في إحدى محاضرات مؤتمر برلين، جرى التطرق إلى الوضع في الشرق الأوسط والعالم العربي لكن من دون اعطاء معلومات كافية عن مرض الكبد ومرضاه، وكأن الشفافية غابت عن هذه المناطق التي تعج بملايين المرضى. وفُهِمَ أن غالبية طرق العلاج ما زالت قاصرة. ووسط هذا الإحباط على مستوى المعلومات، وجد الصحافيون العرب ضالتهم في دراسة جرى تداولها بين المتخصصين في المؤتمر عن الموقف في المملكة العربية السعودية في شأن سرطان الكبد. وتفيد الدراسة التي نشر جزء منها في دوريات طبية أخيراً، ان المملكة تشهد انتشاراً قوياً لمرض سرطان خلايا الكبد. وتظهر صعوبات في عملية التشخيص الدقيق والعلاج المبني على الأدلة والطريقة السليمة لتحويل المرضى. ولذا، جرى تكوين لجنة في مستشفى"جامعة الملك خالد"في الرياض من أيمن عبده، هدى عبد الكريم، وتركي الفهيد"الذين كتبوا المسودة الأولى لدليل محلي عن تشخيص الورم الخبيث في خلايا الكبد وعلاجه والوقاية منه. واستند الدليل الى اساليب الطب الوبائي في النظر الى سرطان الكبد وسبل تشخيصه وعلاجه. وبعد الحصول على الموافقة لهذا الدليل في المستشفى الجامعي ل?"جامعة الملك خالد"، تقرر استخدامه كأساس لمشروع دليل قومي في السعودية. وعمل ثلاثة اختصاصيين آخرين، وهم فيصل سناي ومنذر قباني وعبدالرحمن الجمعة، على تحديث هذه المستندات. وكذلك دُعي عدد من الخبراء يعملون في السعودية، من تخصّصات متصلة بعلاج سرطان الكبد، للمشاركة في المراجعة. ونقّح هؤلاء الخبراء الدليل وحدّثوه. وكذلك دُعيَ صحافيون الى حضور اجتماعات خُصّصت للبحث في الشكل النهائي للدليل. وقدم كيلي بوراك، وهو خبير دولي في سرطان خلايا الكبد، إقتراحات وتحسينات مفيدة، وبعد ذلك شكلت الجمعية السعودية لأمراض الجهاز الهضمي لجنة مراجعة للدليل والموافقة عليه ليكون"الدليل السعودي لتشخيص وعلاج سرطان الخلايا الكبدية". واعتمدت التوصيات على أساس أفضل الأدلة المتاحة ولكن تم تعديلها لتلائم المريض السعودي. واستفاد محررو الدليل من دليلين أوروبيين. يجمع الأول النتائج التي انتهى إليها مؤتمر"الجمعية الأوروبية لدراسة أمراض الكبد"الذي عقد في برشلونة في العام 2000. ويتمثّل الثاني في الدليل الذي صدر عن"الجمعية البريطانية لأمراض الجهاز الهضمي". وكذلك استفادوا من ملحق"مجلة أمراض الجهاز الهضمي"الصادر في تشرين الثاني نوفمبر 2004 والمخصص لهذا المرض والذي احتوى على مراجع عدة عنه، إضافة الى دليل صدر حديثاً من"الجمعية الأميركية لدراسة أمراض الكبد". ويهدف الدليل لتحسين الرعاية الموجهة لمريض سرطان خلايا الكبد ويسهل أداء الأبحاث المتميزة لهذه المشكلة الطبية المهمة. يمثل سرطان الكبد في السعودية نسبة 6.1 في المئة من الأورام التي يُجرى تشخيصها حديثاً، وذلك طبقاً لسجل مرضى السرطان بين عامي 1999-2000. وجاء سرطان خلايا الكبد في المرتبة الثانية بين السرطانات الأكثر انتشاراً بين الذكور السعوديين. وكذلك حلّ ثامناً في الأنواع الأكثر انتشاراً بين الإناث في المملكة. وبلغت نسبته العامة نحو 4.5 مريض لكل عشرة آلاف مواطن. وبلغت نسبة الذكور الى الإناث 100 ذكر لكل 279 أنثى. ويمثل سرطان خلايا الكبد في السعودية 87.6 في المئة من الأورام الخبيثة في الكبد. ويبلغ متوسط العمر عند تشخيص المرض 65 سنة للذكور، و 60 سنة للاناث. ولا تمثّل هذه النسبة مفاجأة سعودياً نظراً لإنتشار فيروسي الكبد"بي"و?"سي". كما أن المرضى الذين يعانون من تليّف الكبد، وخصوصاً المتصل بالاصابة بفيروسي"بي"و"سي"هم في خطر شديد للاصابة بذلك السرطان، ولذا يجب أن يكونوا هدف برنامج الفحص. وهناك حاجة لدراسات كبيرة لتحديد مظاهر الانتشار الوبائي لسرطان الخلايا الكبدية في السعودية. وفي ما يتعلق بالوقاية، نصح الدليل بضرورة دعم نظام التطعيم لجميع الأطفال في المملكة العربية السعودية ضد الإلتهاب الفيروسي"بي"منذ الولادة. وكذلك حضّ على تشجيع تطعيم المرضى المعرضين لخطورة أكبر ضد الإلتهاب نفسه. ويجب تفعيل التطعيم الوقائي لمن تعرضوا لحالات مرضى الإلتهاب الفيروسي"سي"بعمل تحليلي متخصص، ما يمكّن من الشروع بالعلاج المبكر لهذا المرض. ويجب الأخذ في الاعتبار العلاج بواسطة عنصر المناعة"انتيرفيرون"، مع أدوية أخرى، لحالات التهاب الكبد من نوع"سي"المصحوب بارتفاع أنزيمات الكبد. ونبّه أيضاً الى ضرورة علاج المرضى المصابين بتليف في الكبد ناجم من الاصابة بفيروس"بي"بالأدوية الملائمة، ما يساهم في تقليل نسبة الوفيات، إضافة الى تخفيض نسبة الاصابة بسرطان الخلايا الكبدية. ونصح باجراء مسح شامل مع فحص الكبد بالموجات الصوتية كل 6 أشهر بالنسبة لمرضى التليّف الكبدي. ولا يمكن التوصية في هذه المرحلة بعمل المسح الشامل لمرضى الالتهاب الفيروسي"بي"المزمن من دون تليف واضح للكبد. وفي المقابل، ينصح باجراء المسح لمجموعات معينة مثل المرضى فوق سن 40 سنة ممن لديهم تاريخ مرضي عائلي يشير إلى وجود حالات سرطان خلايا الكبد. وفي ما يتعلق بالبحوث، تحتاج المملكة العربية السعودية لدراسات موسّعة عن وبائيات سرطان خلايا الكبد، تشمل تحديد أنماط المرض وجوانبه السريرية وتركيبه وآليات عمله. ومن المطلوب أيضاً إجراء دراسات موسعة لتقويم جدوى برنامج المسح الشامل للمرضى المصابين بتليف الكبد كنتيجة للاصابة بالالتهاب الكبد الفيروسي"بي و"سي"، وتأثيره وتكلفته.