يجمع غالبية الخبراء الروس على أن نظام الدفاع الصاروخي الذي تطوره الولاياتالمتحدة لا يشكل حاليا تهديدا لقدرات الردع النووي لموسكو، انما ستكون له نتائج سلبية عديدة في المدى البعيد. وكشفت المناقشات لخبراء ومسؤولين أوروبيين وروس وأميركيين في مؤتمر مغلق عقد أخيراً في موسكو أن الردع النووي المتبادل لا يزال سيد الموقف بين واشنطنوموسكو على رغم انتهاء الحرب الباردة وتحسن العلاقات بينهما. كما كشفت المناقشات عمق الهوة بين روسيا وأميركا مما يعرض مستقبل اتفاقات لتخفيض الترسانات العسكرية، التقليدية وغير التقليدية، لدى الطرفين، واطلاق سباق تسلح جديد يهدد مستقبل الأمن الدولي. وتركز الحديث حول النظام المضاد للصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى أو العابرة للقارات الذي يهدف لإبعاد التهديد الاستراتيجي الروسي. وحسب تقييم الخبراء الروس فان نظام الدفاع الصاروخي بوضعه اليوم لا يزال محدود الفاعلية، اذ أنه يقتصر على عدد قليل من الصواريخ البعيدة المدى والمعدة لاعتراض صواريخ باليستية في منتصف الطريق أي في الفضاء الخارجي. ولا يتعدى عدد هذه الصواريخ اليوم السبعة عشر وهي موزعة على قاعدتين، الأولى في كاليفورنيا والثانية في آلاسكا. وتدير هذه الصواريخ شبكة من الرادارات وأنظمة التوجيه والرصد منتشرة على قواعد أرضية وبحرية وجوية وفي الفضاء الخارجي. وتوجد القواعد البرية في ولايتي كاليفورنيا وآلاسكا بالاضافة الى بريطانيا. وما يثير قلق روسيا اليوم هو أن واشنطن تسعى لتوسيع دائرة تغطية هذا النظام على حدودها عبر انشاء قاعدة رادار للإنذار المبكر في جمهورية تشيكيا وانشاء قاعدة صواريخ أرضية في بولندا. وحسب خبير روسي رفض الكشف عن اسمه"فإن روسيا لا تخشى هذا النظام بوضعه الحالي وانما هي قلقة ومنزعجة من التصرفات الأحادية الجانب من قبل واشنطن التي لا تأخذ في الاعتبار رأي موسكو ومخاوفها". ويضيف أن عدد الصواريخ الحالية لا يكفي لصد أكثر من صاروخين روسيين من طراز"توبول - أم"العابر للقارات الذي يحمل عشرة رؤوس نووية. وقلل الخبراء الروس من أهمية دعوة واشنطنروسيا للمشاركة في تطوير نظام الدفاع الصاروخي كون هذه الدعوة تنحصر فقط في السماح للطرف الروسي بزيارة المواقع الأميركية من دون مشاركته التكنولوجيا أو اطلاعه على طريقة عملها. ويرفض الخبراء الروس مزاعم واشنطن بأن هذا النظام يهدف لحماية أراضيها من خطر الصواريخ الباليستية من جانب ايران، خصوصاً أن برنامج الصواريخ الباليستية الايراني لا يزال بعيداً جداً عن انتاج صاروخ يهدد الأراضي الأميركية أو مصالح أميركا في غرب أوروبا. الا أن ما يقلق موسكو هو النواحي غير المكشوفة في برنامج الدفاع الصاروخي الأميركي، لا سيما قدرات الأخيرة على اعتراض الصواريخ وهي في أولى مراحل انطلاقها من منصاتها البرية أو البحرية من الجو بواسطة قصف بشعاع اللايزر. ولقد دخلت هذه الخدمة أخيراً طائرة طورتها شركة"بوينغ"من طراز"أي بي ال"مجهزة بنظام اللايزر. كما أن موسكو تجهل مكونات نظام الدفاع الصاروخي من وسائل رصد ومنصات اطلاق وتوجيه، نشرتها أميركا أو تقوم بنشرها اليوم في الفضاء الخارجي بواسطة أقمار اصطناعية. وتطور أميركا اليوم أنواعاً جديدة من الصواريخ المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية البعيدة المدى قد تدخل الخدمة خلال عقد من الزمن، مما يزيد من قلق روسيا ويدفع المسؤولين فيها لاتخاذ خطوات مضادة مثل تحسين نوعية صواريخهم الباليستية وزيادة عددها. ويقدر"معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي"والمعروف باسم"سيبري"عدد الصواريخ العابرة للقارات أو البعيدة والمتوسطة المدى العاملة في الترسانة النووية الأميركية بحوالي 4500 في حين تملك روسيا 3300 صاروخ. ولا يشمل هذا العدد آلاف الصواريخ والقذائف القصيرة المدى لدى الطرفين والمزودة برؤوس نووية تكتيكية. ويشير المعهد في دراسة أخيرة له الى ان ترسانة الصواريخ لدى الطرفين تتراجع أفقياً في العدد الا أنها تتقدم عامودياً في النوعية. أي أن الصاروخ الجديد البعيد المدى ورأسه النووي يوازي قوة حوالي عشرة صواريخ من الطراز القديم. وتستنتج دراسة المعهد أن ترسانة السلاح النووي الاستراتيجي في كل من أميركا وروسيا هي اليوم أقل عدداً ولكنها أقوى بكثير. ويجمع العديد من المراقبين على أن نشر أميركا نظام دفاع صاروخياً يهدد الأمن الدولي انطلاقا من كلام للرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون أكد فيه"أن وجود الدرع يشجع على استخدام السيف"، مما دفعه حينها للموافقة على معاهدة منع انشاء أنظمة دفاع مضادة للصواريخ الباليستية البعيدة المدى، التي ألغتها ادارة الرئيس جورج بوش الابن من طرف واحد قبل بضع سنوات. * باحث في الشؤون الاستراتيجية