في صيف عام 1969م كان العالم على موعد مع أهم حدث في تاريخ البشرية فيما يخص علوم الفضاء. فقد انطلق صاروخ ساتورن 5 من قاعدة كيب كانيفرال بولاية فلوريداالأمريكية حاملا مركبة ابولو 11 التي تتكون من أجزاء كثيرة أهمها مركبة الفضاء القمرية ومركبة الهبوط على سطح القمر. وقد كان على متن المركبة ثلاثة من رواد الفضاء، هم: نيل آرمسترونغ ومايكل كولينز وإدوين الدرين، وقد انطلقت المركبة بتاريخ 16 يوليو 1969م لتصل إلى القمر بعد رحلة 3 أيام. وقام نيل آرمسترونغ وإدوين الدرين بالهبوط على سطح القمر، بينما بقي مايكل كولينز في مركبة الفضاء التي قامت بإرجاع الطاقم إلى الأرض. وفي ذلك الوقت كنت في الصفوف المتوسطة مشاركا في نشاطات المركز الصيفي بالأحساء، وقد قامت شركة أرامكو في ذلك الوقت ببث أحداث عملية الهبوط. ومنذ ذلك الوقت أصبحت متابعا لأخبار وكالة ناسا لعلوم الفضاء بصورة بسيطة عبر ما كان يتم كتابته أو بثه في تلك الفترة. وبعد عدة سنوات وبالتحديد في صيف عام 1975م وجدت نفسي وجها لوجه مع السيدة ليدي بيرد وهي زوجة الرئيس الأمريكي الاسبق ليندون جونسون في مزرعتها الخاصة في (جونسون رانتش) بولاية تكساس. وقد كنت في تلك الفترة أدرس اللغة الإنجليزية في قاعدة لاكلاند الجوية، وتم اختياري للحديث معها أثناء رحلة قامت قيادة القاعدة بتنظيمها عبر أحد مسؤولي العلاقات وهو السيد شيفيلد. وأثناء الحديث مع سيدة أمريكا الأولى اقترحت علي أكثر من شيء كان أحدها زيارة مركز جونسون لعلوم الفضاء بمدينة هيوستن. وبعد ذلك بعدة أسابيع قمت بزيارة لهذا المركز الذي يعتبر من أشهر مراكز المراقبة الفضائية لعمليات إطلاق الصواريخ في العالم. وبعدها بدأت أتمنى أن يأتي يوم يكون للمملكة العربية السعودية دور فيما يخص أبحاث الفضاء، وزاد من متابعتي لعلوم الفضاء تصادف أن قمت بالدراسة في كلية متخصصة تابعة لجامعة ولاية نيويورك وللكلية دروس أساسية لها علاقة بعلوم البحار والفضاء والأجرام السماوية. وفي تلك الفترة توقف برنامج أبولو بعد أن قامت وكالة ناسا بوضع 5 مركبات فضائية على سطح القمر ليبدأ برنامج غير مسبوق لوكالة ناسا وهو المركبات المأهولة المستعادة (برنامج المكوك الفضائي) وليتم بناء 6 مكوكات فضاء، هي: (كولومبيا - تشالنجر - ديسكفري - إنديفر - أتلانتس - إنترابرايس). وقد كان المكوك إنتربرايز هو الوحيد الذي ليس فيه محركات دفع، لأنه كان يستخدم كمختبر خاص بالبرنامج، ولعلم القارئ فقد خسرت وكالة ناسا اثنين من المكوكات، هما: تشالنجر وكولومبيا. وبعد الإعلان عن بدء برنامج المكوك فقد تم التحضير لإطلاق أول مكوك وهو كولومبيا بتاريخ 12 أبريل 1981م الذي حرصت على أن أكون أحد الحاضرين لإطلاق هذا المكوك الذي اعتبر نقلة نوعية جديدة في علوم الفضاء. ومرة أخرى تمنيت أن يكون للمملكة مشاركة في برنامج مثل هذا البرنامج، وبعد ذلك بفترة تحقق الحلم يوم 17 يونيو 1985م في الرحلة رقم (إس تي إس- 51جي) على متن المكوك الفضائي ديسكفري. قبل تاريخ انطلاق