في الأعياد والمناسبات، وفي النزهات وفي الرحلات، وفي الحفلات، يسرف الناس في تناول الطعام، لا بل ان كثيرين ان لم يكن الجميع، يحولونه الى تظاهرة فيلتهمون كمية ضخمة منه ويبالغون في دك المعدة بانواع معينة كاللحومات والدسم والحلويات، وذلك في شكل يغلب عليه الجشع. ولكن هذا السلوك كثيراً ما لا يمر على خير من الناحية الصحية. صحيح ان الطعام يفرش على الطاولة بكميات ضخمة، ولكن هذا لا يعني انه يجب التهام كمية كبيرة منه، بل على كل شخص، ان يعرف حده ويتوقف عنده، اي يجب ان يتناول ما يحتاجه من الوان الطعام من دون افراط ولا تفريط. ان تناول وجبة طعام كبيرة قد يساهم في زيادة خطر وقوع نوبة قلبية بعد التهام الوجبة، هذا ما أكدته دراسة بريطانية سابقة أشرف عليها الدكتور فرنسيسكو لوبيز خومينيز زميل كلية الطب في برمنغهام ومستشفى النساء في بوسطن، وشملت حوالى 2000 شخص اصيبوا بالنوبة القلبية، وبعد استطلاع آراء هولاء تبين ان النوبة حصلت لهم بعد ساعتين من تناول وجبة طعام كبيرة. وفي معرض تعليقه على نتيجة الدراسة قال المشرف على الدراسة خومينيز"نحن لا نلوم الوجبة الكبيرة ولكننا نلوم الشخص الذي يجلس حتى ينتهي منها، يجب على كل شخص ان يقدر حجم الوجبة الطبيعي المناسب له، فالضخامة لا تعني بالضرورة تناول وجبة ضخمة، بل تناول حاجتك الغذائية منها". اما لماذا لا يجب ان نأكل كمية ضخمة من الطعام فيفسره ديفيد بيرو استاذ الأمراض الهضمية في كلية طب فيرجينيا بقوله انه عقب تناول الطعام يعمل القلب في شكل أسرع وأقوى لهضم الغذاء، وكلما تمت المبالغة في تناول الأكل زاد العبء على القلب، وهذا من شأنه ان يوجد مشكلة لدى من لديه استعداد للإصابة بالنوبة القلبية، مثل وجود عوامل خطرة كالتدخين، وارتفاع الكوليستيرول في الدم، وارتفاع ضغط الدم وغيرها من العوامل التي تسهل الإصابة بالأزمة القلبية. ان التخمة لا توجد عبئاً على المعدة وبقية أعضاء الجهاز الهضمي، كما يتوهم البعض بل تخلق عبئاً ثقيلاً على أهم عضو حيوي في الجسم ألا وهو القلب. هذا ما يمكن قوله عن مساوئ استهلاك كمية ضخمة من الطعام، اما عن النوعية فحدث ولا حرج وفي هذا السياق يمكن ايراد الملاحظات الآتية: في حفلات الأعياد يميل الناس الى الإفراط في استهلاك اللحوم، وهذا الأمر لا يناسب الأصحاء فما بالكم بالمرضى؟ على المصابين بعسر الهضم، والقرحة المعدية والإثني عشرية، وفتق الحجاب الحاجز، والقولون العصبي، والتهابات المريء، وعلل في الكبد والمرارة، ومرض النقرس، وقصور الكلى، ألا يبالغوا في التهام اللحوم لتفادي وقوع المحظور، خصوصاً المصابين بقصور في وظائف الكبد، فتناول كمية كبيرة من اللحم دفعة واحدة يمكن ان يقود صاحبها الى الغيبوبة الكبدية، الأمر الذي يمثل خطورة كبيرة على حياته. والإكثار من أكل البروتينات من قبل الذين يعانون من القصور الكلوي، يسبب ارتفاع البولة الدموية والكرياتينين، وهذا ما قد يجعل الحالة الصحية تتدهور نحو الأسوأ. كما ان المبالغة في التهام البروتينات لا يناسب مرضى النقرس لأنها ترفع مستوى حامض البول وتسرّع من حدوث نوبة النقرس المؤلمة التي يمكن ان توقظ صاحبها من عز النوم. وفي ولائم المناسبات يسرف بعضهم في استهلاك المواد الدسمة والمرق المشبع بها، فهذا السلوك يؤدي الى تحريك الحصوات في المرارة، وقد تذهب احداها أو أكثر الى القناة المرارية