إذا كان جون ماكين مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، كما يبدو من الانتخابات التمهيدية حتى الآن، فإننا نستطيع أن نقول بثقة إنه سيكون أفضل رئيساً من جورج بوش، غير ان أي رجل، أو امرأة، يخلف الرئيس الحالي سيكون أفضل منه. صفة السناتور ماكين داخل الحزب الجمهوري انه مستقل، وأحياناً متقلب MAVERICK وهو كذلك فعلاً، فقد غرّد خارج حزبه في قضايا أميركية كبرى من نوع خفض الضرائب، والهجرة غير الشرعية وإصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية. إلا أنه يبقى أكثر تعقيداً من أن نحكم عليه على أساس هذه القضية أو تلك، وبما أن الشرق الأوسط هو ما يهم القارئ العربي أو المسلم من سياسته الخارجية، فقد رأيت أن أراجع سجله بأسلوب مختلف، كاختلافه عن غيره. أستطيع أن أحكم عليه بموجب المقولة"قل لي من تعاشر أقل لك من أنت". وهي مقولة تبقى صحيحة إذا قلبناها لتصبح"قل لي من لا تعاشر أقل لك من أنت". جون ماكين لا يمكن أن يعتبر سيئاً إذا كان يتعرّض لحملات شرسة من رموز أقصى اليمين الأميركي مثل راش ليمباو ولورا انغراهام وآن كولتر وشون هانيتي. وإذا أخذنا ليمباو مثلاً، فهو صاحب برنامج إذاعي له 13.5 مليون مستمع في الأسبوع عبر 600 محطة، وقد أعلن صراحة أنه لن يتبنى ترشيح ماكين الذي يرى أنه خان قضية المحافظين وهي كلمة مخففة لليمين المسعور بوقوفه ضد قضايا أساسية من نوع خفض الضرائب والملاينة في موضوع الهجرة. وفي حين أن ليمباو سخر من برنامج باراك أوباما، وقال إنه يخلو من أي مواقف يمكن على أساسها تأييده أو معارضته، ورفض هيلاري كلينتون، فإنه في الوقت نفسه رفض تبني ترشيح ماكين. وقد شعرت مع بعض غلاة اليمين الأميركي أنهم لا يمانعون ضمناً أن يفوز ديموقراطي بالرئاسة ليقضي أربع سنوات غارقاً في إرث جورج بوش الاقتصادي والعسكري، ما يسهل عودة اليمين الى الحكم بعد أربع سنوات. إذا كان أقصى اليمين المعارض للسناتور ماكين سبباً للثقة به، فإن السناتور جو ليبرمان سبب لفقدان هذه الثقة. ليبرمان يمثل إسرائيل في مجلس الشيوخ الأميركي أكثر مما يمثل"بلاده"الولاياتالمتحدة، وفي حين أنه ليبرالي في السياسة الداخلية، فقد كان دائماً متطرفاً في سياسته الخارجية، والسبب إسرائيل، فهو ضد العرب والمسلمين ومصالحهم، وليس له عندي سوى الاحتقار. على سبيل التذكير، ليبرمان كان المرشح لنائب الرئيس مع آل غور عام 2000، وخسرا وحاول أن يرشح نفسه للرئاسة عام 2004، إلا أنه لم يلق أي تأييد وانسحب، وفي عام 2006 تخلى عنه حزبه الديموقراطي في ولايته كونتكت، واختار بدلاً منه رجل أعمال محلياً هو ند لامونت مرشحاً عن الحزب لمجلس الشيوخ، وكان السبب موقفه تأييداً للحرب على العراق ومعارضة أهل الولاية الحرب. وهو فاز في الانتخابات كمرشح مستقل بفضل اللوبي وجماعات المصالح الخاصة، ولا يزال يؤيد الحرب وكل حرب على العرب والمسلمين، ويريد حرباً على إيران. هذا السناتور الإسرائيلي الهوى اصبح الآن أقرب حليف للمرشح ماكين، وهو يلازمه كظله ولعله يأمل بأن يأخذه معه نائباً للرئيس، مع أن الاثنين تجاوزا السبعين، وماكين ابن الواحد وسبعين عاماً بحاجة الى نائب في الأربعينات أو الخمسينات من العمر. أقول انه لا يمكن أن يرجو العربي أو المسلم خيراً من مرشح متحالف مع مثل ليبرمان، ثم اترك من يعاشر أو لا يعاشر لأراجع سجله السياسي الشخصي. كان ماكين اكتسب سمعة سياسية طيبة وهو جديد في مجلس الشيوخ عندما عارض التدخل الأميركي في لبنان عام 1982، وعندما انتهى هذا التدخل بتفجير مقر المارينز ومقتل 251 عسكرياً أميركياً، أصبح ماكين نجماً تلفزيونياً. وهو عارض عام 1990 - 1991 حرباً برية لإخراج صدام حسين من الكويت، بل لم تهمه الكويت في شيء، وإنما اقترح حرباً جوية على صدام حسين لحماية الأراضي السعودية، أي النفط، لا السعودية أو الكويت. وانقلب ماكين 180 درجة عام 1999، وأيّد التدخل في كوسوفو، وهو أيّد الحرب على العراق ولا يزال يؤيدها، وطالب بزيادة القوات وزعم أن إدارة بوش سرقت أفكاره عندما فعلت، ويطالب بحرب على إيران. إذا أصبح ماكين رئيساً فسيكون"رئيس حرب"، وقد وعد الناخبين، أو أوعدهم، بحروب، وتحدث عن البقاء مئة سنة، في العراق، وسُمع يقلد أغنية معروفة لفرقة"بيتش بويز"ويقول:"اقصف اقصف اقصف اقصف...". وكنت قارنت بين أوباما وكلينتون أمس، وإذا قارنت بين الثلاثة اليوم فهناك داعية الحرب ماكين، والمعارض للحرب أوباما، وامرأة تقف بينهما هي هيلاري كلينتون، والخيار ليس لنا بل للأميركيين.