«الرئيس ديمتري ميدفيديف اعتاد الإستلقاء على أريكة مريحة في مكتبه في الكرملين، وإغماض عينيه ليستمتع بحلم الإمساك بمقاليد السلطة الذي يراوده بإستمرار». واحدة من النكات المتداولة على الشبكة العنكبوتية تحت عنوان ما زال حاضرا في المشهد السياسي الروسي بعد مرور عامين على إنتخاب سيد الكرملين. المقصود ليس مصطلح «إزدواجية السلطة» الذي ملأ الدنيا بعد إنتخابات العام 2008، عندما تحدث كثيرون عن سلطة برأسين وعن «تناغم» كامل بين جهازي رئيس البلاد و»زعيم الأمة». لأن «الانسجام» التي بالغ فلاديمير بوتين في الحديث عنه في البداية، الى حد القول أن «دما واحدا يجري في عروقنا»، لم يعد له وجود بعد مرور عامين، بحسب رأي خبراء. الحديث إذا، عن «من صاحب القرار والماسك بمقود القيادة؟»، كما تقول نكتة قديمة عن هدية قدمها بوتين لميدفيديف بعد توليه الرئاسة هي عبارة عن سيارة فاخرة لكن... من دون مقود! مع حلول نهاية العام الماضي كان لافتا التركيز على نتائج إستطلاعات رأي أظهرت أن الروس مازالوا يعتبرون بوتين الحاكم الفعلي، وان نسبة 70 في المئة منهم يمنحون ثقتهم له، في مقابل أكثر بقليل من النصف قالوا إنهم «أيضا يثقون بالرئيس». والغالب أن توقيت نشر هذه النتائج ليس مرتبطا فقط ب»حصيلة العام المنقضي»، لأن المعطيات جاءت بعد مرور وقت قليل على أول مواجهة علنية بين «مركزي القرار»، تمثلت في خلاف على سن قانون التجارة الجديد الذي أقره مجلس الدوما بطلب شخصي مباشر من بوتين لكن الرئيس رده لمزيد من الدراسة وماطل في المصادقة عليه أكثر من مرة. ولا داع لتوضيح أن الحكومة كسبت الجولة ووضع الرئيس توقيعه على الوثيقة في النهاية!. المهم في الموضوع أن هذا الحادث (الذي غطي جيدا في وسائل الإعلام) ترك إنطباعا قويا بأن مرحلة جديدة بدأت، عنوانها إنتقال الحديث عن مطبخ صنع القرار إلى العلن. وسجلت صحيفة مرموقة في روسيا أخيرا، ان التباين إتخذ بعدا واضحا خلال الأزمة المالية التي تأثرت بها الهياكل الإقتصادية الضعيفة أصلا في البلاد، لدرجة أن ميدفيديف فجر أول قنبلة في حينها من العيار الثقيل عندما إتهم الحكومة ب»عدم الفعالية» في مواجهة الأزمة. أيضا، شكلت أزمة إمدادات الغاز الطبيعي نهاية العام الماضي، عنصر إختبار جديد لقدرات الزعيمين. اذ، فيما سعى ميدفيديف الى حلها عبر الدعوة الى تنظيم مؤتمر قمة للإتحاد الأوروبي، قام بوتين «كزعيم حقيقي» بحلها مباشرة عبر مفاوضات ماراثونية استغرقت عشر ساعات مع رئيسة الوزراء الأوكرانية آنذاك يوليا توموتشينكو. ومع مرور عامين على تولي مدفيديف الرئاسة ثمة من سجل بخبث أن الرئيس ورئيس وزرائه ظهرا معا بشكل علني مرات تعد على أصابع اليد الواحدة خلال العامين. ناهيك عن علامات كثيرة أخرى منها أن زيارات الرؤساء والضيوف الأجانب تفقد كثيرا من أهميتها إذا لم يعرج الزائر على مكتب بوتين. ولا يغيب عن وسائل الإعلام، بتوجيه خفي من جهات ما، أن توازن في تغطياتها بين حضور الرئيس و»زعيم الأمة» على الشاشة. وهذه ديبلوماسية في التعامل تماثل حرص المسؤولين من المستويات المختلفة على تزيين جدران مكاتبهم بصورتين من حجم واحد للرجلين. يبقى في مجال المقارنة أن ميدفيديف يتمتع نظريا بصلاحيات كبرى في بلد تمت هندسة الدستور فيه على قياس سيد الكرملين، فهو صاحب اليد الأعلى وقائد الجيش ومقرر السياسة الخارجية الأوحد بحسب الدستور، لكن، هل يمكنه فعلا إطاحة الحكومة؟ أو حتى عزل جنرالات نافذين ؟ أو الإعلان مثلا عن تحول جدي في السياسة الخارجية؟. أسئلة يرد البعض الإجابات عليها إلى عدم تمكن الرئيس من تشكيل طاقم قوي يمنحه مفاتيح تطبيق القرارات إذا تم إتخاذها. علما أن بوتين أنجز تشكيل طاقمه الوفي له حتى الآن، في غضون عامين بعد توليه الرئاسة للمرة الأولى . واحدة من النكات التي تدل إلى معادلة الحكم تقول إن إدارة البروتوكول في الكرملين بذلت جهودا لإفهام ميدفيديف أنه ليس مضطرا الى النهوض عن مقعده كلما دخل عليه بوتين، وجهودا أكبر لإقناع بوتين أن عليه أن يقف عند ظهور الرئيس!