وقعت معارك البصرة وقع الكارثة على الضالعين فيها جميعاً. وحده ربما من كان يفترض فيه أن يهزم شر هزيمة، أي"جيش المهدي"، لا يصدق فيه القول وطوال أسبوع، بقيت عشرات آلاف العائلات العراقية أسيرة منازلها، وقُطعت عنها الكهرباء والمياه والخطوط الهاتفية الجوالة. وأوقعت هذه المعارك مئات القتلى. وانتهت المعارك الى تقويض نفوذ نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي. فهو ألقى ثقله السياسي في المعركة، وتولى الإشراف عليها شخصياً. ولم تنجح الشرطة العراقية والجيش العراقي في السيطرة على موقع واحد من مواقع أرض المعركة. وانفرط عقد قوات الشرطة والجيش. فانضم ضباط ومعهم وحدات قتالية كاملة الى صفوف"جيش المهدي". وأطاحت معركة البصرة جهود إدارة بوش لإرساء الأمن بالعراق، إثر زيادة عدد الجنود الأميركيين، وإقناع الرأي العام الأميركي بجدوى بقاء القوات الأميركية بالعراق. ووجهت هذه المعركة ضربة الى القوات البريطانية، وعرقلت انسحابها من العراق في هذا الربيع. فهي تدخلت لنجدة القوات العراقية النظامية ومؤازرتها على صد هجمات الميليشيا. ووجدت الحكومة البريطانية نفسها مضطرة الى ارجاء انسحاب قواتها، والى التضامن مع المالكي وبوش. فهي رهينة سمعة السياسيين والدفاع عنها. واشتد عود ميليشيا مقتدى الصدر في هذه الازمة، وازدادت قوتها. فهي لم تنسحب متراً واحداً من مناطق نفوذها، وأعلنت وقف اطلاق نار إلتزمه عناصرها. وأظهر الصدر قدرته على ضبط رجاله. وهم مجموعة من رجال العصابات والزعران العنيفين. ولم تخرج تفاصيل مفاوضات وقف القتال الى العلن. فعند إعلان وقف اطلاق النار، دعا الصدر حكومة المالكي الى وقف حملة اعتقالات مناصريه ببغداد، والى الإفراج عن المعتقلين منهم البالغ عددهم نحو ألفي معتقل. ولم يتبين بعد إذا وافقت الحكومة على تقديم هذه التنازلات في المفاوضات السرية التي سبقت وقف اطلاق النار. وقد يكون الصدر عرض على الحكومة ان ينقذ ماء وجهها، وأن يجنبها الظهور بمظهر المهزوم. وقد تندلع المعارك مجدداً في حال لم يلتزم المالكي وعوده. ولم يخرج الى العلن موقف إدارة بوش والجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الاميركية بالعراق، من تنازلات المالكي. ففي الاشهر الماضية، أيدت القوات الاميركية سعي حكومة المالكي و"المجلس الاسلامي الأعلى"الى تقويض نفوذ الصدر وميليشيته. وعلى خلاف تفسير الرئيس بوش معركة البصرة، وزعمه أنها خطوة على طريق بسط دولة سيدة سلطتها على الخارجين عن القانون، يؤجج دعم الولاياتالمتحدة حكومة المالكي و"المجلس الاسلامي الاعلى"نيران الحرب الاهلية الشيعية العراقية. ولا ريب في ان الهجوم على البصرة خطوة متهورة لم تحتسب النتائج. وأيد مسؤولون أميركيون مساعي حكومة المالكي الى القضاء على حركة الصدر، عوض حملها على مفاوضة الصدر وإشراكه في الحوار السياسي، اثر اعلانه تجميد أنشطة جيشه في الاشهر الماضية. عن جوناثان ستيل،"غارديان"البريطانية، 4/4/2008