أقفلت الأكاديمية السويدية المكلفة توزيع جائزة نوبل للآداب، عشية التحضير لتسليم الجائزة بداية الشهر المقبل الى الكاتب نايبول، باب التكهنات حول الأسماء التي كانت رشحت للحصول على جائزة نوبل في الفترة الممتدة بين 1901 و1950 عبر نشرها كتابين يضمان كل الأسماء التي بلغت مرحلة التصفيات في النصف الأول من القرن الماضي. يأتي نشر تلك الأسماء التي بقيت طويلاً طي الكتمان والتكهنات في سياق القرار التاريخي الذي اتخذته الأكاديمية السويدية اخيراً في رفع السرية التامة عن كل الوثائق الموجودة في أرشيف لجنة نوبل والتي مر عليها خمسون عاماً كهدية تقدمها الأكاديمية الى "الجمهور" غداة احتفالها بالمئوية الأولى لتوزيع الجائزة. يشرح سكرتير الأكاديمية السويدية الحالي، هو راس انغدال انه "بالتأكيد لو أعيد طرح تلك الأسماء التي حصلت على الجائزة في النصف الأول من القرن الماضي لحصل تغيير كبير وكانت الجائزة اعطيت لكتاب غير هؤلاء". ويشير الى أن كثيراً من الأسماء كانت لتسقط من اللائحة النهائية، وأخرى لم تفز في ذلك الوقت وكانت ستفوز لو طرحت في زمننا الحالي. حاولت الأكاديمية السويدية التي أوكلت إليها مهمة توزيع الجائزة سنة 1900 ان تسلك وفق وصية العالم السويدي ألفرد نوبل التي كتبها في 27 تشرين الثاني نوفمبر 1895 في العاصمة الفرنسية باريس. ونجحت الأكاديميات السويدية عبر مئة عام في تلبية وصايا نوبل، على أن كل اكاديمية كانت تترجم تلك الوصية على طريقتها انطلاقاً من الظروف الأدبية واللغوية السائدة في حينها. لذا حصل تنوع في ترجمة تلك الوصية المبنية على مبدأ اساس وهو "منحها للشخص الذي يقدم افضل عمل للبشرية" حسبما اراد نوبل. لذا يمكن ان يعتبر ادباء اليوم ان القرارات السابقة لا ترتقي الى مستوى وصية نوبل، وهذا ما يؤكد ان ادباء الأمس كانوا سيقولون الشيء نفسه عن قرارات اليوم. تكشف الأكاديمية السويدية في اللائحتين اللتين اصدرتهما اخيراً انها وافقت على 1256 أديباً من دول العالم ناقشتهم على امتداد النصف الأول من القرن الماضي. وبعد الاطلاع على تلك الأسماء التي ينتمي معظمها الى اوروبا، يبرز العالم العربي ثلاث مرات فقط على مدار خمسين عاماً من خلال اديبين: الروائي المصري الشهير طه حسين، واسم آخر قد يكون مجهولاً في الأوساط العربية وهو الشاعر العربي عزيز ضومط 1890- 1943. وتكشف الأكاديمية للمرة الأولى ان طرح اسم الشاعر العربي عزيز ضومط حصل قبل طه حسين وناقشته اللجنة سنة 1936. وكان الشاعر عزيز ضومط بين 28 أديباً اختارتهم الأكاديمية السويدية في ذلك العام. ولكن عزيز ضومط الذي رشحه استاذ اللغة العربية في الجامعة الأميركية في بيروت ج.أ. خوري. إلا ان اسم ضومط لم يحظ بأصوات اللجنة السويدية، على رغم بلوغه مرحلة التصفيات. فأعمال هذا الشاعر كانت بمعظمها لا تزال في مرحلة التحضير أي مطبوعة بالآلة الكاتبة ما عدا بعض المنشورات القليلة. ولعل اللغة المعتمدة في تلك الأعمال هي الألمانية. احتل اسم عزيز ضومط المرتبة الأولى في اللائحة التي ضمت 28 عالماً وأديباً من كل بقاع الأرض، وورد فيها اسم العالم سيغموند فرويد الذي احتل المرتبة 16 في اللائحة ولكنه رُفض ايضاً. وورد اسم الأديب الفرنسي بول فاليري الذي احتل اسمه المرتبة 8 ولكنه لم يحظ بثقة الأكاديمية السويدية هو ايضاً. وإذا كانت الأكاديمية السويدية رفضت اسم الشاعر عزيز ضومط، فلأن اعماله كانت لا تزال مخطوطة ولأن معظمها مكتوب باللغة الألمانية. كما انها لم تكتف برفض اسم فرويد بل قالت عنه: "من الصعب الوقوف عند اعماله العلمية بطريقة نقدية. تنبع اهمية اعمال فرويد من القيمة التحليلية للأمراض النفسية ومعالجتها مثل الهستيريا وأمراض النفس والأعصاب التي توصل إليها والتي يمارسها هو وعدد كبير من طلابه. لا يمكن ان يقوّم صلاحية تلك الأعمال سوى خبراء الطب وحدهم. اما في ما يتعلق بنظرياته فمن السهل اكتشاف وضوحها وسهولتها من خلال العملية الديالكتيكية التي يطرحها". هكذا مهدت الأكاديمية في شرحها لرفض اسم فرويد الذي اشادت به بداية ولكنها هاجمته عند تطرقها الى نظريته الجنسية وتفسيره للأحلام، وتشرح: "من الواضح ان هناك مرضاً نفسياً وخيالاً أعوج مسيطراً على فرويد شخصياً اكثر مما هو مسيطر على مرضاه". وتتابع الأكاديمية ان اعمال فرويد تنقصها الصيغة الأدبية التي تفترضها شروط الجائزة