المهمة الخاصة بالمكوك ديسكفري كان هناك قرار من جامعة الدول العربية بوضع قمر صناعي عربي (عرب سات) الذي يتبع المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية. وقد تقرر أن يكون إطلاق القمر الصناعي ووضعه في الدار المطلوبة عبر رحلة المكوك الفضائي ديسكفري، وكانت أيضا هناك محاولات لأن يكون هناك رائد فضاء عربي على متن المكوك. وقد كان البيت الأبيض في ذلك الوقت يعارض تواجد غير الأمريكان على متن المكوك في الرحلات العلمية، وقد كان الرئيس الامريكي في ذلك الوقت رونالد ريغان معارضا لأي مشاركة أجنبية رغم المحاولات المتكررة من دول كثيرة للمشاركة. لكن وبعد مباحثات طويلة قررت وكالة ناسا السماح لاثنين من رواد الفضاء من دول أجنبية بالمشاركة في رحلة المكوك ديسكفري. وبعد وصول قائمة ليست بالقصيرة تم إقرار أن يكون من على متن المكوك الفضائي مواطن من المملكة العربية السعودية. وبعد اختيار الكثير تم الانتهاء إلى قائمة بها ثلاثة أشخاص وكان بها طيار سعودي وهو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز والمرشح الآخر وهو طيار لطائرات ف- 15 من القوات الجوية الملكية السعودية وهو عبدالمحسن البسام. وبالفعل قام طاقم كبير من المملكة بالذهاب إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية يشمل طواقم علمية في تحد كبير مع الزمن. فوكالة ناسا لا تجامل أحدا وإذا لم تستطع اجتياز الاختبارات اللازمة، فهناك طاقم آخر في الاحتياط، وبعد أن تم اختيار الأمير سلطان بن سلمان وفي الاحتياط المقدم طيار عبدالمحسن البسام بدأت رحلة عصيبة من اختبارات اللياقة ودراسة أمور السلامة وأشياء علمية في فترة لم تتعد 8 أسابيع، لكنها تكللت بالنجاح. وفي يوم 17 يونيو 1985م كان العالم العربي والعالم أجمع على موعد مع رحلة المكوك الفضائي ديسكفري الذي أطلق على الرحلة مسمى (البوتقة الاجتماعية) كونها تتكون من رواد فضاء من ثلاث جنسيات ولاول مرة، وهي: الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية. وقد كنت أحد من حضر الإطلاق في منظر مهيب وصوت تسمعه لأميال عدة أثناء الانطلاق، وقد كان سمو الأمير سلطان يجلس في المقعد رقم 7 أثناء عملية الإطلاق. وقد تميزت الرحلة بصعوبة ما بها من تجارب علمية كثيرة إضافة لعملية إطلاق القمر الصناعي عرب سات (ون- بي) إضافة لقمر صناعي تابع للمكسيك. وقد قام المكوك الفضائي بالدوران حول الأرض على ارتفاع يصل إلى لأكثر من (300) كيلو متر وبسرعة تصل إلى (27) ألف كيلو متر في الساعة، لكن كان المطلوب أن يتم وضع قمر عرب سات في مدار على ارتفاع يصل إلى (40) ألف كيلو متر فوق سطح الأرض. ولهذا قام المكوك الفضائي بالابتعاد عن القمر الصناعي قبل أن يقوم القمر بإطلاق صاروخ الدفع ليصل إلى المدار المطلوب. وقد عاد المكوك الفضائي إلى الأرض بعد رحلة استغرقت حوالي 7 أيام قطع خلالها مسافة تقدر بثلاثة ملايين ميل ليهبط بعدها في قاعدة إدواردز الجوية بولاية كاليفورنيا. وبذلك حقق سمو