حين يقول وزير خارجية المغرب إن بلاده ترفض أنصاف الحلول في التعاطي مع نزاع الصحراء، فإنه يعرض بطريقة غير مباشرة للأنصاف المغيبة الكامنة في البحث عن حل وفاقي يعيد لمشروع الاتحاد المغاربي فعاليته. فقد وجد رواد البناء المغربي الطريق سالكة عام 1989، فالوفاق الذي صنعه الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري المستقيل الشاذلي بن جديد كان بمثابة منارة امتدت الى العواصم المغاربية. غير ان منطقة الظل التي لم تشملها الأضواء لم تراوح مكانها. فقد تصور الزعماء المغاربيون ان الاندفاع في البحث عن عناوين التكامل الاقتصادي واقتباس معالم الوحدة الأوروبية يمكن ان يساعد في إذابة مشكلة الصحراء. وكانت المفاجأة ان عدم طرح الملف الشائك على جداول أعمال القمم المغاربية لا يعني انه لم يعد موجوداً أو تراجع الى الخلف. وقتها لم تكن صورة أي حل لنزاع الصحراء قد تبلورت في الأذهان وعلى الارض. فالحرب كانت تدور على نطاق آخر، وأقصى ما فعلته الجزائر في عهد الرئيس بن جديد انها تركت للمغاربة مبادرة حسم الحرب من خلال إكمال بناء الجدار الأمني. وكانت تلك لفتة بالغة الدلالات رد عليها المغاربة بتحية أحسن منها عبر التزام تمديد العمل باتفاق ترسيم الحدود وحسن الجوار. كان الاثر اشبه بترويض سياسي اعاد علاقات الانفراج بين المغرب والجزائر الى مربعها الطبيعي، وأقل توتراً واكثر رغبة في الإمساك بخيوط الحل الذي كان بصدد التبلور. فالامم المتحدة لم تكن صاغت خطتها حول التسوية بعد. وكان الرهان على ان ذلك الانفراج الذي انعكس ايجاباً على المنطقة المغاربية بإمكانه ان يدفع بجهود الأممالمتحدة الى الأمام. لكن انهيار الوفاق الاقليمي ادى الى تعرض الجهود الدولية الى الانتكاس، لا سيما أن النزاع مدرج ضمن خانة وفاق الأطراف المعنية كافة التي تفرض المشاركة في الحل. الآن يبدو الوضع مختلفاً. وفاق اقليمي غائب وحل سياسي قائم ينتظر اشارة البدء والالتزام. وبين الوضعين يسود الانتظار والترقب. وما لم تحدث معجزة الملاءمة بين الوضعين يصعب تصور أي تقدم ينزع مخاطر التوتر والتدهور. وحده الموفد الدولي السابق الى الصحراء بيترفان فالسوم انتبه الى ضرورة الجمع بين طرفي المعادلة، الوفاق الاقليمي والحل الدولي. لذلك حرص على صوغ تصور يحض دول الجوار المغاربي على دعم خطة مفاوضات الصحراء. فالمعادلة ليست صعبة ولكنها معقدة، وما يزيدها تشابكاً أن الوفاق الاقليمي الذي يعتبر الأصل في تكريس الحل الدولي يبدو مستبعداً، لكنه قابل للتحقق. وأقربه أن الحل الدولي بدأ يفرض نفسه على الجميع. كما لن يكون أي معنى للمفاوضات المرتقبة إن لم تبدأ من آخر المفاصل التي توقفت عندها. فذلك المعنى يرتبط في جوهره بمدى رغبة الأطراف المعنية في الذهاب بعيداً على طريق الحل، وهذه قضية ملازمة لمسار الوفاق المطلوب على الصعيد الاقليمي، أقله أن يكون المفاوضون مستعدين لفتح صفحة جديدة، تعزز خيار لا غالب ولا مغلوب. فالمفاوضات في حال استئنافها من منطلقات جديدة ستجري في مانهاست في ضواحي نيويورك، لكن قاعدتها الخلفية ستكون مستقرة في الرباطوالجزائر ونواكشوط وتيندوف، من دون إغفال البعدين الأوروبي والأميركي في تكييف نتائجها البعيدة المدى. بالقدر الذي استطاعت الأممالمتحدة أن تجلب أطراف النزاع الى مانهاست بالقدر الذي تمسكت الأطراف نفسها بمسافات التباعد القائم في المواقف وعلى الأرض. فقد أبانت الجولات السابقة أن ما كان يدور في كواليس مانهاست برعاية الأممالمتحدة ليس هو الذي يجري في منطقة الشمال الافريقي. ومع التسليم بفرضية أن جهود الأممالمتحدة في تعاطيها مع نزاع الصحراء ذات علاقة مباشرة بتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وليس أي شيء آخر، فلا أقل من أن تكفل الأطراف المعنية دعماً سياسياً لهذا المسار، أكان ذلك على صعيد تنقية الأجواء والبحث عن الانفراج، أو في نطاق التعاون الكامل مع المساعي الدولية. يصعب تصور مفاوضات بين المعنيين مباشرة أو بطريق غير مباشرة تغوص نحو جوهر المشكلة مع حوار الطرشان السائد على الأرض حتى لو كان بخلفية معاودة إحياء مسار الحوار المغاربي الصرف.