بعدما أصبح المرض الأكثر انتشاراً في البلاد، اجتمع في القاهرة قبل أيام وللمرة الأولى أكثر من 500 اختصاصي عالمي لمناقشة دواء يتوقع أن يصبح قريباً أول عقار لعلاج سرطان الكبد يؤخذ من طريق الفم. وتشير الأبحاث إلى أن الانتظام في اتباع العلاج الجديد يمنح المصابين بالنوع الأكثر شيوعاً من أورام الكبد، فرصة لإطالة أمد الصراع معه. وبيّن المؤتمر، الذي استعرض نتائج الأبحاث المشتركة بين مصر وأميركا التي استمرت سنوات، أن أهم عوامل الخطورة التي تؤدي للإصابة بسرطان الكبد مصرياً هي فيروسات الكبد من نوعي"ج"و"ب". وناقش دور عوامل أخرى مثل المواد الكيماوية، كالمبيدات الحشرية والأسمدة الصناعية ومادة"افلاتكسن"التي تتكون من نوع من الفطريات الضارة على الحبوب المخزنة بطريقة غير صحيحة. آمال معقودة على"سورافينيب" وأكد أستاذ الجهازالهضمي والكبد في كلية طب جامعة القاهرة الدكتور أشرف عمر أن البحث اثبت للمرة الأولى أن السجائر من العوامل المهمة لزيادة نسبة سرطان الكبد عند المرضى المصابين بأحد فيروسي الكبد. وأوضح عمر، الذي يتمتع بعضوية"الجمعية الأميركية للكبد"، أن الدراسة أشارت إلى زيادة سنوية في مرض سرطان الكبد كانت 4 في المئة عام 1993 وصارت 7.2 في المئة عام 2002. وتصل ذروة الإصابة عند الرجال في العقد الخامس فوق ال 52 سنة. وظهر في المؤتمر تفاؤل ملحوظ بدواء"سورافينيب"Sorafenib، الذي تصنعه شركة"باير"العالمية"والذي ثبت فاعليته في علاج ورم الكبد الخبيث من نوع"هيباتو سيلليولار كارسنوما" Hepatocellular Carcinoma. وقد وضعته السلطات الصحية في الاتحاد الأوروبي على قائمة"الطريق السريع"للموافقة، منذ 30 تشرين الأول اكتوبر من العام الفائت. والمعلوم أن هذا الدواء يستعمل أيضاً في علاج سرطان الكلى. وبتلك الصفة، نال موافقة مكتب الدواء في"المفوضية الأوروبية"و"مكتب الغذاء والدواء"FDA الأميركي. وانتشر في أسواق أكثر من 50 دولة. وأوضح رئيس"الاتحاد العالمي لدراسة أورام الكبد"الدكتور جمال عصمت ان"سورافينيب"يعطي الأمل بعلاج سرطان يمثّل 90 في المئة من حالات أورام الكبد الأولية الخبيثة بين البالغين، كما انه يمثل ثالث الأسباب المؤدية للوفاة بسبب السرطان. وبيّن أن نسبة بقاء المصابين به على قيد الحياة لا تتجاوز 5 سنوات. وأعلن ان عوامل الخطورة الرئيسة المؤدية الى سرطان الكبد، يتصدرها فيروسا"ب"و"سي"، وهما الأكثر انتشاراً مصرياً، إضافة الى عوامل أخرى مثل إدمان الكحول والبدانة والسكري وترسب الدهون في الكبد والتعرض للسموم الطبيعية فترة طويلة والتدخين. وأشار الى أن أورام الكبد الحميدة تصيب عادة الأشخاص بين عمر 20 و 50 سنة وتنتشر بصورة أكبر بين النساء. وتراوح نسبتها العامة بين 5 و10 في المئة من السكان. وأضاف أن الأورام الخبيثة تظهر في المصاب بالتهاب مزمن يصاحبه تليّف. وهي تنتشر في بلاد النيل، إذ بيّنت الاحصاءات أنها في المرتبة الثانية بعد سرطان الثدي. وكذلك