على رغم كوني ديموقراطياً لم يتردد يوماً في الإدلاء بصوته لمصلحة المرشح الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية منذ العام 1980، فإنني لم أستطع دعم السيناتور باراك أوباما في السنتين الأخيرتين. لكن، بعدما قارنت ما بين الخيارات المطروحة في الأشهر الأخيرة، قرّرت أن أدلي بصوتي لمصلحة فريق أوباما- بايدن. يعتبر الخبراء في الشؤون السياسية أن اختيار نائب الرئيس لا يهم كثيراً، لكن بالنسبة إلي، تُظهر المنافسة بين المرشحين على اللائحتين أن اختيار نائب الرئيس مصيري. ولا شك في أن اختيار السناتور جو بايدن، مهما كانت أخطاؤه وحدود أدائه، هو أفضل من اختيار الحاكمة سارة بايلن، أقلّه في هذه المرحلة من مسيرتهما السياسية. لم يكن خياري سهلاً، ذلك ان موقف السناتور أوباما حول العراق كان، ولا يزال في رأيي، محفوفاً بالمخاطر. فسحب القوات الأميركية المقاتلة من العراق بحلول نيسان أبريل 2010، هو خطوة متهورة، علماً أنه تمسك بهذا الموقف عندما كنا نخسر الحرب وعندما استعدنا عافيتنا وأخذنا نربحها، وأنا لا أزال آمل وأصلّي لكي يعيد التفكير في موقفه هذا. سواء كان اجتياح العراق حكمةً أم حماقة، ومهما بلغت فداحة الأخطاء التي ارتُكبت أثناء الاستعداد لهذه العملية وخلال تنفيذها، تعتبر هذه الحرب حرب أميركا وليست حرب جورج بوش فحسب. لكن يبدو أن السناتور أوباما لم يكن يوماً مستعداً للنظر إلى هذا الموضوع من هذه الزاوية، فهو مصرّ على النظر إليه على أنه استفتاء يدل على الموالاة للإدارة الحالية. إلا أن أرجحية الهزيمة في العراق اليوم ليست بعيدة ولو تم اعتماد خطة مماثلة لخطة أوباما. ويعتبر هذا الواقع أحد الأمور المثيرة للسخرية في هذه الحملة. وبفضل النجاح التاريخي والبارز لتعزيز الحشد العسكري الذي دعمه جون ماكين وعارضه باراك أوباما، لم تعد وجهات نظر الأخير حول مستقبل صناعة السياسة في العراق مهمّة أو انها باتت فاقدة للأهلية، بالنسبة إليّ على الأقل. ومن الممكن حالياً أن نبدأ تطبيق خطة أوباما ليس خلافاً لما يعتقد عدد من السياسيين العراقيين ? على رغم أنهم في بعض الحالات يفرّطون في الثقة بأنفسهم ويملكون حماسة سياسية كبيرة وجعل العراق بلداً شبه مستقر بعد إجراء التغييرات المناسبة في السنوات التالية للخطة. بعبارة أخرى، يبقى موضوع العراق نقطةً لمصلحة ماكين، لكنه غير كفيل بتحديد الشخص الذي سيفوز في الانتخابات الرئاسية. وبما أنني معجب منذ زمن طويل وحتى اليوم بالسناتور القادم من أريزونا، كان الأرجح ان أدلي بصوتي لمصلحة ماكين لولا هاتان المسألتان: خطته الضريبية ونظرته الشاملة الى السياسة الخارجية. في ما يتعلق بالمسائل الضريبية، كان ماكين في السابق في معسكر وارن رودمان/جورج بوش الابن للسياسة الضريبية الجمهورية الحذرة والمعتدلة، الا انه غيّر موقفه. واختار أخيراً النظرة الجمهورية السائدة التي تقوم على خفض الضرائب للفئات كافة من دون تقديم أي طريقة ممكنة لتخفيف الضرر الذي يلحق بالعجز الفيديرالي والذي سينتج لا محال من ذلك. ويقارب خفض الضريبة 300 بليون دولار في السنة، أما جهوده الهادفة إلى تقليص المشاريع الانتهازية فقد تبلغ 20 بليون دولار. أوباما ليس بول تسونغاس أو روس بيرو، لكن في هذه المسألة هو أفضل بعض الشيء منهما، في وقت تواجه عافية البلد الضريبية على امد طويل، خطراً جدياً بسبب السياسيين الفاسدين. أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وبعيداً من مسألة العراق، فتكمن الطريقة الأفضل لمعرفة الفارق بين الفريقين في التركيز على جو بايدن، وفي ضوء واقع أن باراك أوباما يبدو مصغياً إلى نصيحة نائبه في هذا المجال الأساسي الذي يعرفه الأخير جيداً. تطرقت سارة بالين في كتاباتها حول السياسة الخارجية إلى التفكير المتشدد لعدد من المستشارين الأولين للرئيس بوش. فضلاً عن ذلك، اعتبرتهم متخلفين وغير