مجموعة من "السقالات" حول حجارة محترقة هي كل ما يظهر الآن مكان القبة الذهبية التي كانت تزيّن أحد أبرز المزارات الشيعية في العراق. قصف متشددون مسجد الامام العسكري في سامراء في شباط فبراير عام 2006 ودمروا القبة وتسببوا بموجة من إراقة الدماء في أعمال عنف طائفية قتلت عشرات الآلاف من العراقيين ودفعت البلاد الى حرب أهلية شاملة. والآن، مع تراجع العنف بشكل كبير وامتلاء خزائن العراق بعائدات النفط، يأمل مسؤولون أن يجري اصلاح المسجد واعادته الى مجده السابق خلال بضع سنوات. ويقولون إن ذلك قد يساعد في تضميد الانقسامات المريرة بين الشيعة والسنّة. وقال قائمقام سامراء محمود خلف المشارك في المشروع إن هذا"الأمر مهم للغاية بالنسبة الى العراق"، الا أنه أضاف أن"العمل كثير والاصلاح يجري على مدار أربع وعشرين ساعة يومياً". وبني جامع سامراء الكبير الذي يطلق عليه أيضا مسجد الإمام العسكري أو مسجد القبة الذهبية عام 944 وهو أحد أربعة مزارات مقدسة لدى الشيعة في العراق. وانتهت أعمال بناء القبة عام 1905 وغطيت بما يصل الى 72 ألف قطعة ذهبية. ودفن اثنان من أئمة الشيعة الاثني عشر في المزار، اذ يضم مرقد الإمام علي الهادي وهو الامام العاشر من أئمة الشيعة وتوفي عام 868 ومرقد ابنه الامام الحادي عشر حسن العسكري الذي توفي عام 874. واعادة المزار الى ما كان عليه مهمة شاقة. ويقول مسؤولون ان العراق يتوقع انفاق نحو 60 مليون دولار على المشروع. وقال مهندس، طالباً عدم نشر اسمه لدواع أمنية، إن جزءاً كبيراً من التحدي يتمثل في عدم وجود تصميمات أصلية للعمل. وأضاف:"نعمل من صور قديمة ولكن هناك الكثير من التخمينات. نبني التصميم من البداية. ولكن علينا أن نفعل ذلك بطريقة صحيحة من أجل المزار ومن أجل الامام ومن أجل العراق". ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تفجير المسجد، على رغم أن الحكومة ألقت اللوم على تنظيم"القاعدة"السنّي الذي يعتبر الشيعة منشقين. وكان التنظيم متهماً منذ فترة طويلة بمحاولة اثارة حرب طائفية في العراق. وبعد أيام من التفجير ثأرت ميليشيات شيعية من السنة ورد السنة بعد ذلك على الهجوم. وفي بغداد اضطر سكان الى مغادرة مناطقهم السكنية اذا كانوا من طائفة غير الطائفة التي تمثل غالبية السكان. وفي حزيران يونيو فجر متشددون من تنظيم"القاعدة"أيضا مئذنتي المسجد الذي نجا من تفجير عام 2006. وتساعد منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونسكو في اصلاح المزار. وكانت خلافات بين مسؤولين شيعة وسنة في كيفية تنفيذ العمل عطلت أعمال اعادة الاعمار. ولكن في منتصف يوم حار، خلال شهر رمضان، كان عشرات العمال يخلطون الاسمنت ويضعون الحجارة على سطح المسجد في المكان الذي كانت تقف فيه من قبل القبة. وكانت معظم شوارع سامراء خالية من الناس الذين بقوا داخل منازلهم وهم صائمون. وقال الكهربائي هشام قاسم 26 عاما"أنا سعيد للغاية بالعمل هنا. انه مكان مقدس وأريد أن أخدم الامام العسكري"، مضيفا أنه لا يهتم بالحصول على أجر. وتابع:"حضرت الى هنا من قبل كأحد الزوار وكان بمثابة جنة. شعرت بألم بالغ عندما قصف". ويشعر بعض سكان سامراء من السنّة بأن الحكومة تحملهم مسؤولية دمار المسجد ويأملون بأن يقضي اصلاح المزار على مشاعر انعدام الثقة. وقال وسمي حميد الذي يرأس أحد مجالس"الصحوة"السنية التي ساعدت في طرد متشددي"القاعدة"من المدينة:"شعرنا دوما بأن الحكومة تلقي اللوم على السنة في التفجير ولكن لم نكن نحن من فعل ذلك. كان تنظيم القاعدة". شعرت بحزن عندما حدث ذلك. أردت أن أجد من ارتكب هذه الجريمة لأقطع رأسه. الآن نريد اصلاحه". وعلى رغم أن السنة لا يعطون الأهمية الدينية ذاتها للمزار مثل الشيعة، الا أنهم حريصون على اصلاح ما يعتبرونه جزءاً أساسياً من مدينتهم القديمة التي كانت من قبل نقطة جذب سياحي لآلاف الزوار. وقال الشيخ خالد حسن، زعيم إحدى العشائر:"اعتدنا على استقبال الزوار من شتى أنحاء العراق. سامراء كانت مدينة جميلة وغنية. يمكن أن تصبح كذلك ثانية".