الأمير سلطان بهذه الرحلة التاريخية قبل 30 عاما إنجازا غير مسبوق في عالمنا العربي. وكالة ناسا والتجربة الفريدة.. جريدة «اليوم» كانت هناك في شهر نوفمبر من عام 2012م تم عقد مؤتمر عالمي للفضاء في مدينة الرياض حضره عدد كبير من رواد الفضاء يمثلون 18 دولة والمئات غيرهم من أصحاب الاهتمام بهذا الشأن من مختلف الدول حول العالم. وقد قام بتنظيم المؤتمر، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وذلك تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله-. وقد تم خلال هذا المؤتمر الحديث عن علوم الفضاء وما يمكن القيام به في المستقبل القريب والبعيد. وكذلك آثار أبحاث الفضاء على حياتنا اليومية من خلال تطوير تكنولوجيا متسارعة يكون الفضاء الخارجي هو حقل التجارب. وقد كان رئيس اللجنة الإشرافية للمؤتمر هو رائد الفضاء السعودي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والذي أكد على اهتمام المملكة بعلوم وتقنية الفضاء ولأهمية هذه العلوم في التنمية الوطنية. وقد تخلل المؤتمر جولات سياحية في مدينة الرياض. وقد كنت متواجدا في المؤتمر بدعوة خاصة. وسبب دعوتي هو أن أحد زملاء دراستي ضابط البحرية المتقاعد ورائد الفضاء في وكالة ناسا الأمريكية سكوت كيلي متواجد في المؤتمر. وأثناء المؤتمر قام رائد الفضاء الأمريكي بإبلاغي بأمر ذكر أنه غير قابل للنشر لسريته وكذلك لعدم البت نهائيا في إقراره. وذكر لي أن الاختيار وقع عليه مع رائد الفضاء الروسي ميخائيل كومينكو لقضاء فترة تمتد لعام كامل في محطة الفضاء الدولية. وللأمانة كنت تواقا للحديث عن هذا الخبر والذي سيكون سبقا إعلاميا عالميا إلا أن الخوف من المفاجآت لتجربة مكوث عام كامل من الممكن ان تتغير لأي سبب. وكنت على علم بأن هناك طاقما احتياطيا لهذه المهمة. ولكن ما رجح كفة رائد الفضاء سكوت كيلي هو خبرته في القيام بمثل هذه المهام. حيث إنه سبق وأن كان على متن المكوك الفضائي ديسكفري وله مهمات سابقة إلى محطة الفضاء الدولية. وبعد تأكد اختيار وكالة ناسا لرائد الفضاء سكوت كيلي تم تغيير الكثير من الخطط واستحداث الكثير من التجارب. ويرجع السبب لكون أخيه التوأم يحمل نفس المؤهلات. فكلاهما طيار حربي سابق ورائد فضاء. ولهذا أرادت وكالة ناسا أن تقوم بتجربة لن تتكرر أبدا وذلك عبر إجراء أبحاث على التوأم لمدة عام. حيث سيكون واحد على سطح الارض والآخر في محطة الفضاء الدولية وسط انعدام للجاذبية لمدة عام كامل. وتعتبر محطة الفضاء الدولية من ناحية التكوين والبناء والصيانة أحد أكثر البرامج العالمية كلفة وأكثرها تعقيدا. وقد تم من ناحية عملية إطلاق مسمى محطة فضاء دولية منذ أن تم تأهيلها لتكون معمل تجارب مأهولا بصورة مستمرة منذ العام 2000م وذهب إليها أكثر من 200 رائد فضاء من 15 دولة. وهي تدور على ارتفاع (400) كيلو متر وبسرعة تصل إلى ثمانية كيلو مترات كل ثانية أي بسرعة 27 ألف كيلو متر في الساعة وتدور حول الأرض كل (90) دقيقة ويمكث فيها عادة عدد 6 رواد