في 2007، كان مدار المناقشات الأميركية على النزاع في العراق، وتطوير نظام الدفاع الأميركي، واستئناف برنامج أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، وتطوير السياسة العسكرية الفضائية وإنشاء نظام قيادة إقليمية جديدة بإفريقيا. وحمل غرق القوات الأميركية في المشكلات العراقية، وشن"طالبان"حملة تمرد بأفغانستان، الخبراء الأميركيين على ملاحظة ان الأفكار العسكرية الموروثة من التسعينات هي مجموعة مفاهيم تقنية بائتة، وضعيفة الصلة بثقافة النزاعات المعاصرة. وفي العامين الماضيين، بذلت الجيوش الأميركية، أي جيش الپ"يو اس"الولاياتالمتحدة، وقوات المارينز، وسلاح الجو، وسلاح البحرية، جهوداً كبيرة في ادراج الحرب على المتمردين في عقائدهم العسكرية. ولا يزال دور سلاح الجو الأميركي غامض المعالم في الهجوم على حركات التمرد. فالجهاز العسكري لم يعدّ العدة لمواجهة"الحروب الفرعية"، وحروب المتمردين. وهو في حاجة ماسة الى اعادة النظر في الدور المناط به لحماية القوات البرية، وتعزيز قدراته الاستخباراتية لتحديد مواقع الأهداف الصغيرة المتنقلة. وفي شتاء 2006، أصدر الجيش الأميركي وقوات المارينز كتاب إرشاد عسكرياً وحقلياً وسم بپ"مواجهة المتمردين"أو الرد عليهم. ولم تفرد سوى صفحات قليلة، أضيفت الى ملحق صغير بالكتاب تتناول دور سلاح الجو. وتنفق مراكز الأبحاث الاستراتيجية المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية، على غرار"راند كوربوريشن"وپ"انستيتوت أو دفانس أناليسس"، موازنتها على أبحاث تدرس سبلاً تقنية لرصد متفجرات يدوية الصنع. ومسألة نظام الدفاع الصاروخي ميسيل ديفانس أبصرت النور إثر هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر. وهذه أظهرت انكشاف الأراضي الأميركية الأمني. وكانت فكرة إنشاء نظام دفاع صاروخي يحمي بلداً ما من هجمات صاروخية عوض نظام الدفاع الصاروخي الخاص المستعمل الى وقت قريب بميادين القتال، تطعن في مكانة الردع النووي المتقدمة في منظومات الأمن. فالسلطات الأميركية ترى أن اللجوء الى قوة الردع غير ناجعة في مواجهة قوى غير نظامية، ولا تنزل مكاناً معيناً، ولا تقيم وزناً لتهديدات الرد الاستراتيجي على هجماتها. ويبدو أن نظام الدفاع الصاروخي هو الأمثل في مواجهة بين"القوي والمجنون"، أي بين دولة عقلانية، وقوة غير حكومية. ووضعت أسس نظام ردع مضبوط/ أو مكيف ومتدرج، وسم بپ"تايلورد ديفنس"، وأُسند الى ثالوث أنظمة هجومية نووية وتقليدية، وأنظمة الدفاع بنوعيها الإيجابي والسلبي، والبنية التحتية الرادة والفعالة، عوض ثالوث الردع التقليدي، أي الصواريخ الباليستية العابرة القارات والقاذفات الاستراتيجية والغواصات الحربية. وتمحو عناصر نظام الردع المضبوط الفروق بين السلاح النووي التكتيكي وبين السلاح النووي الاستراتيجي. وقد تستخدم أنظمة الأسلحة النووية في إعداد ضربات استراتيجية أو عمليات عسكرية في ميدان المعركة. وثمة عقبات سياسية تعيق تطور نظام الدرع المضادة للصواريخ ومنظومة الأسلحة النووية. فعلى سبيل المثال، يعارض الكونغرس تمويل مشروع تطوير منظومة الأسلحة النووية، ويطعن في جدواه. وهو قلص موازنة هذا المشروع من 89 مليون دولار الى 45 مليون دولار. وإذا فاز ديموقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة فلن تعدل إدارته عن سياسة الادارة السابقة، ويرجح أن تمول برنامج أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ. فثمة إجماع سياسي على أهمية هذا البرنامج الاستراتيجية. ولا شك في ان انشاء الپ"أفريكن كومند"القيادة الافريقية، في كانون الاول ديسمبر 2006، هو قرينة على سعي البنتاغون الى اعداد قيادة إقليمية سادسة تعنى بشؤون القارة الافريقية، وتنذر بانتقال السياسة الاستراتيجية الأميركية بإفريقيا من مرحلة إدارة الأزمات، واستراتيجيات الرد على المخاطر، الى مرحلة استراتيجية استباق نشوء النزاعات. فالقيادة الجديدة تيسر رعاية المصالح الأميركية بإفريقيا، وتسهر على حماية مصادر الطاقة، ودوام الحرب على الإرهاب. وبحسب تقرير صادر عن الپ"أن أس أس"جهاز الامن القومي الاستراتيجي، في 2006، تواجه الولاياتالمتحدة تهديدات كبيرة في الدول الفاشلة والضعيفة. ويسهم الافتقار الى"حكومات مسؤولة"، في عدد من البلدان الآسيوية والأفريقية، في نشوء تنظيمات أهلية تهرب المخدرات، وتنفذ أعمالاً إرهابية وأنشطة غير شرعية. وقد تتحول منطقة القرن الأفريقي ومنطقة الساحل بؤراً سائبة يلجأ اليها الإرهابيون، بحسب خبراء أميركيون في التخطيط الاستراتيجي. وعلى الولاياتالمتحدة مساعدة الدول النامية على إرساء الحكم السديد الذي يرعى مصالح الشعب، وحاجاته ويرفع القيود عن الاقتصاد. وثمة جوانب غير عسكرية ودفاعية تحدو أميركا على الالتفات الى أفريقيا. ففي العقد الآتي، يتوقع أن تتعاظم نسبة استيراد الولاياتالمتحدة الطاقة من هذه القارة، وخصوصاً من نيجيريا والجزائر وأنغولا، وأن تبلغ هذه النسبة 25 في المئة من جملة الواردات الأميركية. وتواجه أميركا منافسة صينية على النفط الافريقي. ولا يقتصر نشاط بكين في أفريقيا على استيراد الطاقة، بل يتعداه الى إطلاق مبادرات تجارية ضخمة. وتنتهج بكين سياسة لا تلتزم معايير قانونية وأدبية بأفريقيا. فهي لا تتوانى عن توسل أساليب تجارية تشجع الفساد، وعن التعاون مع السودان وزيمبابوي، وغيرهما من الدول التي يدعو المجتمع الدولي الى مراقبتهما. عن فرانسوا رافين وجان - لو سمعان،"بوليتيك ايترانجير"الفرنسية، خريف 2007