مر يوم الرابع من أيار مايو كبقية الأيام الأردنية. لم تحدث دعوة الإضراب الالكترونية الأثر المطلوب في إظهار شيء من الرفض والاحتجاج على استشراس غول الأسعار المصاحب لتحرير أسعار المشتقات النفطية مطلع شباط فبراير الماضي. شلة"مستقلة"من أعضاء الموقع الشهير على الشبكة العنكبوتية،"فايسبوك"، دعت إلى إضراب"النشامى والرجالة"القائم على التزام المنزل، والتوقف عن العمل لمدة لا تتجاوز الثلاث ساعات بدءاً من الساعة الثامنة صباحاً تنديداً ب"مجزرة الأسعار". في الفضاء الإلكتروني حيث مهد الدعوة، تنادى آلاف المشتركين لمؤازرتها، ووفقاً لنص الدعوة فالإضراب منوط بثلاثة"لماذات"،"لماذا الإضراب؟"ليأتي الجواب"للفت انتباه أُولي الأمر"، ثم"لماذا الإضراب فقط"، والجواب"لا نريد مشاكل أمنية"، وأخيراً"لماذا الإضراب جزئي"، يرد الداعون إليه:"حتى يتمكن الجميع من المشاركة"، مشددين على"لا تقل لن ننجح: جرب أولاً ولا تخف، فزمن الخوف انتهى، والنتائج الكبيرة تبدأ من أفعال وأفكار صغيرة". وكما أطلقت المصرية إسراء عبد الفتاح شرارة الإضراب في وجه الغلاء في القاهرة، أطلق"نشمي/ جدع"، كما لقب نفسه، دعوة الاحتجاج في الأردن. واللافت أن الشاب الذي يبدو أنه تعلم الدرس مما حدث لإسراء من تورط في إشكاليات أمنية، سعى إلى إيجاد موقف تضامني أردني مصري في العالم الافتراضي، فاتخذ"النشامى"للأردنيين، فيما استخدم"الرجالة"للمصريين. ويفسر"نشمي"استخدامه اسماً مستعاراً بأن ما يقصده من الدعوة هو"الدفاع عن المطالب الشعبية للمواطن، لا الشهرة". وبحسب مقابلة أجراها موقع شبابي محلي مع منظم الإضراب عبر صفحات"الفيس بوك"، أكد"نشمي"أن"دعوته الى الإضراب سلمية ولا تتضمن الخروج الى الشارع لتجنب أي شكاليات أمنية". ورداً على سؤال عن الخطوات المقبلة، قال"نشمي":"لا نريد أن نستبق الأمور، بعد الإضراب سنقوم بإجراء حوار على الفيس بوك، وسنتشاور في أفضل الطرق وعلى أساسها سنتصرف". وتتضمن دعوة الإضراب مطالب سبعة هي: حض الحكومة على بذل جهود حقيقية للحد من ارتفاع الأسعار، وتثبيت أسعار الغاز والكهرباء، ووقف بيع ممتلكات الوطن، وإنصاف موظفي القطاع الخاص ووضع ضوابط قانونية ملزمة للشركات لرفع رواتبهم، وضبط أسعار العقارات وبدل الإيجارات، وتفعيل قانون مكافحة الفساد، واستغلال موارد البلاد واستثمارها. واستناداً إلى دردشات رقمية في فضاء"الفيس بوك"، رأى مؤيدو الإضراب ومنهم من"يزعم"أنه شارك فيه، أن"الإضراب خطوة على طريق مناهضة الغلاء"، طارحين الإشكاليات الناجمة عنه، وآثاره السلبية على المجتمع، لا سيما أنهم اعتبروا أنه"لم يعد من الممكن السكوت على الوضع الحالي". في المقابل، نشطت جماعة أخرى على الساحة الإلكترونية نفسها تشجب الإضراب، وتتهم كل من يشارك فيه ويروج له"بضعف الانتماء، ومحاولة دق الأسافين في الوحدة الوطنية"، مشددة على أن"ارتفاع الأسعار شأن عالمي لا يقتصر على الأردن". وبعيداً من التأييد والمناهضة، وجد محللون أن الدعوة بحد ذاتها تشكل خرقاً غير مسبوق للمرجعيات التقليدية الممثلة بقوى المجتمع المدني وعلى رأسها الأحزاب بعد أن رسخت حضوراً خجولاً في الحياة السياسية الأردنية، ليتفقوا على أن ضعف الأداء الحزبي، وهشاشة تأثير الإعلام في قيادة عملية التفكير المجتمعي، ولدا فراغاً ملأته التحالفات الرقمية. في السياق ذاته، يقول الكاتب باسم سكجها إن"هزالة الدور الذي لعبته الأحزاب في تشكيل قوى ضاغطة باتجاه تخفيف حدة آثار تسونامي الأسعار، شجّع شباناً محتجين على الأوضاع الاقتصادية على بناء تحالفات رقمية لتحقيق تلك الغاية". ويبدو أن القوانين الناظمة للحياة السياسية سواء التشريعية أو الاجتماعية، قلصت فسح التعبير، وحجبت فرص المشاركة. إذ يعتبر سكجها أن الشعب الأردني"غير ممثل سياسياً حتى في مجلس النواب"، عازياً ذلك إلى"قانون الصوت الواحد، والثقل العشائري اللذين يعيقان إفراز ممثلين حقيقيين لشرائح مجتمعية ظلت مغيبة عن مطبخ صنع القرار في البلاد، ما يجعلها تبحث عن ملجأ تعبر فيه عن رأيها". ويرى سكجها، وهو رئيس"منتدى الشفافية الأردنية"، أن الشارع الأردني"محتقن وفي حاجة إلى وسيلة تعبير تنفس عن مواقفه تجاه المجريات الاقتصادية التي تمس حياته في شكل مباشر"، منتقداً الصحافة المحلية، إذ اعتبرها"بعيدة من نبض الشارع". ويستبعد الكاتب أن يكون العزوف عن المشاركة في الإضراب راجعاً لمخاوف من مساءلة أمنية، مشيراً الى أنه"عملية لم يختبرها الشارع الأردني من قبل ليعلم خواتيمها مسبقاً". أما المحلل جمال الطاهات فيرى أن الهاجس الأمني"ربما لعب دوراً في إحجام شبان وفتيات عن المشاركة في الإضراب على رغم مشروعية مطالبه وشعبيتها"، مشدداً على أن العديد من الشباب يخشون تأثير مثل تلك الأفعال على حياتهم المهنية. واللافت، أن الاقتصاد بات المحرك الأول لتكوين حركات وتنظيمات، بعدما اعتلت السياسة عرشها ردحاً طويلاً من الزمن. وحظيت حركة"نشمي"الالكترونية بمؤازرة حركات"حقيقية"كحركة"ذبحتونا"الطالبية المناهضة لرفع الرسوم الجامعية، وحركة"لا"لرفع الأسعار. فيما بادرت الحركة الالكترونية لطلب دعم مجموعة ال"76"التي تضم شخصيات سياسية وحزبية وطنية، وتطالب بالعدول عن سياسة السوق المفتوح، وعقد مؤتمر وطني لوقف ارتفاع الأسعار. صحيح أن الحركة المكونة من ناقري أزرار الكومبيوتر"فشلت"في انتزاع احتجاج علني واسع التأثير. بيد أنها تمكنت من نقل الكرة إلى ملعب مؤسسات المجتمع المدني لتتخذ موقعها في صد هجمة الغلاء عن غالبية مسحوقة وجدت في الفضاء الالكتروني"هايد بارك"محلياً.