تُعدّ ثالث الأورام الخبيثة المؤدية للوفاة، خصوصاً عند الرجال، بعد سرطاني المثانة والدم. وتصل نسبة الإصابة بالفيروس من نوع"ج"الى نحو 15 في المئة من السكان، ويصاحبها التليّف عند 20 في المئة من المصابين. ويرافق هذا الفيروس سرطان الكبد في 90 في المئة من الحالات في مصر. ونبّه عصمت إلى أن التهاب الكبد الفيروسي من نوع ب يصيب 4 في المئة من المصريين"لكن هذه النسبة في طريقها الى الانخفاض بعد تعميم اللقاح الواقي الذي يعطى راهناً لجميع الأطفال. ويُصاحب التليّف هذا الالتهاب الفيروسي في 30 في المئة من الحالات. ويبقى تناول المشروبات الكحولية من أهم أسباب أورام الكبد السرطانية عالمياً، ولكنه ليس سببا رئيسياً في مصر. خريطة صحية متكاملة وعن الموضوع نفسه، أشار أستاذ علاج الأورام في كلية الطب - جامعة القاهرة الدكتور ياسر عبد القادر إلى أهمية الاكتشاف المبكر للورم الخبيث، الذي يرفع نسبة نجاح العلاج الجراحي إلى 70 في المئة ويترجم ببقاء المريض حيّاً ل 5 سنوات وإلى 30 في المئة ل10 سنوات. ولخّص عبد القادر، وهو أيضاً عضو في"الجمعية الأوروبية للأورام"، المشكلة في أن 30 في المئة من حالات سرطان الكبد تصل الى الأطباء في مراحل مبكرة و50 في المئة تأتي في مراحل متقدمة و20 في المئة تصل في مراحل متأخرة. شدّد الدكتور أيمن عبده، عضو هيئة التدريس في كلية الطب جامعة الملك سعود في الرياض، على أهمية بناء خطط شاملة للوقاية من سرطان الكبد. وقال:"ان تليف الكبد لأي سبب يمكن أن يساهم في أورام الكبد السرطانية، والملاحظ أن هناك ارتفاعاً مستمراً في معدلات الإصابة بالمرض في مصر. ومن المتوقع استمرار هذه المعدلات في الزيادة خلال العقد المقبل". وأشار الى"مشكلة معقّدة تتمثل في أن الإصابة بأورام الكبد لا يسبقها أعراض إلا في المراحل المتقدمة من المرض". وأضاف:"تلعب الصدفة دوراً كبيراً في الاكتشاف عند خضوع المريض للتحاليل الدورية أو الأشعة فوق الصوتية... وفي بعض الأحيان يشعر المريض بالإرهاق العام وتناقص الوزن وفقدان الشهية... وقد لا يتنبه المريض للإصابة إلا مع تجمع سوائل البطن أو نزف من دوالي المرىء أوغيرها". وأعتبر عبده أن أفضل طريقة للوقاية من أورام الكبد هي منع مسببات المرض. ونصح مرضى التليف الكبدي ومرضى الالتهابات المزمنة في الكبد بفحص دوري. وأخيراً، بيّن أستاذ الأمراض الباطنية في جامعة برشلونة الدكتور جوردي بروي أن"العلاجات الموجهة تشكل طفرة في علاج سرطان خلايا الكبد، نظراً الى أن التطورالمرضي لسرطان خلايا الكبد معقد ويصاحبه نشاط زائد لمسارات أساسية لنقل الإشارات داخل الخلايا". وأفاد أن دواء"سورافينيب"يعمل على مجموعة من المسارات"التي ثبت أنها تتسبب في نمو الورم في مرض سرطان الكبد. وأعلن أن دراسة شملت 602 مريض بسرطان خلايا الكبد المتقدم تناولوا العلاج الجديد مرتين يومياً من طريق الفم، فتبيّن ان العلاج حقق هدفه مقارنة بالدواء الوهمي.