ما أبعد أيار 2000 عن أيار 2008، انتصار "حزب الله" على اسرائيل في التاريخ الاول كان انتصاراً لبنانياً حقّق الانسحاب الاسرائيلي ورافقه اجماع وطني والتفاف شبه كامل حول المقاومة واشادة بالدور الوطني الاستثنائي الذي لعبته في ذلك التحرير. حتى خصوم المقاومة، لأسبابهم السياسية وهواجسهم المذهبية، بقوا عاجزين عن العثور على اي مأخذ على سلوكها، لا خلال معارك التحرير ولا خلال الاحتفاء بالنصر. أيار 2008 هو"انتصار"من نوع آخر ل"حزب الله". فيه هذه المرة طعم المرارة، لأن الأحياء التي سيطر عليها"حزب الله"في بيروت وسواها هي احياء يقيم فيها، مواطنوه اللبنانيون، ولأن الاجماع الذي التف حول الحزب قبل ثماني سنوات تمزقه الآن الانشقاقات المذهبية والسياسية، التي تحوّل الحزب المقاوم الى واحد من فصائل النزاع الداخلي. معروف أن"حزب الله"تردد كثيراً، أو هكذا أشاع قادته، قبل القدوم الى ساحة العمل السياسي في الداخل. ربما لأنه كان يدرك أنه في هذه الساحة سوف ينزع الرداء الوطني الجامع، وسيرتدي، بحكم هوية عناصره وانتماءاتهم المناطقية، رداء مذهبياً. الى جانب ذلك، كان مجيء الحزب الى الساحة الداخلية، بسلاح المقاومة، أمراً سيدفع الى التورط، لأن المكان الطبيعي لهذا السلاح، الذي يمكن أن يوفر الاجماع حوله، ليس طبعاً في هذه الساحة، فضلاً عن التحفظات التي بقيت قائمة حيال امكان استخدام هذا السلاح لفرض مشروع"حزب الله"أو وجهة نظره على الآخرين، كما حصل في"الانتصار"الاخير. ما قيل في تبرير استخدام السلاح، باعتبار أن الحرب مع"عملاء الداخل"هي بمثابة الحرب مع العدو على الحدود، لا يخفِّف من وطأة هزيمة"الانتصار"، بل يزيدها. فإذا كان"حزب الله"لا يزال مدركاً حقاً لأهمية صيغة العيش المشترك ولأهمية التوازنات الداخلية ولأهمية عدم إغراق لبنان في الصراع المذهبي الذي يغطي سماء المنطقة، فلا بد له أن يدرك انه، في نهاية المطاف، سوف يعود من معركته الى العيش مع هؤلاء"العملاء"الذين ينتصر عليهم اليوم. بهذا المعنى ايضاً، يختلف"الانتصار"الأخير اختلافاً مريعاً عن انتصارات 2000 و2006. فالسيد حسن نصرالله لن يكون مضطراً في أي يوم للعيش تحت سقف واحد مع ايهود اولمرت او ايهود باراك. انتصاره على هؤلاء حلال والابتهاج به حق، لكن"الانتصار"على سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع له معنى آخر، مثلما له ابعاد اخرى على قدرة لبنان على القيامة من هذه النكسة الدامية. من هنا التخوّف أن لا يكون قادة"حزب الله"قد قطعوا الحاجز الأخير نحو القطيعة النهائية. يدفع الى هذا التخوّف ما سمعناه أخيراً على لسان الامين العام للحزب. فعندما يتم تصنيف القيادات اللبنانية الاخرى في موقع"الخيانة"و"العمالة لاسرائيل"لمجرد خلاف معها في الرأي حول قرار حكومي، يصبح طبيعياً التساؤل عما اذا كان هناك هامش باق للحوار أو للحل في ذهن قادة الحزب. فالذي يبدو ان نصرالله قطع آخر الخيوط التي تمتد الى الحل. بل انه ذهب ابعد من ذلك، ومن موقعه الديني، الى قطع الطريق على معارضيه في الآخرة ايضاً، وحرمانهم من دخول الجنة، انطلاقاً من تأكيده انه لن يلتقي وإياهم هناك في مكان واحد! في كل هذا تبقى اسرائيل الغائب الاكبر، على رغم تأكيد الحزب انها في رأس اهتماماته وفي صلب اهدافه. ف"الانتصار"على جبهة الداخل هو هزيمة أكيدة على جبهة العدو. هنا ايضاً يجب التذكير ان صلابة موقف المقاومة لم تنشأ فقط بسبب سلاحها، بل ايضاً وقبل ذلك بسبب التماسك الداخلي، الذي كان تفككه دائماً عاملاً اساسياً يسهّل الاختراق. لهذا السبب وحده كان يجب أن يبقى قادة الحزب احرص من اي تنظيم آخر في لبنان على هذا التماسك، خصوصاً انهم ما انفكوا يعلنون ان الالتفاف الشعبي حولهم في حرب تموز الاخيرة كان أحد أهم العناصر التي وفّرت لهم فرص النصر.