تجربة القرون الروسية الطويلة قرينة على أن الكراسي الرئاسية لا تقيد صلاحيات من يجلسون عليها، وأن المتربعين عليها هم من يوجبون مقاييس كراسيهم. وفي مثل هذا البلد، يعجز الدستور عن الفصل بين سلطات رئيس الدولة وسلطات رئيس الوزراء، في حال كان هذا الأخير رئيساً سابقاً قوياً، على غرار فلاديمير بوتين. ومن المتوقع أن يطرأ تغير طفيف على لقاءات الرئيس مع الوزراء الأساسيين الدورية، وفيها تقرر توجهات روسيا الاقتصادية في السياسة الداخلية والخارجية. فالرئيس الجديد سيأتي بنفسه إلى اجتماعات الحكومة في البيت الأبيض مقر الحكومة الروسية، عوض ترؤسه اللقاء في الكرملين، على ما جرت العادة مع سلفه. وقد يجلس ميدفيديف على رأس طاولة الاجتماعات. ولكن المقعد المخصص له بجوار مقعد بوتين. وفي مؤتمره الصحافي الأخير، أعلن بوتين أنه لن يعلق صورة الرئيس الجديد على الجدار خلفه! وخلاصة قول بوتين أن من المفترض ان تتماشى صور رأس الدولة في المكاتب الحكومية والمؤسسات الرسمية، مع اللحظة السياسية في البلاد. وثمة لوحة إعلانية عملاقة علقت على واجهة أحد أضخم فنادق موسكو، وتظهر على هذه اللوحة صورة بوتين الى جانب الرئيس الروسي الآتي ديمتري ميدفيديف. ولكن من يتذكر صور ماركس وأنجلز؟ ومن المتوقع ان تنقل صلاحيات ممثلي رئيس الدولة في الأقاليم إلى ممثلي رئيس الحكومة في الأقاليم. وتناط هذه الصلاحيات برئاسة الوزراء لأن الرئيس يعالج المسائل السياسية، في حين أن مشكلات الأقاليم اجتماعية واقتصادية. وعليه، يجب أن تتولى الحكومة، بداهة، معالجة هذه الشؤون، عوض الكرملين. ولكن، من تطيع أجهزة الأمن والجيش؟ لا شك في ان الدستور الروسي كتب بلغة لا تقبل التأويل. وينيط الدستور شؤون الأمن والدفاع عن سيادة روسيا ووحدتها، ورسم السياسة الخارجية للبلاد بالحكومة. فأي صلاحيات تركت للرئيس الجديد إذاً؟ من أبرز مشاغل ميدفيديف مكافحة الفساد. وهي مهمة فشل فيها سيد الكرملين الحالي، على ما أقر. وهو أخفق فيها لأن مواجهة النخب السياسية والاقتصادية، المتحكمة في الأمور، مسألة خطيرة. عن ناتاليا ميليكوفا،"نيزافيسيمايا غازيتا"الروسية، 18/2/2008