لا يسعنا إلا تهنئة الشعب الفينزويلي على التزامه النهج الذي انتهجه في 23 تشرين الثاني نوفمبر، إبان الانتخابات المحلية والبلدية. فعلى رغم خطب الرئيس الناشزة وبعض ردود المعارضة، كان الشعب الفينزويلي والهيئات التي تولت الإشراف على الانتخابات مثالاً على أميركا اللاتينية الاحتذاء عليه، تمدناً وديموقراطية وشفافية. وعلى دانيال أورتيغا، أقوى حلفاء هوغو تشافيز، خصوصاً الاقتداء بالفينزويليين. فمن وجه، استطاعت المعارضة، بعد عشر سنوات من التواري الانتخابي والسياسي، إثبات وزنها. فهي فازت بالولايات الثلاث الأرجح ثقلاً سياسياً واقتصادياً - وهي زوليا وكارابوبو وميراندا -، الى ولايتي نوويفا اسبارتا وتاتنميرا، وبلدية كاراكاس، العاصمة. ويقتضي فوزها هذا اضطلاعها بالتصدي لمسائل وتحديات ذات شأن، وهي بلغت ما بلغته جراء تحالف الاحزاب المتفرقة التي ائتلفت، ورشحت الى الانتخابات مرشحين اجتمعت وراءهم وساندتهم، فعليها، والحال هذه، أن تعد العدة لانتخابات 2010 التشريعية، وهي انتخابات أصعب من تلك التي خاضتها لتوّها. وليست خلافات أحزاب المعارضة وتبايناتها سراً. ويتهددها هذا بالضعف. وقد تحول مطامح زعيمي المعارضة، مانويل روزاليس، من حزب نوويفا تييمبو، الفائز ببلدية ماراكاييو، وخوليو بورخيس، رئيس بريميرو يوستينيا، وهما حزبان جديدان أثبتا قوتهما، دون تقوية التحالفات الثمينة باعتراض طريق تشافيز. وأخفق الحزبان التقليديان، الحزب الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي - الديموقراطي، في الانتفاض والانبعاث. وهما يحاولان التخفف من أعباء ماضيهما الذي يحمّله كثيرون تبعة استيلاء تشافيز على السلطة. ويهم أفولهما في تثبيت أركان الاحزاب الجديدة ونضوجها. وتتصور المعارضة، الى اليوم، في صورة قوى مناوئة للرئيس تشافيز واشتراكيته. ولا يبدو واضحاً ما تسعى فيه وتريده وراء عداوتها هذه. وتردي أسعار النفط يدعو المعارضة الى الاستفادة من الصفحة الجديدة، واقتراح اجراءات تؤدي الى النمو على أسس مختلفة، وتقنع الناخبين، وتتماسك في اطار خطة لا ترتهن بالنفط وحده. ولا ينبغي التقليل من شأن انتصار"التشافيزية"في الأعوام الأخيرة، منذ انتصار الثورة البوليفارية. ففي الأثناء، أزاح انقلاب دام 48 ساعة تشافيز عن كرسيه في نيسان/ابريل 2002، ودعي الفينزويليون الى إضرابين عامين، وانتصر تشافيز في استفتاء على إقالته آب/اغسطس 2004، وخسر استفتاء على اصلاح دستوري، وتوالت التظاهرات، واشتد النازع الى الاستقطاب والتعصب. ولم تفلح هذه في تقليل قاعدة تشافيز تقليصاً حاداً. وهو فاز بغالبية ساحقة في 17 ولاية من 22. وهذا قرينة على أن خططه لا تزال تتمتع بمساندة شعبية قوية. وقد يكون مبكراً القول إن المشروع الثوري آذن على الأفول. ولكن على الحكومة السؤال عن أسباب خسارة الوجوه التشافيزية البارزة، من أمثال ديوسدا دو كابيو في ميراندا وماريو سيلفا كارابوبو وأريستو بولو استوريز كاراكاس، الانتخابات. فلا شك في برهان الانتخابات على دوام تشافيز"عاملاً انتخابياً قوياً"، على الوجهين: وجه جمع الأنصار ووجه التكتيل حول المعارضة. وتهب رياح اقتصادية جديدة على فينزويلا، الى رياح سياسية تحمل على الأمل في تعددية سياسية منفتحة، وفي تنوع الآراء السياسية. وانعقاد هذا يحتاج الى قائد سياسي قادر على جمع المذاهب والميول الايديولوجية، وتنسيقها في ما يتعدى القرف من"الكاوديو". عن"إل إسبيكتادور"الكولومبية، 26/11/2008 نشر في العدد: 16679 ت.م: 03-12-2008 ص: 24 ط: الرياض