تبدو أميركا اللاتينية على أحسن حال. فمتوسط النمو الاقتصادي في أثناء الأعوام الأربعة المنصرمة فاق نظيره في سبعينات القرن العشرين. وأخيراً، الطبقة المتوسطة تنمو، بينما يتقلص الفقر ببطء، والهوّة بين الطبقات، وهي مرض نصف القارة العضال، تضيق تدريجاً وتترسخ الديموقراطية التمثيلية. واذا استثنيت كوبا، تحمل المجتمعات والدول على حد مشترك حقوق الإنسان على محمل الجد. ولكن نصف القارة يعاني مشكلتين متفاقمتين، الأولى هي النزاعات الإقليمية بين الدول الجارة، تشيلي والبيرو، تشيلي وبوليفيا، فنزويلاوكولومبيا، الإكوادور وكولومبيا، كولومبيا ونيكاراغوا، ولا تنفك العلاقات بين المكسيك ونيكاراغوا وفنزويلاوكولومبيا والاكوادور وبوليفيا والأرجنتين، مضطربة ومتوترة. والمشكلة الثانية المشتركة بين بلدان نصف القارة هي ثقل الاحتكارات العامة والخاصة في حقول التجارة والإعلام، وفي المنظمات النقابية والهيئات الانتخابية، وعموم الثقل هذا في البلدان كلها. وخطوتُ خطوة رمزية على طريق التصدي للمشكلتين المتلازمتين هاتين جين أقمعت دعوى قضائية على الحكومة المكسيكية في محكمة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان بكوستاريكا. ففي 2004، حاولت الترشح الى الانتخابات الرئاسية بالمكسيك، مستقلاً. ولكن قوانين معظم بلدان أميركا اللاتينية تحظر ترشح المستقلين، وتحول عملياً دون إنشاء أحزاب سياسية جديدة، وتحرم المواطنين مقاضاة الدولة على انتهاك حقوقهم السياسية والانتخابية، معاً. وفي دعواي، قلت ان المحظورات القانونية هذه تنتهك اتفاقيات دولية منها المعاهدة الأميركية لحقوق الإنسان، المبرمة قبل نحو نصف قرن بكوستاريكا. وردت الحكومة المكسيكية على حججي بالقول ان لكل دولة الحق في سن قوانينها الانتخابية الخاصة. وزعمت ان المواطنين الأفراد لا يتمتعون بدالة الأحزاب السياسية، والدالة التي يتمتعون بها تكفيهم للدفاع عن حقوقهم الأساسية. وفي انتظار حكم المحكمة، في منتصف العام، ثمة ثلاث مسائل ينبغي بتها: الأولى هي مسألة الموازنة بين الحقوق السياسية، والانتخابية منها، وبين حقوق الإنسان، وإيلاء الأولى مكانة الثانية. فالمحاكم الأميركية اللاتينية تقضي بإطراح الحقوق السياسية من اختصاصها. فإذا قضت محكمة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان بأن الحقوق السياسية والانتخابية حقوق إنسانية، ترتب على هذا شوط كبير على طريق التزام أميركا اللاتينية المعايير الدولية في المسألة. وتدور المسألة الثانية على تقييد الاحتكارات. فالأحزاب، شأن شركات الاتصال والمصارف وبيع التجزئة، تحتكر الرأي الانتخابي، وتنكر المنافسة في المضمار السياسي الأبرز والأرجح. فإذا قضت المحكمة لمصلحة دعواي، عنى قضاؤها أن ما تعجز عنه المحاكم الوطنية والوكالات التشريعية، أو لا ترغب في التصدي له، في وسع الهيئات الدولية التصدي له، والاضطلاع به. وقد يضطر البلد الأميركي الجنوبي الهاجس بسيادته فوق البلدان الأخرى كلها، ومناهض التدخل في شؤونه الداخلية، الى الرضوخ لحكم محكمة اقليمية وخارجية، والإذعان له. وقبول الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون المرافعة أمام المحكمة، رداً على دعواي، خطوة على الطريق. عن خورخي كاستانييدا وزير خارجية المكسيك سابقاً، أستاذ في جامعة نيويورك، "نيوزويك"الأميركية، 26/2/2008