سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خليفة بن زايد ل "الحياة" : ندعو إلى دعم العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية . حريصون على هويتنا الوطنية وتعاملنا مع التركيبة السكانية لا يخل بالتزاماتنا الإنسانية والدولية
أعرب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عن أمله في أن تلعب الولاياتالمتحدة برئاسة باراك أوباما دوراً متزايداً في تحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط وترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة الخليج. وقال الشيخ خليفة إن مطالبة بلاده باستعادة الجزر الثلاث التي تحتلها إيران لا تلغي إمكان قيام علاقات تعاون وانفتاح بين الجانبين. وذكّر بموقف الإمارات الداعي إلى نزع السلاح النووي من الشرق الأوسط آملاً في أن تُطمئن إيران المجتمع الدولي بشأن سلمية برنامجها النووي. وأكد أن قيام منظومة أمن خليجية تشارك فيها إيران يجب أن يسبقه توافق في الرؤى حول أمن الخليج واستقراره. ورأى أن المستجدات الإقليمية والدولية تضع على قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المقررة بعد أيام في مسقط مسؤوليات مضاعفة لبلورة رؤية موحدة وشاملة إلى جانب المضي في تفعيل الاتفاقات على صعيد العمل الخليجي المشترك. وقال الشيخ خليفة إن دولة الإمارات تتعامل مع موضوع التركيبة السكانية بشكل حضاري ومن دون الإخلال بالتزاماتها الإنسانية والدولية وفي إطار حرصها على الهوية الوطنية. جاء ذلك في حديث أدلى به الشيخ خليفة بن زايد إلى "الحياة" في أبوظبي وشارك فيه مدير مكتب "الحياة" في الإمارات الزميل شفيق الأسدي. وفي ما يأتي نص الحوار: العنوان الكبير على الصعيد العالمي هو انتخاب باراك أوباما رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأميركية. ما هي رؤيتكم لوجود رئيس جديد في البيت الأبيض وتأثيره على العلاقات الإماراتية الأميركية، ومستقبل الوضع في الخليج والشرق الأوسط؟ - اتسمت علاقاتنا بالولاياتالمتحدة الأميركية، في الفترات الماضية بالصداقة والتعاون في مختلف المجالات. ونعتقد ان علاقاتنا مع الإدارة الأميركية الجديدة ستكون امتداداً واستمراراً لما اتسمت به هذه العلاقات، والبناء عليها وتعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين. ولا شك في ان الولاياتالمتحدة الأميركية بما تضطلع به من إمكانات وما لها من دور رئيسي في حفظ السلم والأمن العالميين تتحمل مسؤوليات خاصة تجاه مناطق النزاع والتوتر في العالم. كلنا نأمل بأن تمارس الولاياتالمتحدة دوراً متزايداً في عهد إدارة الرئيس الجديد باراك أوباما لتحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط وترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة الخليج. في ضوء الموقف الثابت لدولة الإمارات من مسألة جزرها الثلاث التي تحتلها إيران، نرى أن العلاقات الإماراتية - الإيرانية تمرّ بمنعطفات بين فترة وأخرى، وكان الجديد في ذلك زيارة وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد لطهران وتوقيع اتفاق بين الطرفين لإنشاء لجنة مشتركة بين البلدين. كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقات بين البلدين وهل تعتقدون بأن استمرار الحوار مع طهران سيؤدي إلى حل لقضية الجزر؟ - إيران دولة جارة مسلمة، وعلاقاتنا معها تأخذ أشكالاً وأبعاداً مختلفة وتربطنا بها مصالح متعددة وكبيرة. ولذا كنا نرى وما زلنا، منذ فترة طويلة، أن مطالبنا باستعادة جزرنا الثلاث التي تحتلها إيران منذ العام 1971 سواء من خلال المفاوضات المباشرة او من خلال اللجوء للتحكيم الدولي لا تلغي إمكان إقامة علاقات تعاون وانفتاح بين الجانبين بما يعزز أمن واستقرار منطقة الخليج وزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين بلدينا. ومن هذا المنطلق كانت زيارة وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد الأخيرة لطهران والاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لبحث كامل المواضيع التي تهم الجانبين. ونحن نأمل في ان يتم مستقبلاً طرح مسألة الجزر على جدول أعمال هذه اللجنة، وبدء حوار إيجابي وجاد بين البلدين بشأن هذه القضية، بما يواكب تطلعاتنا لزيادة أواصر التعاون بيننا وبين إيران وبما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة. يكثر الحديث الآن عن إنشاء منظومة أمن خليجية تشارك فيها إيران، ما هو موقف الإمارات من مثل هذا الطرح؟ - أمن واستقرار المنطقة هدف لجميع دول المنطقة، ولذا يتعين على جميع دول الخليج بذل الجهود والإمكانات للوصول إلى هذا الهدف. ونحن على ثقة من ان توحيد الجهود لتحقيق أمن المنطقة واستقرارها يتطلب رؤية جماعية لمفهوم الأمن والاستقرار في المنطقة، ونرى ان مجموعة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تمكنت من وضع رؤية واضحة لمفهوم السلم والأمن الإقليميين في منطقة الخليج، وهي تبذل جهوداً واضحة ومتواصلة لنزع فتيل أي تفجير في المنطقة، ولا بد ان نرى تحركاً مماثلاً من قبل الدول الأخرى في المنطقة خصوصاً وأن منطقة الخليج بما تمتلكه من ثروات وبما تمثله من شريان حيوي للنفط والملاحة الدولية تتداخل فيه المصالح الإقليمية والدولية. ولهذا لا بد ان تتوافق الرؤى حول أمن واستقرار الخليج قبل الحديث عن إنشاء منظومة أمن الخليج. كثر الحديث أيضاً عن مواجهة أميركية - إيرانية أو مواجهة غربية - إيرانية بسبب الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني. هل ترون أن المواجهة قد تراجعت بعد انتخاب أوباما رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأميركية. وما هي رؤيتكم للخروج من هذه المشكلة؟ - المواجهة العسكرية في منطقة الخليج أمر مرفوض من حيث المبدأ لأننا نؤمن بالحلول السلمية للخلافات. أما بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني فقد بات اليوم مسألة دولية خارجة عن النطاق الإقليمي للخليج. ونحن نرى دائماً ضرورة درء الخطر النووي والعسكري عن منطقتنا، ونؤمن بضرورة نزع السلاح النووي من الشرق الأوسط بشكل عام والالتزام باتفاقات منع انتشار الأسلحة النووية. واننا نأمل في أن تُطمئن إيران المجتمع الدولي بشأن سلمية برنامجها النووي، خصوصاً وأننا نؤكد على حق جميع الدول بما فيها إيران امتلاك الطاقة النووية السلمية. وماذا عن البرنامج النووي الإماراتي وما هي الخطوات التي تم إنجازها حتى الآن في ضوء تفهّم دول العالم لسلمية هذا البرنامج واستعدادها للتعاون مع الإمارات في تنفيذه؟ - إن العنوان الرئيسي والأساسي لبرنامجنا النووي هو سلمية هذا البرنامج في إطار من الشفافية الكاملة والمطلقة. وبدأ تفكيرنا لإطلاق هذا البرنامج من رؤيتنا لاحتياجاتنا المستقبلية من الطاقة التي تتزايد باستمرار مع توسعاتنا التنموية في مختلف القطاعات والتي تتطلب مزيداً من الطاقة الكهربائية. ونحن نعتقد ان سجلنا وصدقيتنا في سياستنا الخارجية وفرا لهذا البرنامج، ومنذ انطلاقته بدءاً من مراحل الدراسات الأولية وحتى المراحل الأكثر تقدماً، تعاوناً دولياً وتأييداً من جميع الدول والمنظمات الدولية المعنية. نحن راضون ومرتاحون للخطوات التي تمت في هذا