لا يزال مبكراً الحديث عن سينما سعودية. ومع هذا لا تغيب افلامها عن المهرجانات العربية. بالأمس تنقل فيلم عبدالله المحيسن"ظلال الصمت"من مهرجان الى مهرجان، واحتفت به الصحافة العربية والأجنبية لكونه اول فيلم سعودي روائي طويل - على رغم الصراع بينه وبين"كيف الحال"حول هذا الامتياز -... واليوم يتضاعف عدد الشبان الذين يحملون كاميراتهم ويحلمون بغد تزول فيه الحواجز الموضوعة على درب نهوض الفن السابع في بلادهم. ولا شك في ان الحركة السينمائية المستجدة التي بدأت تعيشها السعودية، سواء لناحية تحقيق الأفلام أو لناحية إقامة مهرجان سينمائي في جدة، تعد بتطور لافت في هذا المجال، وإن كانت الدرب امام الوصول الى صناعة سينمائية لا تزال محفوفة بالأشواك على رغم الإمكانات التي قد تكون متوافرة في هذا البلد أكثر من أي بلد عربي آخر. ولعل نظرة بانورامية سريعة على ما عرض من أفلام سعودية في مهرجان الشرق الأوسط الذي أقيم أخيراً في أبو ظبي، من شأنها ان تقدم صورة واضحة عن هذه السينما التي لا تزال تخطو خطواتها الأولى في عالم الفن السابع. وهنا تطل ستة أفلام، تتوزع بين ثلاثة أفلام روائية قصيرة وثلاثة افلام كرتون، تشترك بغالبيتها في انطلاقتها من الواقع السعودي بعيداً من نهج بعض الافلام السعودية الأخرى التي تحقق على طريقة افلام المقاولات المصرية. خصوصاً تلك التي باتت تنتجها محطات تلفزيونية فضائية، مانحة إياها اسم أفلام سينمائية. سينما من الواقع الفيلم القصير الروائي الأول الذي عرض في مهرجان أبو ظبي جاء بعنوان"مهمة طفل"، ويحمل توقيع ممدوح سالم الذي انطلق من واقعة حقيقية حدثت في السعودية ليعيد حبك القصة بطابع درامي، مصوراً حادثاً عرضياً قد يقع في أي بيت، حين يقرر طفل اللعب مع والدته، فيقفل عليها باب الحمام، ثم يعجز عن فتحه من جديد. في الظروف الطبيعية ننتظر أن يهب احدهم للمساعدة، ولكن في منزل لا يدخله أحد بغياب الزوج، قد تصبح الوقائع وخيمة. في القصة الحقيقية توفي الولد وفقدت الأم صوابها، أما في فيلم سالم فتوفي الاثنان بهدف إعطاء القصة طابعاً مأسوياً لا يخلو في نهاية الأمر من حكمة اجتماعية. غير ان الأهم من هذا هو اتسام"مهمة طفل"بلغة سينمائية تبدو في غالبية اللحظات ناضجة، ناهيك بأن وجود هذا الفيلم بالذات، من شأنه ان يفتح الباب واسعاً أمام سينما روائية طويلة لا شك في أن سالم يعد نفسه بها منذ الآن. وإذا كانت التراجيديا تطبع الدقائق ال18 من فيلم سالم، فإن الكوميديا الساخرة هي التي تطبع فيلم منصور البدران"عنجليزي"7 دقائق الذي استطاع ان يسرق ضحكات متتالية من الحضور حول أكثر من موقف يواجه المواطن السعودي المحاصر بانكليزية لا يتقنها، سواء في الطريق او في المطعم او في المدرسة. هنا، في هذا الفيلم أيضاً، لا يفوتنا أن نلاحظ أسلوباً سردياً يشي بأن المخرج يفكر، ولو في أعماقه، بمشاريع روائية طويلة تنبني على كوميديا الموقف. واللافت أن أسلوب هذه الكوميديا يقوم على حركية الكاميرا والخروج الى الشارع، بطريقة سينمائية أكثر منها تلفزيونية