يعم التشاؤم الأوساط السياسية اللبنانية، في الأكثرية والمعارضة، في إمكان نجاح الجهود العربية في التوصل الى مخرج لأزمة الفراغ الرئاسي والخلاف بين الجانبين على حصص التمثيل في حكومة الوحدة الوطنية، قبل عقد القمة العربية المقررة آخر الشهر الجاري في دمشق، خصوصاً ان الخلافات العربية تفاقمت أكثر بدلاً من ان تتم معالجتها، في ظل المزيد من التعقيدات على الصعيد الإقليمي، لا سيما المجزرة اليومية التي يتعرض لها قطاع غزة. وتشترك مصادر قيادية في الفريقين في الاعتقاد بإذا كان الأمل ضعيفاً بالتوصل الى معالجات للخلافات العربية حول لبنان، تنقذ القمة من الفشل، وتؤدي بالنتيجة الى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فإن هذا الأمل بات أضعف بعد ان برز الخلاف واضحاً بين الموقف السعودي - المصري الداعي الى حل أزمة الفراغ الرئاسي شرطاً لحضور القمة العربية مع دول عربية أخرى قد تتضامن معه، وبين الموقف السوري الرافض الرابط بين عقد القمة والحل في لبنان، وهو ما عكسته تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم اثناء زيارة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى دمشق أول من امس. ويلاحظ عدد من المراقبين ان الجانب السوري لم يعد يجد حرجاً في التعاطي مع الوضع اللبناني على اساس ان الأزمة مستمرة الى ما بعد موعد القمة. فالوزير المعلم كان يقول في السابق انه سيكون هناك رئيس للبنان قبل القمة العربية، فيما بات الآن يقول ان التطورات الدموية غير المسبوقة في غزة، والإعلان عن مجيء المدمرة الأميركية"يو إس إس كول"أخطر من الأزمة في لبنان، مشيراً بذلك الى أولوية هذين التطورين على الوضع اللبناني، وموحياً بتمديد الفراغ الرئاسي، مقابل إصرار السعودية ومصر على ملء هذا الفراغ. ويغلب الاعتقاد لدى المسؤولين الحكوميين اللبنانيين بأن موضوع غزة، بفعل التطورات الدموية فيه سيطغى على ما عداه خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد الاربعاء المقبل في القاهرة على رغم ان الموضوع اللبناني سيكون حاضراً ايضاً. ويقول رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري الذي يؤكد امام زواره ان الخلافات العربية، جعلت الحلول في لبنان اصعب، ان التوافق السعودي - السوري الذي يدعو إليه بالنسبة الى لبنان منذ أكثر من سنة ليس ضرورياً بالنسبة الى معالجة الأزمة في لبنان فقط، بل بات ضرورياً ايضاً بالنسبة الى معالجة الوضع في غزة وفي العراق وأوضاع المنطقة برمتها، التي تبدو متفجرة اكثر من أي وقت. ويحذّر بري من غياب القدرة العربية على التأثير في الأزمات المتفاقمة خصوصاً انه يعتبر ان ما يجرى في غزة، استناداً الى المعطيات المتوافرة حتى الآن، وإلى مجريات الأحداث، يدل على ان هناك قراراً كبيراً متخذاً من إسرائيل وبدعم أميركي، بالحرب ضد غزة شبيهاً بالقرار الكبير الذي اتخذ عام 1982 باجتياح جنوبلبنان وصولاً الى بيروت، في ظل الوضع العربي العاجز، فحينه لم تخرج تظاهرة احتجاج عربية واحدة تضامناً مع لبنان. مغادرة "كول" ويصر بري على إعطاء تفسير مخالف للذي نقل عن بعض الأوساط الأميركية، وحتى عن تفسير بعض قوى المعارضة، بأن هدف الإدارة