اهتز الوضع الأمني الذي تحسن في أنحاء العراق من جراء سلسلة من التفجيرات المدمرة في الأسبوعين الماضيين مما أثار مخاوف من أن البلاد التي تعاني ويلات الحرب يمكن أن تنزلق مجددا الى صراع طائفي أوسع نطاقا. لكن ماذا يتطلب الأمر لكي تتجدد عمليات اراقة الدماء على نطاق واسع. وهل عراق اليوم الذي يسعى جاهدا لجذب استثمارات أجنبية هو نفس المكان الذي كادت تمزقه صراعات طائفية بين السنة والشيعة قبل ثلاث سنوات. لقد استهدفت التفجيرات الانتحارية الاخيرة في الأساس شيعة سواء من العراق او من الزوار من ايران المجاورة. وكان أحد أهداف المهاجمين الانتحاريين الأسبوع الماضي مرقد الامام موسى الكاظم بحي الكاظمية الذي يغلب على سكانه الشيعة في بغداد. ويتوقف نطاق أعمال العنف في المستقبل على ما اذا كانت جماعات مسلحة من الأغلبية الشيعية للبلاد التي تنحي باللائمة في أعمال العنف على متطرفين سنة سوف ترد بهجمات ثأرية. حينها يمكن أن تكون تلك هي النقطة التي تنقلب عندها موجة الهجمات الإرهابية الى صراع طائفي أوسع نطاقا. فالذي فجر أعمال العنف الطائفي الواسعة التي شهدها العراق عامي 2006 و2007 هو تدمير مسجد الامام العسكري ذي القبة الذهبية في سامراء في فبراير شباط عام 2006 . ونجح ذلك التكتيك حينها وهناك مخاوف من أن هذا هو ما يحاول المتشددون الإسلاميون تكراره الآن. وتتمتع جماعات شيعية مسلحة بالقدرة على الثأر لكن الظروف تغيرت تغيرا كبيرا منذ عام 2006 . وباتت احدى الميليشيات الشيعية الضالعة في أعمال العنف الانتقامية ضد السنة فيما مضى وهي ميليشيا جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي الشاب المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر مجرد شبح لما كانت عليه. وطلب الصدر من معظم افراد ميليشياته إلقاء السلاح. وأصدر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اوامره للقوات العراقية المدعومة بالجيش الامريكي بشن حملة ضد الميليشيا العام الماضي في مدينة البصرة بجنوب العراق وفي حي مدينة الصدر ببغداد. اما الجماعة المسلحة الشيعية الكبرى الأخرى فهي منظمة بدر وهي الجناح المسلح للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي شريك المالكي في الائتلاف الحاكم الذي يقوده الشيعة. ويقول محللون إن منظمة بدر يمكن أن تنتقم من المتشددين السنة. ويقول دبلوماسيون غربيون إنه في عام 2006 كانت الحكومة والجيش والشرطة في حالة من الضعف والفوضى. اما اليوم فالدولة تملك قوات أمن قوامها 600 الف فرد وأوضحت أنها الوحيدة صاحبة الحق في استخدام القوة. ويعتقد الدبلوماسيون الغربيون أن الحكومة لن تتسامح مع عمليات انتقام من قبل قوات غير رسمية. كما يخضع الكثير من المدن العراقية الآن لحماية افضل. وزادت الحوائط الخرسانية ونقاط التفتيش المتعددة من فرص قوات الأمن لكشف السيارات الملغومة والمهاجمين الانتحاريين او فرق الموت المتجولة. الى جانب هذا يتمتع المقاتلون بدرجة أقل من الدعم بين عامة الجماهير مما يزيد من صعوبة اندماجهم واختبائهم بين الناس. وأخيرا ساعدت الهجرة الجماعية من جراء إراقة الدماء في تقليل فرص الانتقام. فهجرة السنة من مناطق شيعية والعكس جعل المناطق المختلطة أقل في بغداد على سبيل المثال. اما القوات الأمريكية التي غزت العراق عام 2003 ثم اطاحت بالرئيس الراحل صدام حسين فمن المقرر أن تنسحب من مدن العراق في يونيو حزيران القادم كما سنتهي عملياتها القتالية في العراق بنهاية اغسطس آب 2010 على ان تنسحب بالكامل بحلول نهاية 2011 . ويتوقع مسؤولون عراقيون أن تحاول جماعات مثل القاعدة استغلال خفض القوات الامريكية لنشر مزيد من الفوضى. كما يتوقعون هجمات ثأرية لاعتقال رجل في الأسبوع الماضي يقولون إنه ابو عمر البغدادي زعيم جماعة تسمى دولة العراق الإسلامية تابعة لتنظيم القاعدة. وتجرى في العراق انتخابات عامة بنهاية العام ويخشى الكثير من العراقيين من أن يثير هذا موجة من التفجيرات والاغتيالات حيث تتنافس جماعات مسلحة وأحزاب سياسية كثيرة على الهيمنة على الدولة المنتجة للنفط. وخرج المالكي من انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في يناير كانون الثاني مكتسبا قوة سياسية غير متوقعة ومن المتوقع أن يستخدم منافسوه وسائل شريفة وغير شريفة لمحاولة منعه من الانتصار في الانتخابات العامة ايضا. وهناك توتر متزايد ايضا بين العرب والأكراد الذين يمثلون أقلية ويسعون الى توسيع نطاق حدود منطقتهم المتمتعة بما يشبه الحكم الذاتي بشمال العراق. وتفجر العنف في مناطق تسكنها أعراق مختلطة مثل مدينة الموصل بشمال البلاد. ويرى محللون أنه على العراق ان يتوقع اضطراره للتعامل مع هجمات انتحارية وهجمات بسيارات ملغومة لسنوات كثيرة قادمة حتى اذا استطاع تجنب العودة الى صراع حرب طائفية واسعة. ويقول دبلوماسيون إنه يجب عدم التقليل من شأن الغضب الذي يشعر به بعض العراقيين السنة مما يعتبرونه تهميشا لهم من قبل الشيعة. وقد يغذي هذا تمردا للمتطرفين السنة وربما أعضاء بحزب صدام وهو حزب البعث المحظور الآن وقد يستمر هذا التمرد خمسة أعوام. كما قد يسود أيضا اعتقاد بين بعض السنة بأن شيعة العراق يدينون بالولاء لايران وهو ما يذكي التوترات.