لذا رفضت الأكاديمية اسم العالم فرويد وذهبت جائزة سنة 1936 الى الكاتب الأميركي اوجين اونيل". الأمر الآخر الذي بات معروفاً هو ترشيح الكاتب المصري طه حسين. لكنّ الجديد الآن ان اسم طه حسين طرح مرتين، في 1949 و1950 ولكنه طبعاً لم يحصل على الجائزة في اي من السنتين. في المرة الأولى طرح اسمه رئيس اكاديمية الملك فؤاد الأول في القاهرة الكاتب احمد لطفي السعيد. وتشرح الأكاديمية السويدية انه "حسبما أفاد الخبير فإن الكاتب طه حسين يحتل مرتبة متقدمة في ادب بلاده وفي الأدب العربي والإسلامي عموماً، لذا يستحق ان يُدرس بجدية. لكنّ الأكاديمية لم تحصل إلا على القليل من اعمال طه حسين مترجمة الى الفرنسية والإنكليزية. لذا لم يمكن الأكاديمية ان تنطلق من تلك الأعمال المترجمة التي قد تكون في اوروبا وفي طليعتهم رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل الذي رفض خوفاً من ان يترجم قرار الأكاديمية بأنه سياسي لمصلحة الحلفاء ضد المانيا وفاز بها وقتذاك الكاتب الأميركي وليم فوكنر. ثم اعيد طرح اسم الكاتب طه حسين مرة اخرى سنة 1950 ولكن هذه المرة كانت اصعب من قبل، خصوصاً انه بلغ المرحلة النهائية مع 54 أديباً من بينهم الكاتب الفرنسي ألبير كامو، وكذلك رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، والكاتب الأميركي ارنست همنغواي. طرح اسم طه حسين آنذاك البروفسور الفرنسي المتخصص في تاريخ الأدب في جامعة القاهرة برنار غيون. وقالت الأكاديمية انه "من خلال ترجمة فرنسية لروايته الجديدة "دعاء الكروان" حصلت الأكاديمية على فرصة قيمة لدراسة تجربة أدب الكاتب المصري، ولكنها لم تبلغ مستوى جمالية اعماله المترجمة من قبل، ولذا لم يجد اعضاء الأكاديمية امكان منحه الجائزة". وذهبت الجائزة في ذلك العام الى الكاتب البريطاني برتراند رسل. وما يجدر ذكره، ان رئيس وزراء بريطانيا السابق ونستون تشرشل حصل على الجائزة سنة 1953 تقديراً لخطاباته السياسية التي كان يلقيها ابان الحرب الثانية. إنها المرة الأولى إذاً، تصدر الأكاديمية السويدية لوائح رسمية لأسماء ادباء بلغوا مرحلة التصفيات النهائية، وقد ارتفعت وتيرة المحاولات الأدبية اخيراً من اجل ولوج كواليس الأكاديمية السويدية للحصول على القليل من الأسرار. وتمكن اخيراً الكاتب السويدي، عضو اكاديمية نوبل شل اسبمارك من الحصول على معلومات مهمة نشرها في كتاب صدر اخيراً في العاصمة استوكهولم شرح فيه كيف تمت عملية ابعاد اسماء أدباء عالميين امثال ليون تولستوي وهنريك ايبسن وفرانز كافكا وأوغست ستريندبرغ بسبب قراءة خاطئة لوصية الفرد نوبل. وكشف في كتابه كيف كانت تتم مناقشة الأسماء الأدبية وعملية التصويت عليها وتسييسها. وهو يكشف عن محاولة تطبيع بين الأدباء العرب والإسرائيليين. ويصفها اسبمارك بأنها سياسة "عادلة" استخدمتها الأكاديمية، ومنها وقيعة حصلت سنة 1994 عندما "اقترح قائد سابق لحزب سويدي كبير، على الكاتب المصري يوسف ادريس انه يمكن اعطاؤه جائزة نوبل للأدب إذا وافق ان يتقاسمها مع كاتب إسرائيلي". وأصبح معروفاً ان الشاعر العربي ادونيس طرح اسمه مرات عدة، ويكشف اسبمارك ان الكاتب محفوظ "تبارز" مع الشاعر العربي ادونيس على جائزة نوبل. ومن الذين رشحوا ادونيس الى الجائزة سنة 1986 عضو الأكاديمية السويدية ارتر ليندكفيست الذي اكد ذلك وقال في مقابلة صحافية نشرت في جريدة "يوتبوريس بوستن" "أنا رشحت كاتباً عربياً آخر هو ادونيس". ويشرح اسبمارك ان الأكاديمية التي وقعت بين اختيار الرائد الكبير في الفن الروائي وبين مجدد الشعر العربي، اختارت الملحمي الأول لاعتقادها ان ادونيس كان أصغر سناً في الأدب العربي. ولكن ليندكفيست صوّت لأدونيس لأنه وجد فيه مواصفات الشاعر النادر والمبتكر. ولكن عندما حصل التصويت كانت "هناك شروط اضافية ومنها ان يكون رائداً في الأدب وأن يكون كذلك مستشرفاً عملياً". ويشرح اسبمارك ان محفوظ كان "شخصية كبيرة معروفة في العالم، خصوصاً أن العشرات من رواياته ترجمت الى لغات عدة من بينها الإنكليزية والفرنسية". وتسربت معلومات هذا العام ان الكاتب نايبول فاز بصوتين على ادونيس وكان اسم ادونيس مطروحاً بقوة. وأعرب نقاد سويديون عن استيائهم من عدم اعطاء ادونيس جائزة العام ووجدوا فيه فرصة نادرة لأن تثبت الأكاديمية عدم انحيازها ضد المجتمعين العربي والاسلامي.