فضاء. وقد كانت رحلة رائدي الفضاء الأمريكي والروسي لتجربة المكوث لمدة عام انطلقت من مدينة بيكانور بكازاخستان من مكان إطلاق منصات صواريخ سيوز. وتصل للمحطة بين الحين والآخر صواريخ إمداد تنطلق من فلوريدا أو من كازاخستان. فإن كانت المركبات الفضائية للإمداد وأخذ الفضلات من محطة الفضاء الدولية فهذه مركبات يتم احتراقها ما ان تدخل الغلاف الجوي. وأما إذا كانت المركبة لإيصال معدات ورواد فضاء فيتم إرجاعها للأرض كما هي. ومعدل مكوث رواد الفضاء عادة يكون لأيام ما عدا رواد الفضاء من اصحاب المهمات الطويلة المدى. وقد تم إطلاق صاروخ زيوس للمحطة الدولية في مهمة رقم 43 الساعة الثالثة عصر يوم الجمعة 27 مارس 2015م. وفي بادئ الامر تم دعوتي لحضور الإطلاق في كازاخستان ولكن تم تغيير مكان حضوري ليكون في مركز المراقبة بمركز جونسون لعلوم الفضاء التابع لوكالة ناسا بمدينة هيوستن. ومركز المراقبة هذا هو أحد أكثر الأماكن في الولاياتالمتحدة التي تخضع لحراسة مشددة. وقد كنت وغيري من القليل من الحضور بمعية حرس مدججين بالسلاح وذلك كون المركز يراقب كل ما يجري في الفضاء الخارجي. واثناء الإطلاق تم تواجد عدة وكالات عالمية كانت جريدة اليوم الوحيدة من خارج الولاياتالمتحدة. وبعد ست ساعات من إطلاق مركبة سيوز تم الالتصاق مع محطة الفضاء الدولية في تجربة هي في الحقيقة خطوة أولى للذهاب إلى كوكب المريخ. وفي هذه الفترة تم الإعلان عن نجاح الكثير من التجارب العلمية التي أهمها كان زرع خضراوات ولأول مرة في الفضاء. وقد تم تناول هذه الخضراوات من قبل رواد الفضاء في وقت قامت فيه وكالة ناسا بالإعلان عن احتمال وجود آثار لمياه على كوكب المريخ. ولعلم القارئ فإن بعض مهمات محطة الفضاء الدولية تشمل صيانة تلسكوب (هوبل) الموجود في الفضاء ومراقبة الفضاء الفسيح. وفي هذا الوقت فقد مرت أكثر من ستة أشهر على إحدى أهم التجارب التي يتم إجراؤها على الإنسان في الفضاء. ويتوقع أن يرى العالم نتائج علمية مذهلة من خلال مقارنة رائدي الفضاء التوأم مارك كيلي وأخيه سكوت كيلي لمعرفة أثر انعدام الجاذبية على الإنسان. ولعلم القارئ مطلوب من رائد الفضاء الذي يمكث مددا طويلة في الفضاء أن يقوم بتمارين شاقة لمدة ساعتين يوميا لكي لا ترتخي وتضمر العضلات ولكي لا يكون القلب يعتمد على انعدام الجاذبية لإيصال الدم لبقية اعضاء الجسم. ومن المتوقع أن يرجع رائدا الفضاء الأمريكي والروسي سكوت كيلي وميخائيل كومينكو إلى كوكب الأرض في شهر مارس القادم من عام 2016م. رائد الفضاء الأمير سلطان بن سلمان على متن المكوك ديسكفري.. وصورة معبِّرة بعد الرحلة يُقبِّل يد والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رائد الفضاء سلطان بن سلمان في وكالة «ناسا لعلوم وأبحاث الفضاء» رواد الفضاء الذين تواجدوا على مكوك الفضاء ديسكفري في المهمة «إس تي إس- 51 جي» المكوك على منصة الإطلاق بقاعدة «كيب كانيفرال» بولاية فلوريدا الأخوان التوأم رائدا الفضاء مارك وسكوت كيلي