بعد أكثر من خمسين سنة على تجربة الاكتشاف المباشر للكون التي انطلقت مع القمر الاصطناعي السوفياتي الأول"سبوتنيك"1957 حدث تحوّل نوعي في حركة المركبات التي تتجه الى الفضاء، وخصوصاً القريب منه نسبياً الى الأرض. فقد سقط أخيراً امتياز احتكاري بقي لعقود في يد"الوكالة الوطنية الأميركية للطيران والفضاء"ناسا وما يشبهها من مؤسسات فضائية. وانفتح الفضاء أمام نشاط شركات الطيران الخاصة، فتحوّلت سياحة الفضاء من شعار رنّان الى وقائع يومية. ومع هذا التحوّل، رأى كثيرون أن سدّاً سحرياً موصداً أُزيل من وجه تحقيق أحلامهم في دنيا الفضاء وعلومه وسياحته. الربانة السعودية تقفز الى الفضاء لم تكتف لمى آل حزّين بكونها أول رباّن طائرة سعودية في الولاياتالمتحدة، فخطت خطوتها الأولى عبر رحلة نظمتها شركة"زيرو جي"Zero G والاسم يشير الى المنطقة التي تصل فيها الجاذبية الى الصفر، أي"زيرو غرافيتي" للسياحة الى الفضاء القريب نسبياً. ونظرت الى الأمر باعتباره خطوة أولى على طريق التحوّل إلى سائحة فضاء على غرار الأميركية - الإيرانية الأصل أنوشه أنصاري، التي صعدت إلى الفضاء البعيد في العام الماضي. وتبدو آل حزين مصرّة على تحقيق حلمها هذا، في ظل فورة الرحلات الفضائية المدنية الآمنة، التي توفر اختبار انعدام الوزن وتجربة الرحلات السريعة الى المدار القريب، وصولاً إلى قضاء بعض الأيام على متن"محطة الفضاء الدولية". قبل الحلم بالفضاء البعيد، لا بد من مناورة في مساحة أقل بُعداً إلى حيث يتحرّر الجسد من الجاذبية الأرضية. وتجدر الإشارة الى ان الطائرات التي تستطيع الوصول الى تلك النقطة من الفضاء، بفضل دفع من صاروخ يساند عمل محركاتها"تمثّل النقطة الأشد سخونة في تقنيات الطيران راهناً. وتتسع الطائرات التي تستعملها شركة"زيرو غرافيتي"لإنجاز تلك الرحلات ل35 محلقاً وطاقم الطائرة المكوّن من 6 أشخاص. وأثناء التدريب على تلك الرحلات، يُجري الربان مناورة تحليق قوسي بطلعات ونزلات مدروسة، بهدف بلوغ وضع يشبه ما تكونه الأمور عند انعدام الجاذبية. وهذه التجربة هي عينها التي يتدرب عليها روّاد"ناسا"، واستخدمها المخرج الأميركي الشهير رون هوارد عندما حقّق فيلم"أبوللو 13"الذي لعب بطولته توم هانكس. ويخضع المحلّقون لجلسة تدريب قصيرة قبل الصعود الى طائرة من طراز"بوينغ 272"عُدّلت لتناسب تدريبات الفضاء، تحمل اسم"زيرو فورس وان". تنقسم الطائرة الى منطقتين: المؤخرة التي يطلق عليها"منطقة المقاعد"، وفيها اوكسيجين ومخرج للطوارئ ومعدات الطيران متنوعة. والثانية هي"منطقة العوم"، وتشبه قاعة فسيحة يصل ارتفاعها إلى قرابة 90 قدماً. وقالت آل حزين لپ"الحياة":"أول ما فعلته عندما وطأت قدمي الطائرة هو أنني ردّدت جملة نيل ارمسترونغ الشهيرة"إنها خطوة صغيرة لرجل ولكنها خطوة عملاقة للبشرية"ورد أحد أعضاء الفريق علي قائلاً: خطوة صغيرة لأمراة سعودية، وخطوة عملاقة لعالم النساء العرب". وثمة تقليد في"ناسا"يقضي بأن يضع المحلّقون الجدد أسماءهم رأساً على عقب، ولا تعاد إلى وضعيتها الطبيعية الا بعد مراسم التخرج لدى العودة إلى الأرض. وعلّقت آل حزين على هذا الأمر بالقول:"تحمل البزة العلم الأميركي. لكني طلبت وضع ثلاثة اعلام إضافية: الأول للسعودية لأنها وطني والثاني لفلسطين التي أذكر شعبها في صلواتي، والثالث لسورية وهي موطن والدتي". وأشارت إلى أن"مدير خدمة الضيوف فيليب كلارك لم يعترض على ذلك". وأضافت:"أنا متحمسة للطيران. وإذا كانت أنصاري طارت، فلا شيء يمنع اي امرأة من فعل ذلك. كل ما نحتاجه هو من يرعى برنامجاً مماثلاً". ما يشبه القمر والمريخ تحدثت آل حزين أيضاً عن اختبار انعدام الجاذبية الذي حازت في نهايته شهادة جعلتها أول عربية وسعودية في ذلك المجال:"شعرت كأني