إذا كان لفيلم الراحل مصطفى العقاد "أسد الصحراء"، شهرة ما على الصعيد العالمي، فإن شهرته هذه تنحصر في كونه واحداً من أكثر الأفلام إخفاقاً على الصعيد التجاري في تاريخ الفن السابع، إذ أن مختلف اللوائح التي تورد أسماء العشرة الأكثر خسارة، تضعه في مركز متقدم وأحياناً في المركز الأول على اعتبار أنه كلف خلال ثمانينات القرن العشرين 35 مليون دولار لم يردّ منها سوى مليون واحد. غير أن هذه الخسارة، إذا كانت عطلت مشاريع مخرجه التالية، لم تحرك لدى المنتجين ساكناً... لأن المنتجين كانوا السلطات الليبية والزعيم معمر القذافي شخصياً. ذلك أن الفيلم تحدث عن نضال الثائر الليبي عمر المختار قام بالدور أنطوني كوين. اليوم، وكما فهم من تصريحات متداولة في"كان"ومنها تصريح للفنان عمر الشريف، يبدو أن العقيد القذافي يريد أن يعيد التجربة نفسها، حول الموضوع نفسه وإنما بعنوان مختلف"ظلم"... وهو رصد للمشروع الذي يتناول، بالتالي 4 عقود من التاريخ الليبي من خلال تاريخ عمر المختار، 50 مليون دولار وضعت في تصرف المخرج نجدت أنزور، الذي يبدو أنه كان عازماً أول الأمر على تحقيق فيلم عن حياة القذافي نفسه، فأجل المشروع لمصلحة فيلم عن المختار، ويسود همس أن القذافي كتب نصه بنفسه!. المهم أن عمر الشريف سيقوم هنا بالدور الذي كان لعبه أنطوني كوين واعتبر يومها أسوأ أداء لهذا الأخير في تاريخه. هل هناك ولع خاص للإيطاليين بالكاتب الفرنسي الراحل البير كامو؟ هذا السؤال طرح قبل عقود حين ترك المخرج الإيطالي الكبير الراحل لوكينو فيسكونتي، كل مشاريعه السينمائية والأوبرالية الضخمة، ليتفرغ أكثر من عام حقق خلاله واحداً من أفلامه الكبرى:"الغريب"عن رواية كامو الأشهر. ولقد لفت الأنظار يومها أن فيسكونتي فكر بما لم يفكر به الفرنسيون مع أن كامو يعتبر أيقونة أدبية لديهم. اليوم، بعد كل هذه السنوات وبعد أن ظل كامو غائباً عملياً عن اهتمام أي سينمائي فرنسي كبير، ها هو مشروع سينمائي إيطالي جديد، مأخوذ بدوره عن عمل لألبير كامو، على وشك أن يرى النور قريباً. فقد أعلن في مؤتمر صحافي خاص في"كان"أن المخرج جياني آميليو، سيباشر قريباً تصوير فيلم جديد له مقتبس عن رواية"الرجل الأول"التي كانت آخر عمل لكامو، عملياً، وتركها لدى رحيله غير مكتملة... بل لم يكن أحد يعرف عنها شيئاً حتى وجد مخطوطها في حقيبته الى جانب السيارة التي اصطدم وقتل فيها. أعلن آميليو أن الفيلم سيكون ناطقاً بالفرنسية، طالما أن الرواية تحمل، جزئياً، نوعاً من السيرة الذاتية لكامو، ما يعني أن جزءاً من الفيلم سيصور في الجزائر، التي ولد كامو وترعرع فيها، وناضل خلال شبابه من أجل استقلالها. ولقد تقرر أن تلعب كلوديا كاردينالي دوراً أساسياً في الفيلم. على ذكر الأدب والسينما، أعلن في"كان"أيضاً، وأيضاً خلال مؤتمر صحافي خاص أن شركة"سيلولويد دريم"اشترت حقوق تحويل رواية"أوبيك"لفيليب