الأميركية من إرسال المدمرة الأميركية"يو اس اس كول"الى قبالة الشاطئ اللبناني تستهدف الضغط على سورية في ما يخص الأزمة اللبنانية، ويكرر ما أعلنه في مقابلته التلفزيونية ليل الجمعة الماضي، بأن الهدف من الخطوة هو التغطية على ما يجرآ في قطاع غزة. وتنقل مصادره عنه قوله انه إذا كان من علاقة لإرسال المدمرة بلبنان، فهي من زاوية ما يحدث في غزة. فإزاء القرار الكبير باستهداف القطاع فإن الولاياتالمتحدة تريد ضمان عدم حصول ردود فعل فلسطينية ضد اسرائيل انطلاقاً من لبنان، قد تقود الى مواجهات يضطر معها"حزب الله"الى الانخراط بها ويعيد إشعال الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، ما يدفع الجانب الأميركي الى الاحتياط بإرسال القطع البحرية التي أعلن عنها الى قبالة الشاطئ اللبناني. ولا تستبعد مصادر بري ان تغادر القطع البحرية الأميركية المياه الدولية المقابلة للشواطئ اللبنانية بعد انتهاء إسرائيل من عملياتها في قطاع غزة. وتصر مصادر بري على ان التفسير الذي يقول ان الوجود الأميركي العسكري في عرض البحر هو ضغط على سورية والمعارضة من أجل الأزمة اللبنانية، غير منطقي لأن لا فعالية له في هذا السياق ولأن القوى المفترضة المستهدفة في إطار هذا التفسير لا تخضع لضغوط بل على العكس من ذلك. ومع مشاركته آراء المتشائمين في إمكان تحقيق نتائج لحل أزمة لبنان قبل عقد القمة العربية بفعل تفاقم الخلافات العربية، فإن أوساط بري تشير الى فشل الوساطات بين سورية والسعودية ومنها وساطة عمرو موسى والوساطة الأردنية، وترى ان الحل الوحيد الذي يمكن اعتماده للانتهاء من الخلاف على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو اعتماد التفسير الذي يقول بالمثالثة بين حصص الأكثرية والمعارضة ورئيس الجمهورية أي 10+10+10 وكررت نفي ان يكون هذا الخيار صيغ في المطبخ السوري، مشيرة الى أنه من اقتراح بري وأن دمشق تبنته بعد أن طرحه على موسى. وتقول مصادر بري انه يسعى في هذه المرحلة الفاصلة عن القمة الى تغليب أجواء التهدئة على الأزمة الداخلية وتدعو الى فهم اقتراحه بأن يمثل لبنان في القمة العربية بعد توجيه الدعوة إليه لحضورها، رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لأن حكومته على رغم اعتبارها غير شرعية، هي حكومة قائمة وبالتالي يمكنها تمثيل لبنان، على انه اقتراح منفتح هدفه تسهيل تمرير المرحلة بتخفيف الأضرار، وتنفي المصادر ان يكون هدف بري من الاقتراح نصب فخ للسنيورة عبر حلوله مكان الرئيس المسيحي بين الرؤساء العرب. وتدعو مصادر بري الى التنبه الى ان تفسيره إرسال واشنطن المدمرة"كول"الى قبالة الشاطئ اللبناني، على انه مرتبط بالتطورات الدراماتيكية في غزة، مختلف عن التفسير الذي يوحي بأنها أُرسلت لدعم الأكثرية في لبنان وأنها رسالة الى المعارضة، وأن على الحكومة ان تنظر الى ذلك على انه يخالف اتهام فرقاء آخرين الأكثرية والحكومة بالمراهنة على التحرك الأميركي، على رغم قناعة بري بأنه لا بد من ان يكون الأميركيون ابلغوا الحكومة قرارهم إرسال"كول"لأسباب تتعلق بغزة، مع ان الحكومة تنفي ذلك كلياً ويقول ان الحكومة قد تكون رفضت هذه الخطوة التي أقدمت عليها واشنطن.