امراة خارقة. أعوم بحرية... تجربة انعدام الجاذبية "زيرو غرافيتي" هي خطوة عظيمة في اختبارات الفيزياء"وتمنح معرفة عن الحال على سطحي المريخ والقمر". وأعطت تفاصيل عن الإجراءات التي خضعت لها قبل قبولها للاختبار. وقالت:"كان لا بد من الحصول على إذن للسفر، والمرور عبر الأمن والحصول على موافقة اتحاد الطيران الأميركي، ثم الخضوع لفحص طبي". الجدير ذكره أن الرحلة التي شاركت فيها آل حزين، والتي أجريت في 15 آذار مارس الجاري، تأخرت لبعض الوقت بعدما شعر أحد المشاركين بالدوار. وبعد التأخير، بدأ التشويق. وأجرى طبيب في"ناسا"كان ضمن الفريق، تجربة انعدام الجاذبية على دواء معيّن صنعه بنفسه، فيما اختبر المهندس تجربة على المياه، وكان هناك عالم صواريخ أيضاً ضمن الفريق. والمعلوم أن شركة"زيرو جي"مؤسسة خاصة تأسست في عام 1993 وتتولى مهمات سياحية الى مدار الأرض القريب. شارك في تأسيسها العالم في مجال الفضاء الدكتور بيتر إتش ديامندس، ورائد الفضاء الدكتور براين كاي ليشتنبرغ، والمهندس لدى وكالة الفضاء الأميركية راي كرونيز، ومقرها الرئيسي في"لاس فيغاس". وتعاقدت"زيرو جي"مع شركة روسية تعمل على ارسال سياح الى الفضاء. ومن يتم اختياره وتوافق عليه الولاياتالمتحدة، يرسل الى روسيا لفترة تتراوح بين ستة شهور وسنة، يتلقى خلالها تدريبات لإرساله الى الفضاء. وتناولت آل حزين هذا الأمر قائلة:"تقدر كلفة البرنامج بثلاثين مليون دولار. اذا وجدت من يرعاني، سأتقدم بالتأكيد لهذه التجربة كي أصبح الخليجية الأولى التي تصعد إلى الفضاء". وتضيف:"من لا يريد الذهاب الى الفضاء؟ انه حلم يمكن تحقيقه. الفيزيائي وعالم الفيزياء الكبير ستيفن هوكينغ يحلم بذلك... انه تجربة العمر". وللحصول على مستوى انعدام الجاذبية في الفضاء، يقود الملاح رأس الطائرة عمودياً إلى الأعلى ليصل الى ارتفاع يتراوح بين 33 و 34 ألف قدم. ثم يهبط بها على نحو فجائي الى ارتفاع 22 ألف قدم. وتمكنه هذه المناورة من الحصول على سقوط حر ل28 الى 30 ثانية. تصل مدة الرحلة لقرابة 90 دقيقة، يختبر المحلّقون خلالها جاذبية المريخ جاذبية 1/3، وجاذبية القمر 1/6، ثم اختبار انعدام الجاذبية. وقالت آل حزين عن تجربتها تلك:"فعل الربان ذلك 12 مرة، ومرة للحصول على جاذبية المريخ، وأخرى لاختبار جاذبية القمر... في الطريق الى الارتفاع المحدد، نشعر بجاذبية قوية، ويزيد وزن الجسم بنسبة كبيرة، فلا يقوى المرء على الحركة. كل شيء بدا ثقيلاً.. وعندما بلغنا جاذبية المريخ، بات وزن جسدنا اخف، وإن لم نتمكن من التحليق. وزادت الخفة مع بلوغ جاذبية القمر، تلا ذلك الطيران الحر في مستوى انعدام الجاذبية. كل شيء حصل بسرعة فائقة في شكل لا يمكن للعقل استيعابه". وأوضحت أن العالِم هوكينغ، الذي يعتبر مرجع الفيزياء المعاصرة، يستعد للمشاركة في رحلة مماثلة،"لقد كان في بريطانيا، لكنه سيحضر للتحليق في أيار مايو المقبل. أتمنى أن يحالفني الحظ لأطير برفقته". وأضافت:"البروفسور هوكينغ يحلم بزيارة الفضاء. وبما أنه يعاني الشلل، حققت"زيرو جي قسطاً من حلمه، وها هي ابنته لوسي تسير على خطاه". ويذكر أن سيدة الأعمال الأميركية الشهيرة مارثا ستيوارت اختبرت تجربة انعدام الجاذبية، كذلك صديقها البليونير مطور برامج"مايكروسوفت"تشارلز سيموني، الذي صعد من بعد ذلك إلى الفضاء سائحاً. وممن كانوا من ضيوف"زيرو جي"أيضاً الممثل توم هانكس، والعالِمان جامي هاينمان وآدم سافدج من البرنامج العلمي التلفزيوني"ميثباسترز" Myth Busters، الذي تعرضه شاشة"ديسكوفري"، ومؤلِف"ذي سيمبسونز"مات كرونينغ، وأول سائحة الى الفضاء أنوشه انصاري. ومن بين الذين كانوا ضمن الرحلة التي شاركت فيها آل حزين، ممثلان بديلان يعملان مع النجم شوك نوريس، أحدهما ملاح جوي.