مفيدين. لكن يبدو وجود بايدن إلى جانب أوباما نقطةً لمصلحة هذا الأخير. لا أوافق على وجهات نظر بايدن حول العراق، إلا أنني معجب بما قام به في السابق في هذا الشأن، مثلاً من خلال جلسات الكونغرس في صيف العام 2002، حيث تكلم عن الأمور التي من شأنها إحلال الاستقرار في البلد بعد إطاحة صدام حسين، فضلاً عن الخطة الفيديرالية بامتياز حول العراق التي اعتبرها ماكين متأخرة. وقد لا تطرح الحاجة إلى هذه الخطة التي تؤيد تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات مستقلة كما حصل في المرحلة التي تلت حرب البوسنة، نظراً الى نجاح خطوة تعزيز عدد القوات الأميركية وتسجيل تطورات في العراق. لكن بالعودة إلى العام 2006، عندما اقترح بايدن الفيديرالية، كان العراق على حافة الكارثة وكانت مسؤوليته كونه سناتوراً معارضاً، تكمن في البحث عن بدائل لسياسة بنّاءة. فيعتبر سجل بايدن في العراق عموماً جيداً في رأيي. وفي الانتقال إلى المسائل الأخرى، يتفق ماكين وأوباما على أهمية أفغانستان وعلى الحاجة الى إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى هناك. لكن اياً منهما لا يعرف المنطقة في شكل جيد. ويذهب بايدن ابعد من أوباما بكثير وهو مقنع. تعتبر خطته للعمل مع باكستان حول بعض المسائل المتعلقة بسياسة التعلم والاقتصاد والنمو والامن في المناطق القبلية التابعة للإدارة الفيديرالية، طريقة واعدة لتحسين موقفنا إزاء باكستانوأفغانستان. ومن الممكن ان يقوّي ذلك اقتصاد باكستان ويحسّن الأمن على الحدود الأفغانية - الباكستانية. وفي ما يتعلق بإيران، تعتبر خبرة بايدن في العمل مع الحلفاء وفرض العقوبات لمواجهة ممارسات المتشددين أفضل ما سمعته في هذه الحملة. فهي أكثر حكمة من إيمان أوباما بالديبلوماسية أو إيمان ماكين بالسلام من خلال القوة والتهديد العسكري. وحول موضوع روسيا، يعتبر الفريقان أن عضوية جورجيا وأوكرانيا في حلف شمال الأطلسي شارفت على التحقق، وهي إجابة صحيحة على الترهيب الروسي. لكن عندما يفضل ماكين أن يستكمل هذا الخيار بسرعة ويعبّر عن رغبته في إخراج روسيا من مجموعة الدول الصناعية الثماني، قد تصبح الأمور أسوأ بدل أن تكون أفضل. وحول موضوع كوريا الشمالية، لا يملك أي من الطرفين مقاربة ذات رؤيا تحاول مثلاً أن تدفع بيونغيانغ نحو الإصلاح كما فعلت فيتنام على مدى سنوات. لكن عندما يفضل بايدن الجمع بين ديبلوماسية متشددة واستخدام ذكي لسياسة العصا والجزرة الاقتصادية، فهو افضل تفكيراً بين المرشحين الأربعة المدرجين على اللائحتين. لم يكن إعلان حملة ماكين - بايدن السلبي عنصراً اساسياً في عملية اتخاذ قراري. وفي وقت دار الحديث كثيراً عن تحالفات اوباما السياسية القديمة، سمعت بنفسي إعلانات من جانب اوباما - بايدين غير عادلة تجاه ماكين - بايدن. ان الحديث عن رغبة ماكين في صرف 10 بلايين دولار في الشهر في العراق هو أمر خاطئ. كما يبدو مريباً الادعاء بأن ماكين اقترح خطة صحية يدعمها الاقتصاديون كطريقة لتنظيم نفقات نظامنا الطبي المتزايدة، سيكلف بعض الأشخاص رفيعي المستوى تريليون دولار بالاعتماد على دراسة تحليلية قامت بها منظمة تهتم بالبحث. ولم اجد أن اوباما - بايدن قادران في هذه المسألة وفي مسائل أخرى على أن يكونا سياسيين يدخلان تغييراً معيناً. لكن على المرء ان يعترف بأنهما يقومان بعمل رائع على صعيد السياسات التقليدية. عموماً، لا ازال ارى اللائحتين قويتين والمرشحين الاربعة مثيرين للاهتمام. في حال ربح ماكين - بايدن، لن استفيق يوم 5 تشرين الثاني نوفمبر خائفاً على مستقبل البلد أو العالم. لكن بالنظر إلى الأمور كافة، وبفضل جو بايدين القادم من ديلاوير، سأعود الى مبادئي وأصوّت للمرشح الديموقراطي في يوم الانتخابات. باحث بارز في مؤسسة "بروكينغز" متخصص في شؤون السياسة الخارجية ينشر هذا المقال بالتعاون مع صحيفة"بوليتيكو"الأميركية.