لماذا ينجح اليساريون في الانتخابات التي تجرى تباعاً في دول أميركا الجنوبية؟ لماذا نجح إيفو موراليس في بوليفيا وميشيل باشليه في تشيلي؟... ومن قبلهما فاز اليساريون في الانتخابات النيابية في الأرجنتينوفنزويلا، وأيضاً في رئاسيات البرازيل والأوروغواي، الأمثلة تتكاثر إلى درجة أنها تحتاج إلى تفسير. في عدد من دول القسم الأسفل من القارة، أي في البرازيلوالأرجنتين والأوروغواي وتشيلي تحديداً، وصلت في السنوات الأخيرة إلى السلطة الأجيال التي بدأت سيرتها السياسية في معارضة الأنظمة العسكرية في الستينات وخصوصاً السبعينات. كانوا إيامها شباباً من الطبقات الوسطى، وقد انخرطوا أحياناً في الكفاح المسلح. يضاف إليهم المعارضون الديموقراطيون الذين برزوا في الثمانيات، في النضالات التي أدت إلى الأفول التدريجي للأنظمة العسكرية... ولائحة الأسماء التي تنطبق عليها هذه المواصفات لا تنتهي وتشمل كل رؤساء هذه الدول ووزرائهم وقسم كبير من النواب ورؤساء البلديات. وتنتمي ميشيل باشليه بمعنى او بآخر إلى هذه الحساسية وإلى هذا التاريخ. الحال الثانية تتعلق بدول القسم الأعلى من أميركا الجنوبية : فنزويلاوبوليفيا والبيرو والإكوادور... في هذه الدول، الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية التي أدخلت في التسعينات أضعفت الديموقراطيات التي كانت كناية عن لعبة محصورة بين نوادي النخب. يشكل تقدم اليسار في هذه الحال، حضور فئات واسعة من الشعب كانت من قبل غائبة أو مهمشة من الحياة السياسية. بدأ المسار مع هوغو تشافيز، وامتد الآن إلى الدول الأخرى حيث يواكبه صعود الحركة الهندية التي تعني 65 في المئة من السكان في بوليفيا و45 في المئة في البيرو و25 في المئة في الإكوادور. في التسعينات، نشأت قيادات يسارية معترضة على نتائج العولمة ومعتمدة على قاعدة انتخابية هندية أو فقيرة أو الاثنين معاً. إيفو موراليس هو نموذج لهذه الحال الثانية. وتدل استطلاعات الرأي الأخيرة الآتية من البيرو على أن الظاهرة قد تتجدد في الانتخابات الرئاسية في نيسان أبريل المقبل. الحبل على الجرار في هذا الإطار، نجح اليسار في كسر قاعدة الثنائيات الحزبية التي كانت قائمة في كل دول أميركا اللاتينية تقريباً منذ القرن التاسع عشر، اذ كان يتقاسم أصوات الناخبين حزبين أساسيين: المحافظ والليبرالي، على نموذج"الجمهوري"و"الديموقراطي"في الولاياتالمتحدة. منذ تخطي الأنظمة العسكرية وعلى أثر الإصلاحات الليبرالية التي أرهقت الفئات الشعبية، صار الاتجاه الغالب، تراجع هذه القاعدة وصعود القوى اليسارية كخيار بديل ممكن. بالتأكيد، هذا لا يعني أن صعود اليسار بألوانه المختلفة وبثقافاته المتنوعة صار نزعة ثابتة، بل، والأهم، أن وصول اليسار، صار احتمالاً وارداً في كل المواعيد الانتخابية تقريباً. عام 2006، يرجح انتخاب المرشح اليساري في كوستاريكا بعد أسابيع وتجديد ولاية تشافيز في آخر السنة. في البرازيل ونيكاراغوا وهايتي، احتمال فوز اليسار في الانتخابات الرئاسية ليس مؤكداً، ولكنه احتمال وارد بقوة. في المقابل، إعادة إنتخاب المرشح اليميني شبه مضمونة في كولومبيا، وطموح اليسار يكمن في احتلال المركز الثاني. المكسيك ايضاً؟ انتخابات البيرو في نيسان صارت مفتوحة على المجهول، ولكن الحدث قد يأتي هذه السنة من المكسيك حيث يرجح أن يفوز مرشح اليسار الوسط في الانتخابات الرئاسية في حزيران يونيو المقبل. إذا صحت التوقعات، قد يصبح الحدث المكسيكي لقمة صعبة الهضم على الولاياتالمتحدة، بسبب حجم البلاد وموقعها الجغرافي على أبوابها وتأثيرها على دول أميركا الوسطى. يبقى السؤال مطروحاً كيف أفلتت هذه الدول التي كانت حتى الأمس القريب تدور في فلك الولاياتالمتحدة؟ يفسر بعض المراقبين هذا التغيير إلى سياسة الولاياتالمتحدة التي أخذت تكرس اهتمامها لمناطق أخرى، فيما ينسبه البعض الآخر إلى ترسخ منظمة إقليمية مثل"المركوسور"التي تحولت إلى قطب جاذب آخر. في كل الأحوال، شكلت معاداة الولاياتالمتحدة معطى دائماً في المزاج اليساري الأميركي اللاتيني، وازداد رواجه مع رئاسة بوش الابن، إلى درجة أن المحللين الأميركيين اللاتينيين صاروا يختلفون في الرأي لمعرفة هل إن العالم العربي أم هذه البقعة من العالم، تكنّ أسوأ المشاعر لسيد البيت الابيض؟