تسدل الستارة هذا المساء عن الدورة الأولى من مهرجان الخليج السينمائي بعد سبعة ايام من عروض رسمت ملامح سينما أبصرت النور عن طريق عملية قيصرية وسط تعثر من هنا وإخفاق من هناك. والأكيد أن أحداً لم يفاجأ بهشاشة الأفلام المعروضة في المسابقة أو اقترابها في كثير من الأحيان من الأعمال التلفزيونية أو حتى خلوها غالباً من أي لغة سينمائية. ومع هذا الأعذار جاهزة. فسينمائيو الخليج لم تطأ أقدامهم أرض الفن السابع الا أخيراً. وفي البدايات كل شيء مسموح. من هنا لم يكن غريباً خلو صالات العرض من المشاهدين على رغم ان العروض مجانية في صالتي"مسرح دبي الاجتماعي ومركز الفنون"وسينما"سيني ستار"في مول الإمارات، ما يضعنا امام السؤال القديم الجديد: ما الفائدة من قيام مهرجان سينمائي في بلد يفتقر الى الصناعة السينمائية؟ وكالعادة ينقسم كثر حول هذه النقطة. فبعضهم يرى ان هذه المهرجانات لا تتعدى الطابع الفولكلوري او الدعائي للبلد المضيف، ويتمنى لو صرفت الموازنات الكبيرة المخصصة لها على إنتاج أفلام سينمائيين شبان يبحثون عن تمويل. بينما يعلّق آخرون أمالاً كبيرة على مثل هذه النشاطات الثقافية، ويرون أنها كفيلة بإحداث ثورة بصرية في هذه البلدان، إن لم يكن على المستوى القريب، ففي السنوات المقبلة بفعل التراكم واكتناز الخبرات. برسم المستقبل انطلاقاً من المبدأ الثاني يجهد أهل مهرجان الخليج لإيجاد دينامية في الحركة السينمائية في المنطقة، ويقودهم للوصول الى هذا الهدف إيمان بأن"المهرجانات والجوائز أدوات مهمة لتشجيع الإبداع، سواء للمحترفين أو للطلاب أو للكتاب، ما يتماشى مع الهدف الرئيس لمهرجان الخليج السينمائي في تطوير الثقافة السينمائية في منطقة الخليج وايجاد المزيد من الفرص لصانعي الأفلام لعرض إبداعاتهم وأعمالهم ومواصلة إنتاج أفلامهم المستقبلية"، كما يقول مدير المهرجان الناقد الإماراتي مسعود أمرالله. وبالفعل يشكل المهرجان فسحة للسينمائيين في التعبير عن ذاتهم وإيصال إنتاجاتهم الى الجمهور العريض. كما يؤمن دعماً لهذه الأعمال من دون الوقوف عند مستوياتها الفنية. فالأهم في المرحلة الأولى هو ترسيخ الثقافة السينمائية في أذهان العامة في بلاد تفتقر الى أي تقاليد في هذا المجال، ثم تأتي الخطوة الثانية في المراحل المقبلة طواعية، فتفرز افلاماً جديرة بالمشاهدة، خصوصاً أن الإمكانات المادية متوافرة ولا ينقص الا تراكم الخبرات. وبنظرة الى أفلام المسابقة يمكن ملاحظة سقوط الأفلام الروائية الطويلة في مطب الاستسهال خلافاً للأفلام التسجيلية التي أتى بعضها ليوقظ المهرجان من سباته. ستة أفلام روائية طويلة لم تفاجئ أحداً. أو بكلام أدق: خمسة افلام طالما ان فيلم محمد الدراجي"أحلام"كانت له فرصة التجوال في أكثر من مهرجان قبل ان يحط في مهرجان الخليج، منها مهرجانا القاهرةودبي، ما يضع علامة استفهام حول اختياره في هذه المسابقة. وعلى رغم ان فيلم الافتتاح"أربع بنات"أثار"حشرية"كثر لمعرفة أسباب اختياره في واجهة المهرجان نظراً لضعف مستواه الفني، فإن الأيام التالية اتت لتبدد هذا الشعور، وتؤكد صوابية هذا الخيار. فالأفلام الباقية لا تفوقه شأناً، لا بل على العكس افتقدت في غالبيتها المضمون والجماليات في آن. أما"أربع بنات"فيحمل فكرة جريئة، إذ يلامس المخرج حسين عباس فيه الواقع من خلال تصويره انتشار البطالة بين صفوف الشباب البحريني، بتسليطه الضوء على أربع فتيات تجمعهن المصيبة ذاتها، فيقررن تأسيس مشروع خاص بهن، هو مغسلة للسيارات، متحدين العادات والتقاليد، ومحققات نجاحاً من هنا، ومواجهة من هناك. نجاح طالما ان الشبان