات الصحية المتعلقة بالحياة اليومية كأمراض القلب والسمنة والسكري والتدخين. وشدّدت على أهمية الخبرة العلمية لجامعة"وايل كورنيل"لتنفيذ البحوث في هذه المجالات. وأضافت:"السِدرة مستشفى خاص تملكه"مؤسسة قطر"، وليس مستشفى عاماً". وعلى رغم وجود مستشفيات خاصة في البلد"فإن السِدرة سيكون الأول على هذا المستوى". ونبّهت الشيخة غالية إلى أن"القطاع العام للصحة في قطر له بنيته التحتية القوية والقديمة العهد"، والتي عززها"مستشفى حمد التخصصي"الذي تأسس في الثمانينات من القرن الماضي. وبحسب الشيخة غالية، تنبهت الدوحة إلى الأزمة الصحية التي قد تواجهها على المدى الطويل، مع استمرار النمو السكاني والعمراني في البلاد. وبرز ذلك تحديداً السنة الماضية، عندما استضافت قطر"دورة الألعاب الآسيوية". ولا ينتقص"مشروع السِدرة"من أهمية"مستشفى حمد التخصصي"المؤلف من ثلاث مستشفيات رئيسية، مع مساكن للفرق الطبية. وهو يقدم خدمات صحية لكل الفئات. ويوفر الرعاية بالطفل والمرأة، ويعمل بقوة في مجال الجراحة... وأوضحت الشيخة غالية أن"مستشفى حمد بني في زمن كان عدد السكان 250 ألفاً، فيما يتجاوز العدد اليوم المليون ونصف المليون، وهو آخذ بالزيادة". وأضافت:"نحاول البناء بأسرع ما يمكن لتلبية الحاجات. ونضاعف قدراتنا على المستوى الصحي ثلاث مرات. ونأمل في ان تجهز مستشفياتنا العامة، التي يتم تجديدها أيضاً، بالتزامن مع جاهزية السِدرة". وشدّدت الشيخة غالية على عدم التمييز بين مريض وآخر، ذلك أن"الرعاية الطبية للجميع". وزادت:"قسّمنا عدد الأسرة المطلوبة بين السِدرة والقطاع العام. وقدرنا ان البلاد ستحتاج بحلول العام 2015 إلى 238 الف سرير لطب الاطفال. سيمنح القطاع العام 190 ألف سرير، مقابل 138 ألفاً للسدرة... والامر عينه ينطبق على الأسرة المطلوبة للرعاية بالمرأة". ولفتت إلى التعاون الوثيق بين القطاعين لتأمين رعاية صحية متوازنة، ما يفسّر تسمية مشروع السِدرة"برنامجاً واحداً لمؤسسات عدة". أرقام لرعاية صحية مجانية وتشكّل الكلفة الطبية العالية مشكلة أخرى، يزيد من أهميتها كون دولة قطر توفر الرعاية الصحية المجانية للجميع، مهما كانت جنسية المريض. لكن خروج التعداد السكاني عن السيطرة، جعل البحث عن نظام بديل ضروري. وعلّقت الشيخة غالية على ذلك الأمر بالقول:"مع خروج الرعاية الصحية المجانية عن السيطرة، ظهر قلق رسمي حيال كيفية المضي في هذا النهج، وكان الجواب التأمين الصحي. لذلك، طوّرنا في الهيئة الوطنية للصحة برنامجاً تأمينياً جيداً، نأمل البدء باعتماده خلال سنة أو نحوها... ووفقاً لهذا البرنامج، تتولى الدولة تأمين القطريين وموظفي القطاع العام، فيما تتكفل الشركات بتأمين موظفيها غير القطريين، على أن تؤمن المؤسسات العامة الموظفين غير القطريين العاملين لديها". وفي سياق متصل، أكّدت الدكتورة غالية أهمية التخصص، والتركيز على نوعية الرعاية، إضافة الى توافرها بالكمية المناسبة. وقالت:"لا نريد تعقيد النظام الصحي، خصوصاً ان قطر دولة صغيرة المساحة، وفريقنا الطبي ليس كبيراً. فلا نريد مثلاً ثلاثة مراكز لطب القلب ومركزين للسرطان، بل نريد مركزاً متخصصاً في كل مجال". وتحدّثت عن عدد الأطباء القطريي الجنسية، فأشارت إلى أن"27 في المئة من الاطباء لدينا حالياً هم من القطريين، وهو عدد غير كاف. يتمثّل هدفنا في ظل قانون تقطير الوظائف في أن نرفع النسبة إلى 80 في المئة على الاقل في السنوات العشر المقبلة، بهدف الحفاظ على نظام صحي متماسك". وأضافت:"سنبقى دائماً منفتحين على العالم للتطوير وتبادل الخبرات". ولفتت إلى أهمية دور كلية الطب في جامعة"وايل كورنيل"في قطر في هذا الإطار، إضافة إلى القطريين الذين يدرسون الطب في الخارج، وتحديداً في ارلندا. ويشكّل التمريض حاجة ملحة أخرى. وتعمل قطر على معالجتها عبر شراكة مع"كلية كالغيري"للتمريض، وهي كلية كندية استقدمت أيضاً إلى الدوحة، وبدأت أخيراً بتدريس دفعتها الثانية من الطلبة. بحوث وتعاون عربي ويتطلع"مشروع السِدرة"إلى التعاون العربي في مجال البحوث وتبادل الخبرات، وبناء سمعة طيبة تجعلها تكتسب لاحقاً سمعة عالمية. وتشكل البحوث جزءاً رئيساً من عمل"مؤسسة قطر"، فهي الوسيلة الأمثل لتنويع اقتصاد الدولة وتعزيز الخدمات التعليمية وتطوير الجوانب المؤثرة في المجتمع كالصحة والبيئة. ويجسّد"الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي"الذي أطلق عام 2005، اهتمام المؤسسة بالبحوث بما يلبي حاجات البلد. ويعنى الفرع القطري ل"معهد راند"الأميركي للسياسات، وهو من مشاريع الشراكة بين"مؤسسة قطر"و?"مؤسسة راند" بتوفير رؤية استراتيجية عن الموضوعات الملحة في القطاعين العام والخاص، ويقود البحوث الضرورية، ويتولى أعمال التحليل الموضوعي المعمق. وأوضحت الشيخة غالية أن قطر"تسعى للانفتاح على دول الجوار ومعالجة مرضاها، وحتى التحوّل للرعاية على المستوى العالمي". وزادت:"لدينا مجلس صحة ممتاز على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي، نعمل معاً عن كثب ونتبادل الاستراتيجيات... ومن الأمثلة على ذلك مرض السكري الذي لاحظنا أنه مشكلة تعاني منها دول المجموعة، فتشكلت قوة للعمل على استراتيجية مشتركة للمعالجة". ولفتت إلى أن قطر"في حاجة الى استراتيجيتها الخاصة في هذا المجال، تماماً كحال دول المجموعة". وباشر"مشروع السِدرة"عملية البحث عن الكوادر اللازمة وتوظيفها. ولم يبدأ بعد النظر في وضع استراتيجيات لبرامج إعلانات التوعية. وفي هذا الصدّد، أكّدت الشيخة غالية أن هذا الأمر مسؤولية الهيئة الوطنية للصحة التي ترأسها، والتي ستتعاون في مراحل لاحقة مع"مشروع السِدرة"وشركائه الآخرين لوضع خطط للتوعية، التي تشمل إعلانات صحية وبرامج توعية وغيرها.