يعيش أقارب أبو بكر البغدادي أو إبراهيم عواد البدري وبقية افراد العشيرة التي ينحدر منها زعيم تنظيم «داعش»، في مدينة سامراء مسقط رأسه في شمال العراق، منذ الإعلان العام الماضي عن توليه زعامة التنظيم في خوف بسبب الاعتقالات في صفوفهم. ويقول الكثير من القادة الأمنيين والسياسيين في المدينة التي تعد ذات رمزية مشتركة للسنة والشيعة، بأعتبارها عاصمة الدولة العباسية لسنوات، وتضم مزارات شيعية، إن العائلة باتت تتنفس الصعداء مؤخراً، لكن هذا لا يمنع ان تكون مراقبة من قبل الحكومة العراقية. ويعيش اليوم أحد أعمام البغدادي (شقيق والده)، اضافة الى بعض أبناء عمومته في سامراء في أحياء مختلفة، كما هي حال بقية أبناء عشيرة البو بدري، التي ينحدر منها مسؤولون في مجلس المحافظة، مثل كفاء فرحان، لكن الكثير من المقربين تعرضوا للاعتقال طيلة الفترة الماضية. يقول احد أبناء عمومة البغدادي ل «الحياة» ان «عائلته وزوجته وأطفاله في الموصل، وأبناء عمه وبعض المقربين ايضاً، لكن لا اتصال مع بقية أفراد العائلة او العشيرة وهم أخذوا طريقهم ونحن أخذنا طريقنا». ويتخوّف المقربون، من الإعلان انهم في سامراء بعد ان اعتقل نحو 114 شخصاً منهم منذ تموز (يوليو) من العام الماضي، اطلق سراح 80 منهم، ثم اعيد اعتقال بعضهم فقط لانتمائهم إلى عائلة البغدادي او عشيرته، كما ان الكثيرين اعتقلوا بسبب تشابه ألقابهم بعشيرة البغدادي. ويقول عقيد في الشرطة العراقية في مدينة سامراء ل «الحياة» إن «العائلة الكبيرة للبغدادي موجودة بأستثناء زوجته وأبنائه وأشقائه وبعض ابناء عمومته، فيما العشيرة موجودة في سامراء من دون ان تتعرض لها الشرطة، لكن الحشد الشعبي هو من كان يودعهم السجن منذ اعلان البغدادي زعامة «داعش» في العراق وسورية». وتابع ان «العائلة مراقبة في سامراء، لكن ليس لها نشاطات او اتصالات في الوقت الحالي مع الموصل او الرقة ولا تعرف شيئاً عن البغدادي». ويقول جيران البغدادي في حي الجبيرية في سامراء حيث كان يسكن مع زوجته إنهم «لا يعرفون الكثير عنه، إذلم يكن ذا اهمية واقتصر لقاءهم به في المسجد»، وقد يكون كلام الجيران لإبعاد الحديث عنه خوفاً منه او من تعرضهم للمساءلة القانونية. ويقول احد الجيران ل «الحياة» ان «البغدادي لم يكن يجاهر بأرائه في المسجد او في الشارع لكنه كان طبيعياً وكان يستأجر منزلاً هنا»، ووفق الجيران فإن المسجد تعرض مرات عدة للتفجير بالعبوات او اطلاق النار، متهماً الحشد الشعبي بارتكاب ذلك باعتبار سامراء ثكنة عسكرية لهم ومقر انطلاق لبقية المناطق. فرّت عائلة البغدادي الصغيرة منذ حزيران (يونيو) 2014 الى تكريت التي كانت خاضعة ل «داعش»، قبل ان تنتقل الى الموصل ويفقد اثرها ويعتقد أنها انتقلت الى الرقة بسورية. ويقول الصحافي في تلفزيون محلي بسامراء محمد البدري وهو ينحدر من عشيرة البغدادي ل «الحياة» ان «العشيرة بدأت تتنفس الصعداء تدريجياً منذ بدء تحرير مناطق محافظة صلاح