بعد المدارس والجامعات العالمية التي استوطنت قطر لتحفيز مواطنيها على حب التعلم، انطلقت أوركسترا قطر الفلهارمونية بحفلتين ضخمتين، قاد الافتتاحية منها مساء أول من أمس المايسترو الاميركي لورين مازيل، والثانية مساء أمس المايسترو الألماني أندريا وايزر. قد تكون الفرقة أشبه بمنتخب رياضي وطني كل لاعبيه أجانب، الا ان ذلك لا ينفي أهمية الخطوة، في بلد يبني كل شيء من الصفر. وتتجلى هذه النظرة في تصريح المايسترو مازيل، المدير الموسيقي لأوركسترا نيويورك الفيلهارمونية، صاحب مبادرة ديبلوماسية الموسيقى مع كوريا الشمالية، وأول أميركي قاد أوركسترا كسرت حصار بيونغيانغ فنياً، الذي رفض تشبيه تجربته الكورية بتلك القطرية. وقال:"واشنطنوالدوحة ليستا في حال حرب، وأنا لست هنا لهدف سياسي بل لأنني مهتم بهذا الجزء من العالم، والمساعي الرامية لجعل شباب هذا البلد يحبون الموسيقى الكلاسيكية". ولفت مازيل الى انه"اذا كانت أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية حققت سابقة عبر تقديم رسالة سلام في دولة أدرك قادتها أن كسر جدار العزلة لا يتم الا عبر الفن، خصوصاً اننا أدخلنا معنا الى بيونغيانغ عدداً كبيراً من الصحافيين، فان حفلتنا في الدوحة تكسر جداراً من نوع آخر، تمتزج عبره الحضارات". ويؤكد مازيل أن ما تقدمه أوركسترا قطر الفلهارمونية هو"شكل فني لطالما لم يستغل في الموسيقى الكلاسيكية"، لافتاً الى انه"نعرف كثيراً عن الموسيقى الغربية والشعبية، وعديدة هي الثقافات التي دخلت عالم الموسيقى الكلاسيكية الغربية، لكن مارسيل خليفة هو اول من يوصل الكلاسيكي العربي الى الغرب". وأضاف:"أنا مهتم بهذا الجزء من العالم ثقافياً، فهمت الامور من خلال نوعية الموسيقى التي سمعتها، والمواهب الموجودة تدل على ان لها مستقبلاً باهراً". وشبه عمله بعمل"أطباء بلا حدود"، باعتبار ان"الاطباء والفنانين يشبهون الطيور المهاجرة". وأكد تشجيعه الاختلافات بين الناس تساعد على التنوع التراثي وتثريه. أما المايسترو اندريا وايزر، فأكد ل"الحياة"سعادته بما سمع ورأى، وفخره بوجود 33 امرأة بين اعضاء الفرقة المئة وواحد والذين ينتمون الى 30 دولة تم اختيارهم من بين أكثر من ثلاثة آلاف موسيقي. وبدا وايزر متحمساً لاستعداد الاوركسترا لتقديم حفلات في الخارج، اولها في شباط فبراير المقبل في واشنطن، ثم في ايطاليا، كما يجري العمل لتنظيم حفلات موسيقية في مدن اخرى. والأهم من ذلك كله ان أبرز قادة أوركسترا في العالم قادوا الأوركسترا القطرية في عزفها السمفونية الخامسة لبيتهوفن، وسمفونيات لرافيل، قبل تقديم"عروس"الحفلة، الكونشرتو العربي الاول للفنان اللبناني مارسيل خليفة، المدير الموسيقي للاوركسترا، ونجومها الانفراديون جورج يمين كمان، لبنان، بشار خليفة طبلة، لبنان، محمد صالح مزمار، مصر، محمد عثمان البزق، سورية، مسلم رحال ناي، سورية، فراس شارستان قانون، سورية، كنان ادناوي عود، سورية. وعبّر مارسيل خليفة، عن اعتزازه بالمواهب الشابة العربية في الاوركسترا، مقراً ان"في شبابي كنت اظن انني سأغير العالم، لكن الانسان للاسف لا يمكنه ان يغير شيئاً، ولا حتى نفسه". ويرفض مارسيل القول انه تخلى عن كتابة موسيقى المقاومة لمصلحة"البورجوازية الكلاسيكية". ويقول:"كل عمل فني هو مقاومة، كل حب لامرأة جميلة، لفن أصيل، هو مقاومة. فالنضال هو بالفن وبرسائل السلام لا بلغة الحرب". وتابع:"ذهبت الى اماكن نائية في زمن الحرب، ومنذ البداية احسست بأنني لا اريد ان اتبع القاعدة. حتى ان ثمة من اعتبرني في ذلك الحين مخرباً للموسيقى. لطالما سمعت اللحن وقدمته بشيء مني، لا كما القالب الذي درسته في المعهد والجامعة". وكما سائر اعماله، يأتي الكونشرتو العربي مطابقاً لمارسيل، نسمة خفيفة، فثورة عارمة، سكون يعقبه جنون، كيف لا ومارسيل نفسه يؤكد ان"اقل ما افعله في الحياة هو الاستماع الى الموسيقى. فأنا استلهم ما افعله من علاقة انسانية، امرأة جميلة، من عشق من خيال، من كتاب او طبيعة". ويعلل ما يقدمه من مزيج ومزاج موسيقي طوّعه عنوة ليصبح متجانساً، الى كونه"ولدت في لبنان لكني نشأت على شاطئ المتوسط وأخذت كثيراً من دول الجوار ثم غصت في عمق الصحراء، في الأندلس وبيزنطيا والهند مستفيداً من عمق اطلاعي على الثقافتين الموسيقيتين الغربية والعربية. فقلت لماذا لا اكتب شيئاً يشبهني؟ حاولت ان اكتب ما اشعر به. فأنا أحب لنفسي وليس للآخرين. واذا كان لما اكتبه طريق الى الناس، فليكن". عبدالحليم كركلا حاضر أيضاً في هذا العمل، بوصفه مصمم رقصات رائد في مجاله، وهو اكد انه عبر العمل المميز الذي نقدمه في قطر،"لا نهرب من لبنان، فكل لاعب في الخارج لا يفقد جنسيته. وكل تراث دولة عربية هو جزء من التراث العربي الكلي، ونحن في حاجة الى أن نكون تحت العباءة العربية".