أمل رئيس رواندا، بول كاغامي "نيوتايمز"الرواندية، ان تقتصر اضطرابات كينيا الإثنية، واحتجاج المعارضة على نتائج الانتخابات في أوائل شباط فبراير، على فورة سريعة،"فلا تؤول الأوضاع بكينيا الى ما آلت إليه برواندا". ودعا الأفريقيين الى المعالجة، و"دعم مساعي امين عام الأممالمتحدة السابق، كوفي أنان". وألقت ستيفاني براكيه بتبعات العنف المنظم، وهو توسل بالفروق القومية بين الجماعات الكبيرة مثل الكالينجين والكوكويو ولوهياس وكيسيليس وبنزاعها على الأراضي الخصبة في الوادي المتصدع، ألقت بتبعاته على القيادات المحلية والمتوسطة، وعلى بعض أجهزة الدولة والشرطة العسكرية أولها. وترد الباحثة انفجار العنف الى رعاية"أبو الأمة"جومو كينياتا قومه الكوكويو، وشرائهم الأراضي الغنية بعد الاستقلال، وتقديمهم العمال من قومهم على الرحّل من قوم الكالينجين. وحاول دانيال آراب موي 1978 ? 2002 تعديل الميزان. فربط المنطقة الإدارية بدائرة القوم وسكنهم. واليوم، تدمر الجماعات المسلحة، القومية، طرق المواصلات والتموين في مناطقها الإقليمية، وتتسبب في خسارة موارد مشتركة، وفي أزمات تموين بأوغندا وبوروندي ورواندا. وحملت"لوميساجيه"الكاميرونية مسير المتمردين والمعارضين التشاديين على نجامينا العاصمة والرئيس إدريس ديبي في الأسبوع الثاني من شباط فبراير حملته على التنازع على النفط وعائداته. فمنذ اكتشاف الذهب الأسود تعاقبت خمسة انقلابات. وعدّل ديبي الدستور في ولايته الثالثة 1996، 2001، 2006، ومنح نفسه الحق في ولاية رابعة، موعد ابتدائها في 2011، حرصاً منه على"رعاية"العائدات المتوقعة من بيع 225 ألف برميل من النفط الخام في اليوم. وعائدات النفط ليست وحدها الباعث على تمرد قوم غوران على ديبي وحاشيته. فالحكم السوداني يريد تنحية ديبي، ويأخذ عليه مساندة متمردي دارفور عليه. وعلى خلاف عمر حسن البشير لا يطيق معمر القذافي الجنرال محمد نوري، زعيم المتمردين التشاديين. فنوري كان قائد القوات التشادية التي أنزلت هزيمة ساحقة بالقوات الليبية في أواخر الثمانينات الماضية، على ما يذكر كريستوف عياد "ليبراسيون". وقادة فصيل آخر من المتمردين، من قوم زغاوة الذي ينتسب إليه ديبي، هم أولاد أخت الرئيس. وخلاف هؤلاء مع ديبي على النفط. ويقود الفريق المتمرد الثالث عربي هو عبدالوحيد عبود ماكاي. والخليط القومي هذا متنافر. والمعارضة التشادية بين نار الرئيس المستبد والفاسد وبين نار متمردين متناحرين. وكتب كوفي أنان، أمين عام الأممالمتحدة السابق والوسيط في النزاع الأهلي الكيني، أن الخطوة الأولى على طريق التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية"إهانة يوجهها فرد الى فرد آخر". ويعتذر أنان عن قلة درايته بحال رواندا حين انفجرت أعمال الإبادة فيها، في 1994، وكان يومها نائب الأمين العام في قيادة قوات حفظ السلام. ويرد الأمين العام السابق على من ينكرون مسؤوليتهم الأفريقية عن الحروب الداخلية، فيقول:"إن داء الحروب الأهلية هذا سرطان ينهشنا من داخل وعلينا علاجه". ويحمّل الهيكلية الدستورية الكينية مسؤولية عن الاقتتال:"فهي لا تتولى توزيع السلطة منصفاً، والرئاسة نافذة جداً، ومصدر شكوى الجماعات الثائرة. وحين تثور الجماعات وتنقسم، لا جدوى ترجى من الجيش". و"مرض"الاستئثار بالسلطة، وبمنافعها، أفريقي. فالسلطة هي الطريق الى الإثراء، وليس العكس. وينوه غيوم سورو، رئيس الحكومة العاجي الانتقالي، في"جون افريك"الأفريقية الفرنسية، بتخطيه هو والرئيس لوران غباغبو نزاع الشماليين والجنوبيين من طريق الحوار، في مناسبة انقضاء سنة على ترؤسه الحكومة الائتلافية. وميزة الحكومة، على قوله، هي اشتراك القوى السياسية الست البارزة والفاعلة فيها. ومن طريقها حصل 380 ألف مواطن إضافي على أوراق ثبوت مواطنيتهم العاجية. وتتولى هيئة تقنية تسجيل السكان في السجلات الانتخابية. والأمران مقدمة لا غنى عنها للانتخابات شأن نزع سلاح القوتين المتحاربتين، وتسريح