كان يمكن الملحن زياد بطرس ان يكون أكثر امتداداً على أصوات المغنين والمغنيات في لبنان والعالم العربي. لم يحصر نفسه في صوت شقيقته المغنية جوليا بطرس، لكن الظروف تجمعت بحيث"جمّدته"تقريباً عند جوليا. والتجمد ليس بالضرورة نقطة سلبية، خصوصاً مع صوت له احترام خاص لدى الجمهور. ثمة محاولات لحنية أخرى قام بها زياد لعدد من الأصوات اللبنانية نجحت ولم تنجح: نجحت لأنها انتشرت في مرحلة معيّنة كأغلب الأغاني الناجحة، ولم تنجح لأنها لم تتكرر في محاولات أخرى، بل انقطعت في شكل يدعو الى التساؤل: هل زياد بطرس لا يجيد الحفاظ على الأصوات التي يتعاون واياها، أم إن تلك الأصوات تكتفي منه بأغنية لا يعود بعدها قادراً على لفت انتباهها بجديد جيّد، كما قالت مرة احدى المغنيات؟ بداية: زياد بطرس، ملحن بارع، يملك ثقافة فنية وموسيقية متميزة تظهر في حضوره عضواً في لجنة تحكيم برنامج"سوبر ستار". في هذا البرنامج هو شخص يؤدي دوراً من ضمن"لعبة"تلفزيونية يستسيغها البعض ويستثقلها البعض الآخر، أما إمكاناته النقدية الموسيقية والغنائية فكبيرة، ومسيرته الفنية منذ"غابت شمس الحق"حتى"أحبائي"غنية، تعلو وتزداد علّواً مع مرور الوقت وتعمّق التجربة و"معاشرة"العالم الفني الراهن ككل. ويمكن اعتباره ملحناً مجدداً صاحب لون، له عناصر تكوينية طيبة آتية من شخصية خاصة، آتية بدورها من الجملة اللحنية اللبنانية. ويكاد زياد بطرس يكون الملحن اللبناني الوحيد تقريباً من الجيل الجديد، الذي تلمس في ألحانه، الشخصية اللبنانية الحديثة منفصلة عن الشخصية اللحنية العربية أو المصرية تحديداً. أمر صعب الحدوث بالنسبة الى ملحن لبناني يحترف الأغنية الجديدة لا الفولكلورية. فاللحن الفولكلوري يدل على الهوية الغنائية اللبنانية القديمة من خلال بعض حركات صوتية"محلية"وتفاصيل لحنية بلدية معروفة عندنا، أما اللحن اللبناني الحديث فمن المستحيل، ربما، وجوده عند جيل الشباب من دون تأثرات واضحة غالباً بالألحان المصرية، خصوصاً بعدما انعدمت الحدود، وتواصل الفنانون العرب والجمهور العربي الكبير عميقاً عبر وسائل الاتصال المتعددة وأدوات التفاعل الفني خلال ربع القرن الأخير على الأقل، حتى لا نذهب أبعد الى حيث كانت الاذاعات العربية العابرة للمسافات تفعل فعلها الواسع وتقرّب الفنون الغنائية والموسيقية العربية بعضها من بعض بالقَدر الذي تستطيع وهو لا يقاس طبعاً بالقَدر الراهن من التقريب والتماهي أحياناً. الجملة اللحنية عند زياد بطرس لبنانية حديثة، لا الفولكلور اللبناني حاضراً فيها كقوة محركة، ولا اللون المصري أو الألوان المصرية. جملة تجد أصلها وبعض مكوّناتها في الفن الرحباني لدى عاصي ومنصور وزياد. عاصي ومنصور الرحباني يظهران في نتاج بطرس من خلال الذاكرة الحية التي تتوالد في المجتمع الفني من نفسها فتولّد ذلك التيار اللبناني الحديث في الأغنية والموسيقى. وزياد الرحباني يظهر من خلال تركيب بعض الجُمل اللحنية أو بعض الأجواء العامة للألحان. لكن الغريب أن عاصي ومنصور وزياد الرحباني تأثروا وأثروا بالموسيقى المصرية في مراحلها المتتالية فقدموا أغنية لبنانية وارفة الأغصان ممتدة بين جذر فولكلوري ومكتسبات ثقافية فنية عالمية خلال قرن كامل من"المعاصرة". أما زياد بطرس، وهو يرسم وجوده الفني، فيتقدم الى المنصة كملحن فيه الرحباني من دون المصري، واللبناني من دون الفولكلور! على أن ما يكسر جملة زياد بطرس اللحنية هو ضيق الأفق الذي تتحرك فيه. من النوتات الأولى لأي لحن عنده، تستطيع ببعض المعرفة لأعماله، أن تتكهن بسير الجملة الى النوتات الأخيرة. يفاجئ ببدايات الجُمل اللحنية التي يصوغها، لكنه لا يفاجئ بالقفلات إلا لماماً. ويفاجئ بجمال الجملة اللحنية ككل، لكنه لا يفاجئ كثيراً بالسياق الذي تأخذه الجملة. كان يمكن زياد بطرس أن يكون أكثر امتداداً على أصوات المغنين والمغنيات في لبنان والعالم العربي. هكذا بدأ المقال. هل بين الأفكار التي وردت ما يشير الى أن نجوم الغناء اليوم معجبون بالجملة اللحنية المصرية، أكثر من الجملة اللبنانية، وتالياً فإن زياد بطرس بسبب ذلك غير مرغوب فيه... إلا عائلياً!؟