فتسدها وتوقع صاحبها تحت رحمة عوارض كثيرة مثل المغص القاتل، والإعياء الشديد، والغثيان والتقيؤات، وانتفاخ البطن، وعسر الهضم. والمبالغة في استهلاك الأطعمة الدسمة يسبب فرطاً في افراز حوامض المعدة وبالتالي المعاناة من الحرقة المعدية وفي ايقاظ القرحة من غفوتها. وعلى صعيد الوجبة العارمة بالدسم أشارت دراسة الى ان وظائف الأوعية الدموية تتعرض للخلل مدة ساعات بعد استهلاك وجبة تعج بالدهون، وهذا الخلل يصل الى القمة في غضون اربع ساعات من تناول الوجبة، وفي حال توالي استهلاك الوجبات العالية الدسم فانه يترك آثاراً سلبية تراكمية تمهد الطريق نحو استيطان تصلب الشرايين الذي يمهد للتعرض للأزمات القلبية الوعائية. وتفيد الدراسة التي نشرت في المجلة الأوروبية للفيزيولوجيا التطبيقية ان الوجبات التي تحوي كمية كبيرة من الدهون تقلل من قدرة الأوعية الدموية على التوسع والإنقباض استجابة لتدفق الدم، وخلصت الدراسة الى انه يمكن ابطال هذا المفعول السلبي بالتدريبات الرياضية القوية خلال ساعتين من تناول الوجبة. وفي اطار الوجبات الدسمة أفاد علماء يابانيون ان تناول مثل هذه الوجبات يسبب ارتفاع الشحوم في الدم، وهذه تقوم بدورها في تحفيز انتاج الشوارد الكيماوية الحرة التي تسبب تصلب الأوعية الدموية وانقباضها في صورة موقتة، خصوصاً عند من يعانون من أمراض قلبية وعائية. ولفت باحثون من الجمعية الأميركية للتغذية السريرية الى ان الوجبات الدسمة قد تكون الضربة القاضية للمصابين بأمراض في القلب، وانها تسبب تصلب الشرايين عند الأصحاء. وكالعادة فمسك ختام الوجبات الدسمة الغنية بالبروتينات هو تناول الحلويات في شكل مبالغ فيه فتحدث بلبلة على صعيد مستوى السكر في الدم وعلى صعيد افراز هرمون الأنسولين. واذا شكلت السكريات أكثر من 25 في المئة من الوجبة فان النعاس والكسل والتعب وضعف القدرة على التركيز وتبدل المزاج ستكون غالباً في الانتظار. هذا على المدى القصير، اما على المدى البعيد فان استهلاك السكريات بكثرة يمكن ان يقلل من حساسية خلايا الجسم تجاه الأنسولين، فتحدث حالة تعرف بمقاومة الأنسولين، وهذه المقاومة لها مضاعفات كثيرة تتمثل في نشوء جملة من المشاكل المرضية منها: - فرط شحوم الدم الثلاثية. - ازدياد الكوليستيرول السيئ في الدم. - نقص الكوليستيرول الجيد في الدم. - ارتفاع حامض البول. - ارتفاع ارقام التوتر الشرياني. - الداء السكري النوع الثاني. - زيادة الاستعداد لتخثر الدم. - ظهور الأبومين في البول. - تشحم الكبد. - تصلب الشرايين. أخيراً، لا بأس من تناول انواع متعددة من الطعام، ولكن بكمية قليلة ومن دون مبالغات في بعض الأنواع على حساب أخرى، فالإعتدال ثم الإعتدال هو سيد الأحوال، والسبيل الأسلم لدفع الندم لاحقاً. وفي هذا الإطار فإن النصائح الآتية مجدية: 1- مضغ الطعام جيداً، لأنه يساعد على الهضم. 2- تناول الطعام في ببطء وهدوء، فالتسرع في الأكل يدفع الى استهلاك المزيد من الطعام. 3- الإقتصار على تناول كميات قليلة. 4- اختيار أنواع الأكل الصحية وهجر الأنواع السيئة. 5- التوقف عن الأكل عند ظهور أول بادرة للشبع، وعدم الإصرار على انهاء كل ما في الصحن من مآكل. 6- عدم اللجوء الى اعتماد اسلوب التجويع قبل الذهاب الى الحفلة أو العشاء، وتناول وجبة خفيفة اذا دعت الضرورة. نشر في العدد: 16701 ت.م: 25-12-2008 ص: 27 ط: الرياض