أفرادهما ودمجهم في قوات مسلحة وطنية واحدة. ومسرح نزع السلاح الحقيقي هو النفوس: ففي كينيا قتل 1500 كيني من غير سلاح ناري أو مسلحين منظمين. وغداة مهاجمة المتمردين القصر الرئاسي بمقديشو، في أواخر آذار مارس، ردت القوات الأثيوبية"الحليفة"بقصف بعض أسواق المدينة، وقتل 17 صومالياً وجرح 50 آخرون. وأجلى القتال العشوائي، في الأسابيع الأخيرة، 600 ألف صومالي الى خارج البلاد. وغداة مقتل ثلاثة من"أطباء بلا حدود"في انفجار عبوة، غادر عمال الإغاثة الأجانب، وانقطعت شحنات الأغذية عن معظم النواحي الصومالية بعدما دعا مسؤول حكومي الأهالي الى الاستيلاء على قوافل الغذاء بالقوة. واغتيل، في 2007، 40 إدارياً كبيراً ومثقفاً. فاستقال 60 موظفاً، والإسلاميون المعتدلون يسقطون برصاص"منظمة الشباب"التي خلفت"اتحاد المحاكم الإسلامية". ولا تستبعد القوات الإثيوبية الانسحاب في وقت غير بعيد. وعينت الأممالمتحدة وسيطاً يتوقع استجابة"المحاكم"، وعدول واشنطن عن سياستها، على ما ينقل عنه سكوت جونسون وجيسون ماكلور في"نيوزويك"الأميركية. ولم يفاجئ رفض محكمة زيمبابوي العليا إصدار أمر بإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في 29 آذار مارس فوراً. فالقضاة يدينون بمناصبهم للحزب الحاكم. ومعيار اختيارهم هو انقيادهم الى سلطة موغابي. وتقول غوغوليتو مويو، وهي محامية من زيمبابوي، في"أندبندنت"البريطانية إن القاضي تينداي اوشينا، وهو الذي حكم برد طلب المعارضة إعلان النتائج، يدين بمنصبه الى ابن عمه رئيس المحكمة العليا السابق، بادينغتون غايرو. وعهد موغابي الى غايرو هذا بتطهير القضاء والإدارة. ويعلق تقرير المنظمة غير الحكومية"ايناف بروجيكت"على الأزمة التشادية المتمادية منذ هجوم المتمردين على نجامينا في آخر كانون الثاني يناير، فغداة محاولة الانقلاب الأخيرة عمدت حكومة ديبي الى مطاردة المعارضة غير المسلحة، فاعتقلت قادتها، وحملت من لم تعتقلهم على الالتجاء الى دول مجاورة أو على الاختفاء والعمل السري. وصمت المجتمع الدولي عن هذا، وخاب انتظار التشاديين حلاً سلمياً، بينما تتخبط المنطقة في حرب مزمنة. وفي الأثناء يتعاظم نفوذ الصين مع تعاظم علاقاتها التجارية. وتوثق الولاياتالمتحدة حلفاً مناهضاً للإرهاب، وتشكو باريس ضعف حياد الدولة بين المتنازعين. وتشاد جسر بين شمال أفريقية وغربها ووسطها، وملجأ المتطرفين. وبينما يميل الرئيس التشادي الى نشر قوة سلام أوروبية، ولا يبخل بمساعدة بعض الجماعات المتمردة بدارفور، يعارض الرئيس السوداني نشر هذه القوة. وتخوف اندرو إس ناتسيو، مبعوث واشنطن الخاص الى السودان في 2006 ? 2007، في"فورين أفيرز"، من"تفكك السودان وتخبطه في أزمة كبيرة"إذا لم تنظم"انتخابات حرة يشارك فيها الأطراف كلهم، وتنهي عقدين من الحكم الاستبدادي". ويقتضي إنهاء أزمة دارفور"إرساء السلام بين الجنوب والشمال". فالمفاوضات بين الشمال والجنوب، في 2003، دعت تحالف قبائل الفور والمساليت والزغاوة في شرق السودان، الى التمرد على الحكومة، ومهاجمة مراكز الجيش والشرطة وبعض المرافق العامة. فردت الحكومة"بشن حملة إبادة قومية عرقية على القرى التي يتحدر منها متمردو دارفور، خشية أن تحتذي الأقوام الأخرى بهم". وبعد توقيع الاتفاق مع الجنوب، في 2005، قطع عمر البشير عوائد النفط عن الجنوب، وألغى إجراء سحب الضباط الشماليين منه، على خلاف نص الاتفاق. واستقال سالفا كير من حكومة الوحدة الوطنية احتجاجاً على رفض الخرطوم حل قضية أبيي الغنية بالنفط. وفاجأت استقالة كير البشير. فحكومته"لم تعهد أن يشاركها أحد في إملاء شروط التفاوض وظروفه"واستضافت حكومة الجنوب الشيخ موسى هلال، أحد قادة الجنجاويد البارزين، بجوبا. فبعثت استمالة أحد كبار المسؤولين عن حرب الإبادة الذعر في الخرطوم. وانقلب ميزان القوى لمصلحة الجنوب. ويخشى الشماليون سيطرة النازحين على المثلث العربي في شمال شرقي السودان. نشر في العدد: 16707 ت.م: 31-12-2008 ص: 29 ط: الرياض