لا أعتقد أن قصيدة بالعربية عورضت عدد معارضات قصيدة ابن زيدون "الفراقية": أضحى التنائي بديلاً من تدانينا وناب عن طيب لُقيانا تجافينا والواقع ان المراجع القديمة تختلف على بدايتها فهناك من جعلها: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا وهذا مع خلاف في ترتيب الابيات. القصيدة كلها جميلة، واختار منها للقارئ: ليسق عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينا وأيضاً: غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا بأن نغض فقال الدهر آمينا ووجدت في الكتاب"معارضات قصائد ابن زيدون"للدكتور عدنان محمد غزال 25 قصيدة تعارض"فراقية"شاعر الاندلس، لعل أشهرها قصيدة أحمد شوقي: يا نائح الطّلح أشباهُ عوادينا نشجي لواديك ام نأسى لوادينا وكان بين المعارضين حافظ إبراهيم ومصطفى صادق الرافعي وعلي الجارم ومصطفى وهبي التل ونقولا فياض. القصيدة تستحق شهرتها، وكان ابن زيدون فرّ من سجنه في قرطبة الى اشبيلية، إلا أن قلبه بقي مع حبيبته وملهمته ولادة بنت المستكفي في قرطبة فكان ان أرسل اليها قصيدته الخالدة. ربما كانت القصيدة الثانية في عدد المعارضات هي قصيدة الشاعر الاندلسي الضرير أبي الحسن علي الحصري القيرواني: يا ليلُ الصبُّ متى غده/ أقيام الساعة موعده ومنها: نصبت عيناي له شركاً/ في النوم فعزّ تصيّدهُ يا من جحدت عيناه دمي/ وعلى خدّيه تورّده خدّاك قد اعترفا بدمي/ فعلامَ جفونك تجحده وقرأت ان هناك 83 معارضة لها بين أصحابها أبو القاسم الشابي وخير الدين الزركلي ومحمود بيرم التونسي والمعالفة الثلاثة: فوزي وعيسى وقيصر من شعراء المهجر. غير ان أشهر من عارض القصيدة كان أحمد شوقي، ولعل معارضته نادرة في انها أفضل من القصيدة الاصلية، في رأيي الشخصي كطالب أدب، وهذا ما لا يمكن قوله عن معارضة شوقي فراقية ابن زيدون لأن هذه كالنجم الذي يعلو ولا يُعلى عليه. شوقي قال معارضاً: مضناك جفاه مرقده/ وبكاه ورحم عوده والمطلع ليس خير ما في القصيدة حتى لو غناه محمد عبدالوهاب، الا انها رائعة اختار منها: جحدت عيناك زكي دمي/ أكذلك خدُّك يَجحده قد عزَّ شهودي اذ رمتا/ فأشرت لخدِّك أشهده ما بال العاذل يفتح لي/ باب السلوان وأوحده ويقول تكاد تُجنُّ به/ وأقول وأوشك أعبده مولاي وروحي في يده/ قد ضيعها سلمت يده أتوقف هنا لأروي للقراء قصة عن السيدتين سلمى مروة وسلمى الحفار الكزبري، رحمهما الله، وبما انهما رحلتا عنا"والكذب على الميتين"كما نقول، فإنني أضيف أن هذه القصة مسجلة في حياتهما، ضمن هذه الزاوية. كنت رأيت السيدة سلمى الحفار الكزبري وهي تزور السيدة سلمى مروة في دارتها في بيت مري، وسمعت الاولى تدندن: يا ليلُ الصبِّ متى غده... وقلت لها: ستنا، قولي يا ليلُ الصبُّ متى غده. وردت: كيف؟ هي مضاف ومضاف اليه. وقلت مصححاً: لا. الشاعر يقول يا ليلُ، ثم يبدأ جملة جديدة ويسأل الليل: الصبُّ متى غده. ولو كانت الصبِّ لقال يا ليلَ الصبِّ وليس ليلُ، لأن الكلمة تصبح معربة بدل ان تكون مبنية. وقالت السيدة سلمى مروة: دخيلك انت وسيبويه، قطعت كيفنا. أضع بقية هذه الزاوية بتصرف أخينا الدكتور غازي القصيبي، فكل ما سبق كان مقدمة لأصل الى القول انني لم أجد ما أفعل وأنا في رحلة طويلة في الطائرة، فاخترت أن أعارض قصيدة الحصري التي أحفظ أكثرها بعد أن أصابتني قراءة الصحف العربية بيأس من حاضر الأمة ومستقبلها. لست شاعراً لذلك أرجو أن يعذرني الدكتور غازي والقارئ ان أخطأت، والمهم الفكرة، وقلت: ليلُ العربي متى غده/ أقيام الساعة موعده هل صبحٌ آتٍ ننتظرُ/ او ليلٌ باقٍ اسوده عربانٌ صاروا غرباناً/ والنّحس لدينا مرقده جيل مجبول بالفشل/ والصفر الصفر تعدده ما هذي أمة أحمدِه/ أشكو لله وأحمدُه بالأمس خسرنا مَسراه/ وغداً قد ننسى مسجده أهدرنا الحاضر والماضي/ أيضيع بعد غد غدُه أضع كل ما سبق بتصرف الدكتور غازي القصيبي السفير والوزير، وقبلهما الشاعر، للتسلية في إجازة العيد. نشر في العدد: 16685 ت.م: 09-12-2008 ص: الأخيرة ط: الرياض