سيسارعون الى مغسلة الصبايا. ومواجهة حين يستغل قريب إحداهن الدين من أجل تحقيق مآرب شخصية بالسيطرة على المغسلة التي كان يحلم بها منذ سنوات، فيحشد الجماهير ضد"الفاسقات"كما يسميهن، من دون الاستماع الى رأي شيخ القرية الذي لا يرى سوءاً في عملهن. وإذا كانت فكرة فيلم"أربع بنات"تشفع لمخرجه بعض الشيء، فإن لا شيء يشفع لمخرج الفيلم الكويتي"الدونجوانة"فيصل شمس المصري الجنسية. فلا اسم الفيلم موفق ولا الحبكة أو تطور الأحداث التي تصور قصة حب من طرف واحد بين رجل أعمال يدعى خالد وابنة عمه التي تقرر التخلي عنه لغيرته العمياء التي تدفعه الى أبشع التصرفات. وفي تلك اللحظة بالذات يدخل الشاب الوسيم صاحب السيارات الفخمة حياتها، فتقع في غرامه، لكن ابن العم لن يتنازل عن حبيبته بسهولة، لا بل سيكون لها بالمرصاد، ويبدد عليها فرحتها، فيخطفها، ويصطحبها الى الصحراء لتحفر قبرهما بيديها قبل ان يمنحها فرصة أخيرة تشترط توقيعها على وثيقة لن نكتشف مضمونها طوال الفيلم أو لماذا انقلبت حال البطلة بعدها في شكل مثير للحيرة. والمفارقة أن المخرج حين يسأل عن مضمون هذه الورقة يشير الى انه ليس أساسياً على رغم ان الفيلم كله بني عليها. أما حين تسأله عن عنوان الفيلم الذي يبدو بعيداً من السياق، فيكتفي بالقول:"لا أعرف... لم أختره بنفسي"، ما يضعنا امام هاوٍ إن لم نقل دخيل على الفن السابع. رعب... مضحك صبغة افلام الهواة حاضرة أيضاً في فيلم"القرية المنسية"للفلسطيني عبدالله أبو طالب المولود في السعودية. فهذا العمل، على رغم انه أراد لنفسه أن ينتمي الى فئة أفلام الرعب، إلا انه ضل الطريق وحقق مفعولاً عكسياً، فأضحك جمهور الصالة طويلاً، كما لم يفعل اي فيلم كوميدي، ما دفع أحدهم الى التعليق قائلاً: لو اراد المخرج أن يصنع فيلماً كوميدياً لما وفق الى هذا الحد. وطبعاً نعرف خطورة ولوج عالم أفلام الرعب المحفوف بالأشواك. وواضح أن المخرج حين قرر اقتحام هذا العالم لم يدرك حجم المخاطرة التي وضع نفسه فيها. ففي أفلام كهذه يجد المرء نفسه قاب قوسين من السقوط، كونها تحتاج الى باع طويلة في عالم السينما. أما أن يأتي مخرج مبتدئ ليحقق عملاً من هذا النوع، فالنتيجة حتماً لن تكون مرضية، علماً أنه يتوقع لهذا العمل ان يجذب الجمهور لمشاهدته، لا للرعب الذي يحتويه إنما للضحك غير المقصود طبعاً. الكوميديا هذه المرة أساس فيلم"صباح الليل"للمخرج السوري مأمون البني صاحب الرصيد في عالم التلفزيون، ما يفسر شعور كثر انهم امام عمل تلفزيوني لا عمل سينمائي. الفيلم المأخوذ عن قصة وسيناريو راشد الشمراني الذي يجسد الشخصية الرئيسة ببراعة، وتدور قصته حول سائق شاحنة يسافر في الزمن الى ثلاث حقب مهمة في تاريخ العالم العربي، ليغير مجرى الأحداث نحو الأفضل، غامزاً من قناة العرب الذين يتقاتلون على أسباب واهية. المرحلة الأولى تعود الى حادثة"البسوس"التي أدت الى حرب طويلة بعد إشكال حول ناقة، بينما تسلط المرحلة الثانية الضوء على حرب"داحس والغبراء"والنزاع على نزاهة سباق للخيول، وتقف المرحلة الثالثة عند عتبة الخلاف بين عمرو بن كلثوم وعمر بن هند. وفي النهاية يعرّج المخرج على حرب أكثر حداثة، كانت الأضعف في الفيلم، خصوصاً لناحية"الغرافيكس"المستخدمة للطائرات الحربية والقذائف التي بدت وكأنها طالعة من لعبة فيديو للأطفال، قبل ان تسدل الستارة بمشهد مقحم ليقول ان الأمل في جيل الشباب. وإذا كانت السعودية لم توفق تماماً في فيلميها الروائيين، فإن الأفلام التسجيلية تقول كلاماً آخر، على رغم حديث أبطالها بالإنكليزية وغياب الترجمة العربية عنها. الفيلمان يدوران حول أميركا والسعودية، ولكن بينما ينطق الأول"السعوديون في أمريكا"بلسان الناس في الشارع، يتخذ الثاني"ما وراء الرمال"لنفسه صفة رسمية. في الأول ينطلق المخرج السعودي الشاب فهمي فرحات من عالمه الصغير عائلته ليعبّر عن شريحة واسعة من السعوديين الذين يعيشون في اميركا، فيحاول ان يكتشف تأثيرات أحداث 11 أيلول سبتمبر على حياتهم في بلاد العم سام، مجيباً عن أسئلة شغلت في تلك الفترة الأميركيين: من هم السعوديون؟ ماذا يفعلون في اميركا؟ هل يكرهونها؟ هل يقفون في صف بن لادن؟ ما رأيهم بأحداث 11 أيلول؟ وهل فعلاً يضطهدون نساءهم؟ وانطلاقاً من هذه الأسئلة يقف المخرج عند رأي والديه وشقيقاته الذين شكلوا له دعماً كبيراً بمواقفهم الصريحة وارتياحهم أمام الكاميرا. كما ينبش آراء أصدقائه السعوديين، ويوقف أميركيين على الطريق لمعرفة انطباعاتهم من دون أن يتفوه امامهم بأنه عربي، ليفاجئهم بذلك في نهاية الحوار. وإضافة الى توفق المخرج بشخصيات فيلمه، فإنه نجح أيضاً في عملية التقطيع، وأيضاً في الإيقاع الذي أتى سلساً بحيث تمرّ الستون دقيقة مدة الفيلم من دون أن يشعر الجمهور بوطأتها. جسور بين الشعوب أما فيلم"ما وراء الرمال"فتكمن أهميته في كونه يحمل توقيع امرأة سعودية هي المخرجة الشابة نور الدباغ. في هذا الفيلم تصوّر المخرجة رحلة طلاب أميركيين من جامعة هارفرد الى المملكة العربية السعودية التي يزورونها للمرة الأولى محملين بأفكار مسبقة سرعان ما ستتبدد في الأيام العشرة التي يقضونها هناك، ويتعرفون فيها الى شخصيات رسمية كثيرة لفهم الواقع في السعودية. ولعل ما يعيب هذا الفيلم على رغم الرسالة الهادفة التي يتضمنها والتي تتمثل في فتح الجسور بين الشعوب، هو كونه لم ينظر الى البسطاء والناس العاديين في الشارع، مكتفياً بالشخصيات البارزة، ما أوقعه في فخ الدعاية. ولا تقتصر الأفلام التسجيلية اللافتة على السعودية، إنما تطل أفلام من العراق حازت إعجاب الجمهور، لملامستها أوضاع الإنسان في هذه المنطقة المنكوبة من العالم. "يوم في سجن الكاظمية للنساء"للمخرج عدي صالح استحق التصفيق بعدما حقق سابقة بدخوله الى سجن للنساء في العالم العربي، لمعرفة ما آلت إليه أحوال"نزلائه"، من خلال سبر أغوار النفس البشرية. الامر ذاته يمكن ان يقال بالنسبة الى فيلم"ليالي هبوط الغجر"للمخرج هادي ماهود الذي آثر تسليط الضوء على طبقة مهمشة من المجتمع العراقي: غجر الجنوب الذين غالباً ما ينظر إليهم وكأنهم من كوكب آخر، ولكن في هذا الفيلم أخرجهم المخرج من قفص الاتهام ومنحهم إنسانيتهم. طبعاً لا مجال هنا للحديث عن كل الأفلام التي شاركت في المهرجان، ولكن لا بد من الإشارة الى ان الرابح الأكبر هو السينما الخليجية التي صارت لها آفاق واسعة من خلال هذا النشاط الذي ستتكرس أهميته في السنوات المقبلة. على هامش المهرجان محمد الدراجي صاحب فيلم "أحلام" العراقي يسحب فيلمه الوثائقي "حرب، حب، رب وجنون" من المسابقة مفضلاً ان يكون عرضه الأول"بين أفلام أكثر نضجاً"بحسب ما نقل عنه. نظمت إدارة المهرجان لضيوفها زيارة ميدانية الى مدينة دبي للاستوديوات للتعرف الى هذا المشروع. رداءة الصوت والصورة طغت على ايام المهرجان الأولى. خلا المهرجان من مظاهر البهرجة والضوضاء التي تطغى على مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يتفرع منه هذا المهرجان. نسبة مشاركة الجمهور العادي في المهرجان كانت متواضعة جداً. مخرج الفيلم السعودي"صباح الليل"سوري الجنسية، ومخرج الفيلم الكويتي"الدونجوانة"مصري، بينما مخرج الفيلم السعودي"القرية المنسية"فلسطيني الأصل.