المجال، ومن أبرزها توقيع الإمارات اتفاقات مع عدد من الدول المتقدمة في مجال الطاقة النووية السلمية. ونأمل في أن نحقق خطوات متسارعة في تنفيذ برنامجنا النووي السلمي وفق أرقى معايير الأمن والسلامة. وان يكون ذلك نموذجاً للدول الأخرى في المنطقة. نشطت الحركة السياسية والديبلوماسية في الفترة الأخيرة بين الإماراتوالعراق، وأرسلت الإمارات سفيرها إلى بغداد، وأسقطت الديون عنها. كيف تنظرون إلى مستقبل الوضع في العراق في ضوء المتغيرات الكثيرة التي حدثت حتى الآن محلياً وعالمياً، وما هي رؤيتكم لوضع العراق في إطار المنظومة الخليجية والعربية؟ - نحن مرتاحون لتطور علاقاتنا مع العراق الشقيق والتي كانت على الدوام وستبقى تستند إلى إيماننا بوحدة العراق واستقراره وأمنه. ومن هذا المنطلق جاء قرارنا بإسقاط ديوننا المترتبة على العراق وتسمية سفير لبلادنا في بغداد وتفعيل وتنشيط سفارتنا فيها. اننا نؤمن بأن أمن العراق واستقراره بما يملك من موقع استراتيجي وقوى فاعلة سينعكس على منطقتنا بشكل عام، ولذا لا بد لدول المنطقة من الانفتاح الإيجابي على العراق، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وتوفير كل أشكال الدعم والمساندة للشعب العراقي وحكومته لتخطي الأزمات. نحن مرتاحون لتراجع وتيرة العنف في الشارع العراقي، وإننا على ثقة بأن العراق الشقيق سيتعافى من كل المخاطر والتحديات التي يواجهها ويكرّس وحدته الوطنية ليأخذ دوره الطبيعي في إطار المنظومة الخليجية والعربية والدولية. كيف تنظرون إلى الوضع الفلسطيني في ضوء الانقسام الفلسطيني الداخلي، والتغيير في البيت الأبيض، والانتخابات الإسرائيلية القادمة. هل ترون أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط ما زال يحظى بفرصة في المستقبل القريب؟ - لقد دعونا ولا نزال ندعو إلى وحدة الصف الفلسطيني والاستجابة للمبادرات العربية الكثيرة والجهود التي بذلت وما زالت تبذل حتى الآن لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، لأنها الطريق الوحيد أمام الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه وإقامة دولته المستقلة. ونحن متأكدون أن أي رؤية دولية بما فيها رؤية الإدارة الأميركية الجديدة نحو القضية الفلسطينية ستكون أكثر إيجابية بمقدار ما يكون الصف الفلسطيني موحداً. إننا في دولة الإمارات نؤيد باستمرار أي جهد عربي لتحقيق الوفاق الفلسطيني كما ندعم أي جهد لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل على مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وإننا نأمل في أن يساعد التحرك الأخير الذي تم في مجلس الأمن الدولي إلى تحريك عملية السلام بصورة فعالة وسريعة كما نأمل أن تأخذ الإدارة الأميركية الجديدة والمجتمع الدولي خطوات جادة لتنفيذ هذا القرار. كيف تنظرون إلى التطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ اتفاق الدوحة مروراً بانتخاب رئيس لبناني، وحركة المصالحة بين مختلف الأطراف اللبنانيين، واستئناف الحوار اللبناني، والاتفاق على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين سورية ولبنان. وما هو الدور الذي يمكن للإمارات ان تلعبه من خلال علاقاتها المميزة مع لبنان لدفع عملية الحوار مروراً بالانتخابات البرلمانية القادمة؟ - إننا نتطلع بكثير من التفاؤل والأمل إلى الخطوات التي تحققت في لبنان لجهة إنجاز الوفاق الوطني، والتي انطلقت من اتفاق الدوحة ومروراً بانتخاب الرئيس اللبناني الجديد وإعادة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وانطلاق عملية الحوار وصولاً إلى التحضير للانتخابات البرلمانية. كما أننا نقدر عالياً الاتفاق السوري اللبناني لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين سورية ولبنان، وبما يؤسس لعلاقات سورية لبنانية على أسس من العلاقات الأخوية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين. إننا في دولة الإمارات لن ندّخر جهداً لتعزيز ودعم مواقف أشقائنا في لبنان لإنجاز برنامجهم الوطني على مختلف المستويات. وكما تعرفون فإننا وجّهنا دعوة مفتوحة لفخامة الرئيس اللبناني ميشال سليمان لزيارة دولة الإمارات، وإننا نتطلع إلى لقائه في وقت قريب. ونعتقد أن هذا اللقاء سيكون مناسبة للوقوف على التطورات الإيجابية التي يشهدها لبنان والدور الذي يمكن لدولة الإمارات ان تقوم به في إطار تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال الفترة الأخيرة وبما يحفظ أمن واستقرار لبنان. كشفت مصادر عالمية عن توجه الإمارات لشراء منظومة صاروخية للدفاع الجوي. أين تقع هذه الخطوة في برنامج الإمارات التسليحي وما الهدف منها؟ - إننا ننطلق في برنامجنا التسليحي من رؤيتنا إلى أن الأمن والسلام يحتاج دائماً إلى القوة التي تدافع عنه وتحميه. ولذلك جاء برنامجنا التسليحي على الدوام برنامجاً دفاعياً يقوم على توفير ما هو ضروري لتعزيز قواتنا المسلحة ورفع جهوزيتها. تنعقد نهاية الشهر الحالي القمة الخليجية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. كيف تنظرون إلى هذه القمة، وأهم القضايا التي ستبحثها؟ - إننا نتطلع إلى انعقاد القمة الخليجية نهاية الشهر الجاري في مسقط، ونرى في انعقاد هذه القمة التي ستستضيفها سلطنة عمان الشقيقة برئاسة أخينا جلالة السلطان قابوس بن سعيد في هذه المرحلة بالذات يكتسب أهمية خاصة نظراً للتطورات التي تشهدها المنطقة والعالم. الأمر الذي يضع أمام قمتنا في مسقط مسؤوليات مضاعفة لتوحيد الجهود للخروج برؤية موحدة وشاملة للتعامل مع المستجدات على الساحتين الإقليمية والعالمية، إلى جانب المضي في تفعيل الاتفاقات التي تم إنجازها على صعيد العمل الخليجي المشترك، وتسريع الخطى بإنجاز ما نتطلع إليه من اتفاقات قادمة، وخصوصاً لجهة إصدار العملة الخليجية المشتركة وتعزيز السوق الخليجية المشتركة، وتحقيق المواطنة الخليجية بكل ما تحمله من معانٍ، إضافة إلى تطوير وتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين دول المجلس بما فيه تطوير قوات درع الجزيرة. وإننا على ثقة بأن رئاسة جلالة السلطان قابوس بن سعيد للقمة ستعطي مزيداً من القوة لعملنا المشترك. رأينا في الفترة الأخيرة تحركاً للجامعة العربية على صعيد أكثر من ملف عربي. فهل ترون أن الجامعة بدأت تخرج من الدائرة المغلقة التي كانت تحيط بها. وما هي رؤيتكم لمزيد من تفعيل دور الجامعة، ودفع العمل العربي المشترك نحو آفاق جديدة. - إننا نشاطركم الرؤية بأن جامعة الدول العربية بدأت حراكاً جيداً باتجاه التعامل مع القضايا والملفات العربية المطروحة بإلحاح في هذه المرحلة. وإننا إذ نسجل بارتياح تقديرنا لهذا التحرك نأمل في أن تأخذ الجامعة العربية دوراً أكثر فاعلية في هذا الاتجاه. ونعتقد ان ما نعطيه كدول عربية لهذه الجامعة من دعم وتأييد لمساعيها وجهودها على أكثر من صعيد سيمكنها من التحرك بفاعلية. فقد رأينا تحرك الجامعة على الساحة اللبنانية وفي دارفور وعلى الصعيد الفلسطيني وفي الحوار مع القوى والتكتلات الإقليمية والدولية. وإننا نتطلع إلى إمكان تطوير آليات العمل في الجامعة بما يفضي إلى عمل عربي مشترك أكثر فاعلية وأكثر إنتاجية لصالح أمتنا وشعوبنا. احتفلت الإمارات في الثاني من كانون الأول ديسمبر بالذكرى السابعة والثلاثين للاتحاد بين الإمارات السبع، ونحن إذ نبارك لكم في هذه الذكرى نودّ التعرف على رؤيتكم لمزيد من الخطوات المستقبلية لتعزيز المكاسب الاتحادية التي تحققت لشعب الإمارات في السنوات الماضية؟ - احتفالنا قبل أيام بالعيد الوطني السابع والثلاثين لقيام دولتنا العزيزة يشكل بحد ذاته دافعاً نحو مزيد من الجهد والعمل لبناء دولتنا وتحقيق المزيد من الانجازات لشعبنا. لقد كانت هذه الاحتفالات مناسبة أظهرت مدى التفاف أبناء شعبنا حول قيادتهم واتحادهم وإيمانهم بالعمل الجاد لاستكمال المشروع النهضوي لدولتنا والانطلاق بعزيمة وإرادة قوية لتحقيق أهدافها الوطنية. وأثبتنا من خلال اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد الذي تزامن مع احتفالنا بالعيد الوطني مدى قدرتنا على التحرك بمرونة وفاعلية لاتخاذ ما يلزم لتعزيز مسيرتنا الاتحادية بما فيها التعديلات الدستورية التي أقرَّها المجلس الأعلى للاتحاد وبما يضع كل الطاقات والإمكانات في مكانها الصحيح والمناسب لبناء الوطن والنهوض به ليتبوّأ مكانته بين دول العالم. يكثر الحديث في هذه الفترة عن تطور في مسيرة المجلس الوطني الاتحادي بعد التطور السابق والذي انعكس من خلال انتخاب نصف أعضاء المجلس ودخول المرأة بشكل واضح. ما هو الجديد في رؤيتكم لمستقبل المجلس الوطني الاتحادي؟ - كما ذكرت سابقاً، قمنا بإدخال تعديلات دستورية تمكنّنا من توسيع دور المجلس وتعزيز دوره ومكانته. ومن هذا المنطلق كانت لنا في دولة الإمارات خطوات عدة في اتجاه تطوير المجلس الوطني الاتحادي من حيث انتخاب وتعيين أعضائه ودخول المرأة إلى عضوية المجلس. وإننا نسجل في هذا الصدد موافقة المجلس الأعلى للاتحاد في اجتماعه الأخير على إجراء تعديل دستوري بتمديد فترة المجلس الوطني من سنتين إلى أربع سنوات وتحديد مواعيد بداية كل دورة ومدتها، وكذلك إطلاع المجلس على الاتفاقات الدولية التي أبرمتها الدولة مع الجهات الخارجية. لا شك في أن هذه التعديلات تدخل في إطار رؤية شاملة لتطوير وتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وفق خطوات مدروسة تأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة التي تمرّ فيها والتطورات التي تشهدها بلادنا على مختلف الصعد. من منظور أوسع لظاهرة العمالة تظهر مشكلة التركيبة السكانية بأبعادها المختلفة كأحد أهم التحديات التي تواجه المجتمع الإماراتي، ما هي الخطوات التي ستتخذها الإمارات لمعالجة هذه المشكلة؟ - إننا ننظر إلى التركيبة السكانية لدولة الإمارات من منظور إيجابي يجسد قدرة شعبنا ودولتنا على انصهار هذا الكمّ والتنوع البشري في إطار إنساني قادر على إعطاء نموذج لقدرة التفاعل الإنساني في عملية البناء والنهوض بدولتنا لتحتل مكانة متقدمة على الصعيد الحضاري والتنموي مع اكتساب احترام وتقدير المنظمات الإقليمية والعالمية لتعاملنا الإنساني والحضاري مع جميع المقيمين في بلادنا، وخلق وإيجاد الحوافز أمامهم للمساهمة الفاعلة في عملية التنمية التي تشهدها الإمارات. غير أن هذه الرؤية الشمولية لا تخفي عن أعيننا ضرورة المحافظة على هويتنا الوطنية. ومن هذا المنطلق جاء تشكيل لجنة عليا للتعامل مع مشكلة التركيبة السكانية، ونحن نقدّر عالياً عمل هذه اللجنة التي تمكنت حتى الآن من وضع العديد من المبادرات للتعامل مع هذه القضية، واتخاذ الإجراءات الفعلية في هذا الشأن. كما أننا بصدد اتخاذ إجراءات وقرارات أخرى في إطار سياستنا المعلنة والشفافة للتعامل مع التركيبة السكانية بشكل حضاري ومن دون الإخلال بالتزاماتنا الإنسانية والدولية وبما يحقق الهدف من تنوع التركيبة السكانية في بلادنا. العنوان الرئيسي الذي يواجه العالم في هذه الفترة هو الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على الاقتصادات العالمية. وهذا يطرح أكثر من سؤال بالنسبة لتعامل الإمارات مع هذه الأزمة؟ - إن الأزمة المالية العالمية تشكل اليوم العنوان الرئيسي للأزمات التي يواجهها العالم. وقد بدأت انعكاساتها وارتداداتها تصيب مناطق العالم المختلفة بحيث لم يعد أحد في العالم بعيداً عن تأثيراتها السلبية. ولا شك في أن دولة الإمارات، ومن خلال انفتاحها على الاقتصادات العالمية، لم تكن بعيدة عن تأثيرات هذه الأزمة وتداعياتها. غير أن الإمارات بما تملكه من قاعدة اقتصادية ومالية قوية وصلبة تستطيع ان تحد من تأثيرات هذه الأزمة عليها. وقد عملنا من خلال الحكومة الاتحادية والمصرف المركزي على توفير حلول سريعة لمواجهة تداعيات الأزمة، وتم التحرك سريعاً لوضع 120 مليار درهم من الأموال تحت تصرف وزارة المالية والمصرف المركزي لضخ السيولة اللازمة في جهازنا المصرفي وتوفيرها للاستمرار في مشاريع التنمية التي يجري تنفيذها في بلادنا. وإننا نتطلع إلى أن تسهم هذه الخطوة في ترسيخ دعائم اقتصادنا الوطني وجهازنا المصرفي. ونؤكد في هذا المجال قدرتنا على مواجهة هذه الأزمة وتداعياتها من خلال ضخ السيولة اللازمة في الشريان المالي ووضع القوانين والأنظمة التي تعزز الإجراءات الرقابية والشفافية في المؤسسات والشركات الوطنية وتحفيز العمل فيها بما يعزز قدرتها الإنتاجية والمساهمة في بناء اقتصادنا الوطني. كيف تنظرون إلى مستقبل الاقتصاد الإماراتي في ضوء تباطؤ الاقتصاد العالمي وهل سيكون لتراجع أسعار النفط تأثير على خطط وبرامج الإمارات في مجال صناعة النفط والغاز؟ - كما قلت إننا في دولة الإمارات جزء من الاقتصاد العالمي، وإننا منفتحون عليه بكل قطاعاته. وبالتالي فإننا من بين الدول التي تتأثر بالركود الاقتصادي العالمي. ويعتبر التراجع الكبير في أسعار النفط أبرز تأثيرات هذه الأزمة علينا وعلى الدول المنتجة والمصدرة للنفط. غير أننا في دولة الإمارات نشارك الدول المنتجة قراراتها من خلال منظمة أوبك بتخفيض الإنتاج وفق قرارات مدروسة للحفاظ على توازن العرض والطلب. ولكن يتعين علينا أن ندرك أيضاً ان هذه الأزمة ستكون موقتة مهما طال زمنها، ولا بد للدول المنتجة من الاستعداد لمواجهة مرحلة من الطلب العالمي المرتفع على النفط مع عودة الانتعاش إلى الأسواق العالمية في المستقبل. ولذلك فإننا في دولة الإمارات ماضون في خطط وبرامج النهوض بصناعتنا النفطية وزيادة قدرتنا الإنتاجية من النفط الخام والغاز والبتروكيماويات بما يتناسب مع قدراتنا المالية والتمويلية للمشاريع المستقبلية. سجلت الميزانية الاتحادية لدولة الإمارات لعام 2009 ارتفاعاً ملحوظاً قياساً مع ميزانية عام 2008، إلى أي مدى سيتم الالتزام بهذه الميزانية مع التراجع الكبير في أسعار النفط؟ - نستطيع ان نسجل ان ميزانية الحكومة الاتحادية لعام 2009 هي الأعلى منذ قيام الاتحاد في العام 1971 ولا شك في أن هذه الميزانية تعكس توافر موارد مالية جيدة لبلادنا وإرادة فعلية نحو مزيد من الإنفاق في جميع القطاعات التي تغطيها. وان التراجع الكبير في أسعار النفط والتباطؤ في الاقتصاد العالمي لن يثنينا عن الاستمرار في توفير الاعتمادات المالية لهذه الميزانية، وعدم اقتطاع أي جزء منها تحت تأثير الأزمة. وعلى العكس من ذلك، قمنا خلال الأيام الأخيرة باعتماد مبالغ مالية إضافية تزيد عن 1.4 مليار درهم لتغطية مصروفات عدد من الجهات الحكومية الاتحادية، ونأمل مستقبلاً في تحسن الأوضاع المالية والاقتصادية لتحقيق مزيد من التوسع في الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين. مع تفاقم الأزمة العالمية بدأ تحرك دولي نحو توحيد الجهود العالمية لمواجهة هذه الأزمة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي والاقتصادات النامية بشكل خاص، من خلال توفير دعم أكبر لصندوق النقد الدولي، ما هو موقف الإمارات في هذا الشأن؟ - إننا نتابع عن كثب الجهود الدولية للتعامل مع الأزمة المالية العالمية، ونرى أن المجتمع الدولي بقواه ودوله ومنظماته الفاعلة بدأ خطوات جيدة للحد من تأثيراتها على الاقتصاد العالمي، وإننا نؤمن بضرورة توحيد هذه الجهود، بحيث يتحمل كل الأطراف الدوليين مسؤولياتهم كل حسب مقدرته. وذلك بمعنى أن لا يقع حمل مواجهة هذه الأزمة على الأطراف الذين كانوا ضحيتها، بحيث لا يزداد البؤس والجوع الذي يضرب كثيراً من دول العالم النامي. على الدول الكبرى أن تتحرك لتقديم مزيد من المساعدات للدول الفقيرة لمساعدتها على النمو، وتحفيز قاعدة الإنتاج في مختلف مناطق العالم والتوجه لضخ الأموال في الاقتصادات الفعلية. ونحن في دولة الإمارات نرى اننا بما نقدمه من مساعدات الى الدول النامية لتنفيذ الكثير من المشاريع الإنتاجية الخدمية والاجتماعية فيها، نسهم بشكل فعّال في مساعدة هذه الدول على مواجهة الأزمة المالية. اننا نرى أن هناك حاجة ملحة لتعاون دولي من خلال نظام اقتصادي عالمي أكثر شفافية وأكثر عدلاً يأخذ بمصالح جميع المناطق في العالم. يرى الكثير من المتابعين أن الأزمة المالية العالمية أوجدت الكثير من الفرص الاستثمارية الجيدة في بعض دول العالم. فهل ستتحرك الإمارات للاستحواذ على بعض الشركات والمؤسسات العالمية التي تعاني من صعوبات مالية؟ - إن الحديث عن الفرص الاستثمارية بعد الأزمة المالية العالمية قد يكون متاحاً ومبرراً، غير أن توجهاتنا الاستثمارية تقوم أساساً على دراسات الجدوى الاقتصادية وتوزيع استثماراتنا جغرافياً وقطاعياً، وخصوصاً لجهة التركيز في استثماراتنا داخلياً في إطار عملية التنمية الشاملة التي تشهدها بلادنا. ولذلك فإننا بقدر ما نبحث عن فرص استثمارية مجدية في الخارج، نعمل بشكل جدي على استقطاب استثمارات خارجية لبلادنا. وقد تمكنا من ان تكون دولة الإمارات منطقة جاذبة للاستثمار الأجنبي بمعدلات كبيرة، وذلك بفضل الأمن والاستقرار اللذين تنعم بهما بلادنا وامتلاكها منظومة واسعة من القوانين والتشريعات التي تنظم عمل الاستثمار الأجنبي وتوفر له الضمانات اللازمة، إضافة إلى توفير الأرضية اللازمة للاستثمار في الإمارات والمناطق الحرة في بلادنا. لقد مضى على تسلّمكم مقاليد الحكم في دولة الإمارات أربع سنوات. كيف تحكمون على تجربتكم في الحكم؟ - أولاً: لقد تشرّفت بحمل الأمانة والمسؤولية في بلدي خلفاً للمغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة وباني نهضتها. ولقد بدأنا مرحلة التمكين بتعاون نعتز به من إخواني أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، ومؤازرة من أبناء شعبنا، وتم بحمد الله وضع استراتيجيات طموحة تعمل الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية على تنفيذها باقتدار وحماس وجدية وبمتابعة دقيقة وتناغم بين الحكومة والمجلس الوطني الاتحادي. ونأمل في أن نحقق الهدف من هذه الاستراتيجيات لتوفير العيش الكريم لشعبنا العزيز وتعزيز مكانة دولتنا إقليمياً ودولياً. نشر في العدد: 16699 ت.م: 23-12-2008 ص: 13 ط: الرياض