الدين، التي كانت تخضع للتنظيم حيث بدأ التشديد عليهم يتراجع». وأشار الى ان «افراد العشيرة كانوا عرضة للسلب أو الاعتقال، لكن الأمر أصبح أفضل خلال الأشهر القيلة الماضية على رغم أن الكثير من أقاربنا لايزالون يشعرون بالخوف من تعرضهم للاستهداف، او الانتقام من القوات الأمنية والحشد الشعبي، أو حتى من السكان المتضررين». ويؤكد قائم مقام قضاء سامراء محمود خلف ل «الحياة» ان «العشيرة في شكل عام موجودة بسامراء، ولها مكانتها بين العشائر ويتعاون السكان معها بسلاسة، بأعتبار أن لا علاقة لها بالبغدادي ولكن لا احد يتحدث عن الأمر في المدينة في الوقت الحالي». ويبدو ان الجميع يتخوف من الغوص في حياة البغدادي في سامراء او في أي مدينة اخرى عاش فيها، بعدما اصبح احد اول المطلوبين لجهات عراقية ودولية عدة ووضعت مكافآت طائلة لمن يخبر عنه. ولد البغدادي في 28 كانون الثاني (يناير) 1971 من عائلة تنحدر من الطبقة الوسطى وتمتهن الزراعة وهو الثالث بين اخوته الأربعة، اثنين منهم مقاتلون في الجيش العراقي في زمن الرئيس الراحل صدام حسين، ويقطنون في منزل في المناطق الجنوبية الغربية لمدينة سامراء وتعرف بمنطقة القلعة، على بعد 120 كلم شمال بغداد. وبعد سقوط بغداد في 2003 انتقل الى القائم في اقصى غرب الأنبار غرب البلاد مع استمراره في إعداد رسالة الدكتوراه في بغداد، وتخرج البغدادي من كلية الشريعة الإسلامية عام 1999، وسجل للدارسة في الماجستير التي حازها بعد مناقشته رسالة عنوانها «روح الطالب في ترجمة». اختفى البغدادي بعد هذا التاريخ قبل أن يعود في 4 شباط ( فبراير) 2004، تاريخ اعتقاله من قبل القوات الأميركية في العراق ليتم إطلاق سراحه في كانون الأول (ديسمبر) 2004، كما تشير الوثائق الرسمية، لكن البغدادي اختفى في شكل تام عام 2008 قبل ان يعود للظهور الأبرز في 2014 في الموصل ليعلن دولة الخلافة. وألقاب البغدادي هي «علي البدري السامرائي»، «أبو دعاء»، الدكتور إبراهيم، «الكرار»، وأخيراً «أبو بكر البغدادي». وتعتبر سامراء مدينة حساسة في العراق حيث يرقد اثنان من الأئمة الإثني عشرية للشيعة وهما علي الهادي وابنه الحسن العسكري، إضافة إلى المهدي الإمام الثاني عشر الذي غاب فيها وسيظهر آخر الزمان. وأحدث تفجير الضريح ذي القبة الذهبية للإمامين موجة من عمليات القتل، وبدأت موجات نزوح مع انقسام البلدات والقرى على أساس طائفي، وتحوّلت المجتمعات المختلطة إلى مسارح للمعارك طيلة العامين 2006 و2007. وسيطر التنظيم على نصف سامراء لساعات قبل خمسة ايام من احتلال الموصل، لكنه انسحب منها سريعاً نحو مواقعه في محيطها. ومنذ ذلك الوقت تشن السلطات بين الحين والآخر عمليات عسكرية، غالبيتها لا تتمكن من إنهاء سيطرة التنظيم على الأرض. وتحوّلت سامراء إثر ذلك إلى ثكنة عسكرية للجيش والشرطة، اضافة الى الحشد الشعبي الذي حشدته المرجعية الشيعية والحكومة بدعوى حماية المقدسات في سامراء من التفجير على يد «داعش».