تعترف غالبية المغنيات اليوم، بعد مرور أشهر قليلة على "احترافهن" الغناء، أن دخولهن "الساحة" كان عبارة عن"تسلية"أو"لهو"، ثم فوجئن بمستوى"إعجاب"وسائل الإعلام والجمهور، فقررن عندها الانتقال من حال التسلية العابرة واللهو الخفيف الى حال"الاحتراف"! و... فوراً تبدأ محترفة الغناء انتقاد البداية التي ظهرت فيها في شكل قد يتنافى مع"إمكاناتها"، أو في إطار منحاز الى"إمكانات"دون أخرى، وتَعِد نفسها وجمهورها ب"أغان"أخرى وكليبات مناسبة تعكس حرصها على إبراز جمال صوتها أولاً قبل أي أمر آخر! هذا النوع من"البدايات"الغنائية يختلف جذرياً عن بدايات المغنين والمغنيات من الجيل السابق. لم تكن مسألة التسلية أو اللهو دافعاً لدى أي فنان ممن يُسمّون اليوم مخضرمين أو رواداً للأغنية اللبنانية. والذكريات التي رواها أولئك الأساتذة في الغناء، على مدى العقود الماضية، لوسائل الإعلام كافة، لم تلحظ يوماً أي نوع من"الاستخفاف"كمثل القول بالتسلية واللهو كأسباب لاحتراف الغناء. ويمكن القول إن جميع المغنيات تحديداً قررن أو حاولن احتراف الغناء بعدما لمسن في حناجرهن مواهب واضحة، وأحياناً كبيرة. بمعنى أن الموهبة الصوتية كانت تلح على صاحبتها فتأخذها في هذا الاتجاه أو ذاك ناهدة الى فرصة حقيقية تكشف فيها عن الطاقة الأدائية التي تتمتع بها. أما اليوم، فإن ثمة مغنيات، ويملكن شهرة جيدة، لا يتورعن عن"الاعتراف"بأنهن لم يأخذن الأمور على جديتها إلا بعدما"وصلن". والوصول عبر وسائل الإعلام الكثيفة المتناثرة طولاً وعرضاً في العالم العربي، بات عملية سهلة، بل سهلة جداً، لأن المقياس الأبرز لم يعد ماذا تغني المغنية وكيف تغني وماذا تريد من الغناء، بل أن"تغني"أي شيء وكيفما كان ولأهداف لا علاقة لها بفن الغناء، والدخول"ينبغي"أن يكون من باب واحد وحيد هو الإثارة. الإثارة أولاً وأخيراً. وعلى رغم أن كثرة المغنيات اللواتي يعتمدن الإثارة جعلت الإثارة من حيث يدرين أو لا يدرين لا تثير، في أكثرها، فإن هذه القاعدة ما برحت هي المسيطرة، وتحديداً في ما خص مغنيات بأعينهن... أكثر من ذلك. لم تعد التسلية أو اللهو تهمة تحاول المغنية نفيها عن نفسها، أو التستر عليها، طالما أنها انتقلت من خانة الهاوية الى خانة المحترفة. كما لم يعد الاحتراف يعني الكثير فنياً. الاحتراف بات يعني الكثير... من الإعلام لا أكثر ولا أقل. ولو قدمت المغنية أغنية واحدة أو عشر أغان أو ربما عشرين فلا يهم أي جديد قدمت أو أي تطوير لتجربتها أحدثت، بل المهم هو عدد المرات التي تُعرض فيها كليباتها على الشاشات الفضائية. أو بُثت فيها أغانيها في الإذاعات، أو تنشر فيها صورها على أغلفة المجلات. الإعلام أولاً. وأحياناً الإعلام من دون أي شيء آخر، أو حتى من دون مبرر! وما دامت هذه"الخطة"نجحت مع هذه المغنية مثلاً، فلماذا ? في نظر مغنية أخرى ? لا تنجح معها هي، وهي أجمل وأصغر سناً وأكثر إثارة... والمغنية دانا مثلاً هي البرهان الأبرز... لم تعد المقارنة، حتى بين أسباب الغناء"السابقة"والأسباب"اللاحقة"، جائزة. لكل زمان دولة غنائية ورجال ونساء. لكل جيل مفهومه لاحتراف الغناء. وفي حين كان يقال ان نوعية المواهب الغنائية اختلفت ما بين الخمسينات والسبعينات ثم التسعينات من القرن الماضي، وبقي الجميع يضع حيزاً أساسياً لمستوى الأصوات، فإن مطلع القرن الحادي والعشرين لم يعد يتحدث عن النوعية، وراح"الجميع"يتأقلم مع"قوانين"جديدة لطبيعة الغناء تخالف الطبيعة. بات الصوت خلفية غير ضرورية لضرورة واحدة هي الجمال، أي الإثارة، أي الحوار بين جسد المغنية وعين الرجل! هذه المغنية أو تلك لا تُلام: تريد أن تتسلى وتسلي"الجماهير"، وهناك من يطالبها بألا تسلّيه. إنها إشكالية فظيعة!