يكاد النقاد يجمعون على أن فؤاد التكرلي الذي وافته المنية أمس في العاصمة الأردنية عمّان عن 81 عاماً، من أبرز محركي تيار الحداثة في الكتابة القصصية والروائية العراقية التي تدين له، ولقلة أمثاله، في تميزها وإضافاتها الى المشهد القصصي العربي. ولد التكرلي العام 1927 في محلة باب الشيخ في وسط بغداد ودرس الحقوق في جامعتها، ثم عين قاضياً فأثّر عمله في سلوكه وكتابته. كان التكرلي قليل الكلام فإذا تكلم فبصوت هادئ، ولا يعنيه كثيراً الظهور في وسائل الإعلام. وهو لم يمارس الصخب والتسرع مثل كثيرين من أهل الأدب والفن في العراق، بل كان يميل الى الصمت والانطواء. وتبدو أعماله هادئة كشخصيته، وداخل هدوئها يكمن العنف في طريقة السرد وفي تكوين الأبطال ومسرح الحدث. في فترة دراسته كتب القصة القصيرة، ولمع اسمه في خمسينات القرن العشرين الى جانب كاتبي القصة عبدالملك نوري وذوالنون أيوب، مشكلين معاً ثلاثي القصة القصيرة الحديثة في العراق. لكنه افترق عنهما سياسياً بنزعته الليبرالية المبكرة التي تلامس اليسار أحياناً، لكنها لا تغرق فيه كحال نوري وأيوب اللذين اندرجا في التيار الماركسي. وربما ساعد ذلك في إبقائه في منصبه القضائي بعد الانقلاب البعثي في شباط فبراير 1963. دخل فؤاد التكرلي بقوة حقل الرواية حين أصدر في السبعينات من القرن العشرين روايته"الرجع البعيد"التي وضعته في مقدم كتاب الرواية العراقيين والعرب، ويصور فيها مرحلة الستينات القلقة في العراق وما شهدت من شروخ سياسية وأخلاقية يصعب تحديد مساراتها بسبب فوضاها الطاغية. وفي"الرجع البعيد"بناء فني متمكن، مع مقاربة للواقع يعبر الكاتب عنها باستخدام العامية العراقية في بعض الحوارات. وبعد"الرجع البعيد"أصدر روايات عدة، قليلة الأحجام لكنها تحتفظ بالتماسك الفني الذي وسم روايته الأولى. والملاحظ ان مهنته كقاض أثرت في كتابته بقدر ما أثرت في شخصه، فاستفاد ككاتب من منصبه، ووصل الأمر به في رواية"التنور"الى كتابة محضر قضائي لمتهم يحكي سيرته. روايات التكرلي تمزج بين الواقعية والتحليل النفسي للشخصيات، وهذا ميزه عن مجايله الروائي الواقعي الاشتراكي غائب طعمة فرمان، ويختلف النقاد مع ميل الى التكرلي في أيهما أحق بريادة الرواية الحديثة في العراق التي انطلقت العام 1919 مع الرائد التاريخي كمال أحمد السيد، حين اصدر رواية"جلال خالد"التي تحكي تجربة شاب عراقي هاجر الى بومباي. وما يقدم التكرلي على غيره انه يلزم نوعاً من الحياد، أو أنه يرسم مسافة تفصله عن الشخصيات والمجتمع موضوع رواياته، فضلاً عن انه تجاوز التأثر بالرواية الروسية الواقعية الى نظيرتها الفرنسية المنفتحة على التجريب. غادر التكرلي العراق في مطلع التسعينات وتنقل بين سورية وتونس، وأقام منذ ثلاث سنوات في عمّان التي توفي فيها بعد إصابته بسرطان البنكرياس. متزوج من الكاتبة التونسية رشيدة التركي ولهما ابن اسمه عبدالرحمن، وللتكرلي ثلاث بنات من زواج سابق.