بكثير. سينمائية أيضاً، ولو منطلقة من لغة الكليب، الحركية التي يتبعها فيلم"مهمة في وسط المدينة"56 دقيقة الذي من الصعب وصفه بالفيلم القصير. هو روائي متوسط للمخرج محمد هلال، ويصور مجموعة من الشباب يحاولون حماية وطنهم من الدخلاء. والحقيقة ان الموضوع ليس ما يهم كثيراً هنا. ما يهم هو تلك اللغة السينمائية المبتكرة التي تقطع الأنفاس متنقلة بين مشهد وآخر، بين شخصية وأخرى، في غموض يطغى أحياناً، فيبدو سينمائياً حديثاً بامتياز، لكنه في مشاهد أخرى يبدو عبئاً على السرد. علماً أن تجربة"مهمة في وسط المدينة"تبدو اليوم استثنائية في المسار الذي بات كلاسيكياً للسينما السعودية الوليدة والشابة. تحريك وفي الرسوم المتحركة شارك المخرج جاسم عقيلي في فيلمين، هما"ما بعد الرماد"9 دقائق الحائز على جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة سعودي لعام 2008 من مهرجان جدة الثالث للأفلام، وفيلم"حلم الحياة"7 دقائق. وبينما يحمل الفيلمان الأولان بعداً فلسفياً حول فكرة الموت والحياة والحقيقة والحلم، يتوجه الفيلم الثالث"مغامرات نمول"19 دقيقة من إخراج محمد مهدي آل عبيد لفئة عمرية أصغر، وكأنه يعطيها درساً في السلوك. واللافت في الأفلام المعروضة عددها الكبير نسبياً. فأن تعرض ستة افلام من السعودية ليس بالأمر العادي إذا عرفنا واقع الإنتاج السينمائي في هذا البلد حيث لا انتاج سينمائياً ولا صالات. اما الملاحظة الثانية فتتعلق بتنوع العروض التي لا تكتفي بالفيلم الروائي، إنما تشمل ايضاً أفلام الرسوم المتحركة. وهنا لا بد من أن نسأل: هل بارحت السينما السعودية الشابة، أخيراً، مرحلة البدايات التجريبية، وبدأت تسلك طريقها بكل جدية، على خطى عبدالله المحيسن الذي بعدما حقق أعمالاً وثائقية مهمة، آثر أن يخوض مغامرة الفيلم الروائي السعودي الأول، من طريق موضوع عربي شامل، مؤثراً أن يؤجل"الموضوع السعودي"الى مرحلة لاحقة... وأيضاً على خطى هيفاء المنصور التي قد تعتبر يوماً رائدة في حركية سينمائية تأخذ مواضيعها من المجتمع مباشرة؟ ان التجارب الست التي شاهدناها في ابو ظبي تعلن ان ثمة خرقاً حقيقياً قد بدأ، وأن أهم ما يميز هؤلاء الشبان على تنوع أعمالهم وتفاوت مستوياتها، هو انطلاقهم الى السينما من السينما، من العين السينمائية نفسها، ما يجعل أفلامهم تبتعد عن الأساليب التلفزيونية المعتادة، حتى وان كان الجميع يدرك ان خارج المهرجانات لن يقيض لكل هذه الأفلام أن تعرض إلا على الشاشات التلفزيونية. وهنا يبقى العزاء والأمل في واقع أن غالبية ما شاهدناه من هذه الأفلام إنما ينتمي روحاً الى ما يمكن أن نطلق عليه اسم"سينما طويلة مضغوطة في دقائق قليلة... ريثما تتاح فرص أفضل". فهل ننطلق من هذا كله لنعلن قرب ولادة السينما الروائية السعودية من دون الدخول في لعبة"اول"فيلم، وپ"ثاني"فيلم، التي يحاول كثيرون لعبها في هذه الأيام. فبالنسبة الى المخرجين الشبان من أمثال ممدوح سالم ومشاري ومحمد هلال، ليس المهم أن يكون فيلم ما، أول فيلم، المهم ألا يكون الأخير!