ك. ديك، الى فيلم سينمائي. ديك كان نشر هذه الرواية التي توصف عادة بأنها"ميتافيزيقية خيالية"، عام 1919، أي قبل رحيله بفترة، وظلت منذ ذلك الحين تعتبر رواية غير قابلة للأفلمة... في مقابل تصنيف مجلة"تايم"لها، عند نهاية القرن العشرين بأنها واحدة من أهم 100 رواية كتبت في اللغة الإنكليزية على مدى الأزمان. اللافت أن الفيلم، الذي لم تعلن بعد أسماء مخرجه أو ممثليه، سيكون من إنتاج ابنة فيليب ك. ديك نفسها. معروف أن روايات عدة لهذا الكاتب الكبير، كانت حولت أفلاماً، أبرزها على الإطلاق"بلاد رانر"الذي أخرجه ردلي سكوت، ثم"تقرير عن الأقليات"لستيفن سبيلبرغ خصوصاً"سكانر داركلي"فيلم الرسوم المتحركة لريتشارد ليكلانز. نذكر هنا بأنه، كما الحال مع المشروع الجديد"أوبيك"قيل دائماً في الماضي بأن أياً من الروايات المذكورة لم تكن ممكنة التحويل الى السينما. وحين حولت أصبحت من معالم السينما، كلاً على طريقتها. على رغم كل ما يحدث في فلسطين، وفي غزة تحديداً، وعلى رغم أن فلسطين تبدو منذ زمن غائبة عن الصورة السينمائية، فوجئ أهل السينما في"كان"بأخبار فلسطينية أتت الى حصن السينما المنيع هذا في ركاب العروض العالمية الأولى لفيلم"ملح هذا البحر"لآن ماري جاسر. فهذه الأخبار تحدثت بيقين عما لا يقل عن خمسة أو ستة مشاريع سينمائية فلسطينية جديدة، تتعلق تحديداً وهنا تكبر المفاجأة عن أفلام روائية طويلة هي الآن قيد الإنجاز، أبرزها كما يبدو فيلم إيليا سليمان الجديد"الزمن الباقي"الذي سيحاول فيه أن يسرد 60 سنة من تاريخ فلسطين من خلال حكاية والديه. في المقابل ينجز رشيد مشهراوي فيلمين، أحدهما روائي هو"عيد ميلاد ليلى"الذي ربما سيكون فيلم الافتتاح في مهرجان الشرق الأوسط أبو ظبي المقبل. أما الجديدة نجوى نجاح فتنجز فيلمها الروائي الطويل الأول"رمان وزعتر"فيما يشتغل وائل أبو توفيق، الذي غاب اسمه منذ فيلمه الأول والأخير حتى الآن"عطش"، على فيلم جديد له ينجز آخر الصيف... خيبة الأمل التي منيت بها شركة"غود نيوز"في دورة هذا العام لمهرجان"كان"أتت كبيرة... فالشركة قصدت المهرجان في ركب فيلم"ليلة البيبي دول"مصطحبة بعض ممثلي الفيلم وعدداً من أركان الشركة وعلى رأسهم عماد الدين أديب، وآخرين بينهم صحافيون جيء بهم ليغطوا"الحدث الموعود"، أي عرض الفيلم على هامش المهرجان وإثارة أكبر قدر من الضجيج من حوله، كما كانت الحال مع"عمارة يعقوبيان"قبل سنتين. ولكن، لأن"البيبي دول"غير"يعقوبيان"، لم يشكل عرض الفيلم الجديد أي حدث ومر من دون أن يلفت النظر أو يثار أي ضجيج من حوله حتى في الأوساط العربية، على رغم المال"الإعلامي"السخي الذي أنفق على ذلك كله... فكان أن عاد"البيبي دول"وأصحابه الى القاهرة، في انتظار يقظة أخرى للفيلم ستكون أكثر تواضعاً: يقظة حين يعرض عروضه التجارية في الصالات العربية وربما على الشاشات الصغيرة، ما يعيد إليه حيويته.